عادل بشر / لا ميديا -
شهدت المواجهة بين اليمن والكيان الصهيوني تطوراً لافتاً يعكس تصاعد وتيرة العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني ضد كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، وعزز هذا التطور نجاح قوات صنعاء في توجيه ضربة مباشرة لمدينة «إيلات» (أم الرشراش) بطائرة مسيّرة لم تكتشفها أنظمة الرادار ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة التي تتباهى بها «تل أبيب»، رغم الجهوزية القصوى لمواجهة أي هجمات من الساحة اليمنية.
القوات المسلحة اليمنية أعلنت، في بيان تلاه المتحدث باسمها العميد يحيى سريع، مساء أمس الأول الخميس، أنها نفذت 3 عمليات عسكرية نوعية، ضربت أهدافاً حساسة للكيان، في مناطق يافا وأم الرشراش وبئر السبع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح أن القوة الصاروخية نفذت عملية عسكرية نوعية بصاروخ باليستي فرط صوتي نوع «فلسطين 2»، ضارب هدفاً عسكرياً حساساً للعدو في منطقة يافا المحتلة، مؤكداً أن العملية «حققت هدفها بنجاح، وأدت إلى هروب الملايين نحو الملاجئ، وإغلاق المجال الجوي».
وأشار البيان إلى أن سلاح الجو المسيّر نفذ عمليتين عسكريتين نوعيتين متزامنتين، استهدفت الأولى بثلاث مُسيّرات أهدافاً مختلفة في منطقة أم الرشراش، «إيلات»، فيما ضربت العملية الثانية بطائرة مُسيّرة هدفاً حساساً في منطقة بئر السبع، لافتاً إلى أن هذه العمليتين حققتا هدفيهما بنجاح.
وأفاد بأن العمليات العسكرية تأتي «انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعزاء، ورداً على جرائم الإبادة الجماعية والتصعيد الخطير الذي يقوم به العدو بحق إخواننا في قطاع غزة، وفي إطار الرد على العدوان الإسرائيلي على بلدنا».
وشدد على أن «أم الرشراش ستبقى تحت دائرة الاستهداف المستمر للقوات المسلحة اليمنية»، مؤكداً أن الوقائع والتطورات تثبت أن «العدو خطر يتهدد المنطقة بأسرها، ولا يقتصر خطره على جغرافيا فلسطين المحتلة»، وأن «اليمن الحر المستقل سيمضي قدماً في تطوير قدراته العسكرية لتعزيز موقفه في هذه المعركة، وسيواصل عملياته الإسنادية للشعب الفلسطيني المظلوم حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة».

اعترافات العدو
في الجانب الآخر، أقرت وسائل إعلام عبرية بنجاح المُسيّرة اليمنية في اختراق منظومات الدفاع الصهيونية والوصول إلى العمق «الإسرائيلي» دون أن يتم اكتشافها أو اعتراضها.
وقالت إذاعة «جيش» الاحتلال إن المسيّرة ضربت فندق «نافيه» في «إيلات»، الذي يبعد عن القاعدة البحرية 1500 متر فقط، ويقع الفندق، أيضاً، على مقربة من مبنى بلدية «إيلات».
وذكرت وسائل إعلام عبرية أخرى أنه تم إغلاق المجال الجوي في مطار «رامون»، بُعيد وقت قليل من دويّ صفارات الإنذار في «إيلات»، التي شهدت انقطاعاً للتيار الكهربائي، جراء الضربة اليمنية، فيما تناقلت منصات ومواقع إخبارية عبرية مشاهد فيديو للطائرة المُسيّرة وهي تحلق في أجواء أم الرشراش وتنقض على الهدف بسرعة كبيرة.
صحيفة «معاريف» وصفت الهجوم الجديد بأنه «إنجاز جديد للحوثيين»، مشيرة إلى أن «الدفاع عن المدينة ضد تهديدات الحوثيين يشكل تحدياً كبيراً للجيش الإسرائيلي، برغم وجود مجموعة متنوعة من أنظمة الدفاع، بما في ذلك طائرات استطلاع، وقبة حديدية بحرية، وأنظمة اعتراض أخرى».
من جهتها نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن رئيس بلدية «إيلات»، إيلي لانكري، قوله: «إن الأحداث الأخيرة تُعيد إلى الأذهان الأشهر الأولى من الحرب، عندما تعرضت المدينة لهجمات حوثية متكررة». وأضاف: «يجب أن تُقلقنا الأحداث الأخيرة. انتهى الأمر مرة أخرى بمعجزة؛ لكنني أطالب بالتحقيق في هذه الحادثة، تماماً كما حدث في غارة مطار رامون».
وأشار لانكري إلى أن «إيلات لم تواجه التهديد المباشر بالنيران اليمنية فحسب، بل تواجه أيضاً تحديات اقتصادية جسيمة»، لافتاً إلى أن المدينة على وشك الانهيار، بسبب اعتمادها على السياحة، إذ تستضيف أكثر من 60 ألف نازح من مستوطنات شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بخلاف الشلل التام لميناء «إيلات» جراء الحصار البحري اليمني.

رسائل استراتيجية وإخفاق متكرر
يرى خبراء أن الضربة الأخيرة، وإن بدت محدودة في طابعها الميداني، إلا أنها تحمل رسائل استراتيجية عميقة. فـ»إيلات» تُعدّ البوابة الجنوبية للكيان على البحر الأحمر، وأي تهديد لها ينعكس مباشرة على حركة الملاحة والتجارة والسياحة، ما يجعل الاستهداف في هذا التوقيت ضربة معنوية مؤلمة للمؤسسة العسكرية والأمنية «الإسرائيلية».
كما أن الاستهداف الأخير لمدينة أم الرشