تقرير / لا ميديا -
في سماء غزة تتكدّس الطائرات الصهيونية، محملة بموت لا ينتهي. كلّ شارعٍ صار يقيناً من رماد، وكلُّ بيتٍ صار شاهداً على جريمة تتكرر يومياً بوحشية أشد. ليس ثمة معركة في قطاع غزة بين جيش وآخر، بل مشروع مُمنهجٌ لتجريد أرض كاملةٍ من أهلها. أمّا من يدّعون أنهم يحمون القانون فإما سكتوا وإما مدّوا بمظلة سياسية تحمي الجلّاد، فصار الصمتُ الأوروبيُّ والمشاركة الأمريكية جزءاً من المشهد الإجرامي. الفلسطينيون في قطاع غزة لا يواجهون مجرد قصف، بل يواجهون سياسةً تُعاقبُهم على وجودهم وبقائهم في أرضهم؛ لذا فإنّ الخطبَ الدبلوماسيةَ الخانعةَ لا تُغفر، والصفحَ عن هذه الجرائمِ لن يُمحى من ذاكرة العالم.
أمس، وخلال 12 ساعة فقط، ارتقى 41 شهيداً بنيران الاحتلال في القطاع، بينهم 19 بمدينة غزة.
وبلغت حصيلة الشهداء في غزة نحو 65,174 شهيداً وأكثر من 166,000 مصاب، وأكثر من 12 ألف مفقود، منذ بدء العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مع تسجيل عشرات الشهداء والجرحى يومياً. 
وشنّت طائرات الاحتلال عشرات الغارات على شمال القطاع ومدينة غزة، تزامناً مع تفجير عشر عربات مفخخة في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاء بارد، بل شهادة دامغة على سياسة عسكرية من التجويع والتدمير المنهجي والإبادة.

440 شهيداً بالتجويع
القصف المدفعي والجوي المتواصل الذي ينفذه العدو الصهيوني في اليوم الـ714 من الحرب لا يكتفي بتدمير البنى التحتية، بل يستهدف مقدرات الحياة اليومية.
فعلى الصعيد الإنساني، أفادت وزارة الصحة في غزة، في آخر تحديث، بتسجيل 4 شهداء جدد بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة، بينهم طفل، ليرتفع عدد ضحايا التجويع إلى 440 شهيداً، منهم 147 طفلاً.
وبيّنت الوزارة أنّ 157 حالة وفاة سُجّلت منذ إعلان المجاعة رسمياً من قبل الأمم المتحدة، في ظل استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات منذ أكثر من ستة أشهر.
مزيدٌ من المدنيين يلقون حتوفهم، ومزيدٌ من الأطفال يزهقون جوعاً، نتيجة حصار قاتل على المساعدات، في إطار جريمة عقابية تُعاقب المدنيين على الانتماء الجغرافي فقط.

العدو يهدد بجرائم غير مسبوقة
في سلوك غير مستغرب من كيان المسوخ الصهيونية، أعلنت قوات الاحتلال، أمس، إغلاق طريق صلاح الدين بشكل كامل أمام حركة النزوح من مدينة غزة باتجاه الجنوب.
وجاء في البيان: "سيواصل الجيش العمل بقوة شديدة وغير مسبوقة ضد حماس وباقي المنظمات الإرهابية"، على حد تعبيره.
وأضاف أنّ "من هذه اللحظة يتسنى الانتقال جنوباً عبر شارع الرشيد فقط"، داعياً السكان إلى ما وصفه بـ"انتهاز الفرصة والانضمام إلى مئات الآلاف من سكان المدينة الذين انتقلوا جنوباً إلى المنطقة الإنسانية".

المقاومة تتوعد الاحتلال
في المقابل، أعلنت كتائب القسام - الجناح العسكري لحركة حماس، أمس، تنفيذ عملية جديدة ضمن سلسلة "عصا موسى" أسفر عنها إيقاع آليات للعدو في حقل عبوات معدّ مسبقاً شرق مفترق الصفطاوي غرب معسكر جباليا شمال قطاع غزة.
وصرّحت القسام أن أسرى العدو موزعون داخل أحياء مدينة غزة، محذّرةً من أنها لن تكون حريصة على حياتهم طالما قرر نتنياهو قتلهم، ومؤكّدةً أنها جهّزت "جيشاً من الاستشهاديين وآلافاً من الكمائن والعبوات الهندسية".
من جهتها، أفادت قوات الشهيد عمر القاسم بأن مقاتليها استولوا على طائرتين من طراز "كواد كوبتر" أثناء تحليقهما فوق حيي التفاح والشيخ رضوان.
وتعكس هذه التطورات استمرار نمط المواجهة الذي تحوّل إلى حرب عصابات تكبّد العدو الصهيوني خسائر فادحة مستمرة.
حتى الإعلام الغربي و"الإسرائيلي" نفسه يعترف باستعصاء غزة؛ إذ نقلت "نيويورك تايمز" عن ضابط استخبارات صهيوني سابق أنّ من "السذاجة الاعتقاد بأن إسرائيل يمكنها القضاء على حماس في وقت قصير"، فيما كتب الصحفي أفي أشكنازي في صحيفة "معاريف" أنّ رفح وبقية مدن غزة تؤكد أن حماس لم تُهزم، بل غيّرت أسلوبها إلى حرب عصابات، وأن خطاب الاستسلام الذي يروّج له السياسيون في "تل أبيب"، "ليس سوى كلام فارغ".

واشنطن تعرقل قراراً يدعو إلى وقف النار
على الصعيد الدولي عرقلت الولايات المتحدة، مجدداً، أمس الأول، تبنّي مجلس الأمن الدولي نصاً يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر والمدمّر، في اقتراح تؤيّده غالبية الدول الأعضاء التي تحاول التحرّك في مواجهة الحرب المستمرّة منذ 23 شهراً.
وسبق للولايات المتحدة أن رفضت مشاريع قرارات مشابهة طُرحت للتصويت في مجلس الأمن، كان آخرها في حزيران/ يونيو، عندما استخدمت حق النقض لحماية حليفتها "إسرائيل".

ميناء رافينا الإيطالي يمنع شحن متفجرات إلى الكيان
مع هذه المواقف الدولية المتخاذلة والمتواطئة، تظهر بوادر انتفاضة أخلاقية في أروقة العمل المدني العالمي؛ إذ رفض ميناء رافينا الإيطالي، أمس الأول، دخول شاحنتين تحملان متفجرات كان من المقررة شحنها إلى كيان العدو، مع تصاعد الاحتجاجات على الإبادة في غزة بين عمال الميناء ومجموعات عمالية أخرى في البلاد.
وقال رئيس بلدية رافينا، أليساندرو باراتوني، إن هيئة الميناء قبلت الطلب المقدم منه ومن الحكومة المحلية بمنع دخول الشاحنتين اللتين تحملان متفجرات في طريقهما إلى ميناء حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف في بيان: "تقول الدولة الإيطالية إنها حظرت بيع الأسلحة إلى إسرائيل؛ لكن من غير المقبول أن تمر (تلك الأسلحة) عبر إيطاليا من دول أخرى بسبب ثغرات بيروقراطية".
ويعكس قرار رافينا رفضاً متزايداً في إيطاليا للهجوم لحرب الإبادة الصهيونية على غزة.
واتخذ عمال موانئ في دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا والسويد واليونان، إجراءات مماثلة لمنع وصول شحنات الأسلحة إلى العدو الصهيوني.
وفي مطلع حزيران/ يونيو الماضي رفض عمال ميناء مرسيليا الفرنسي تحميل حاويات من المعدات العسكرية المتجهة إلى حيفا؛ رفضاً للمشاركة في الإبادة التي يرتكبها العدو في غزة.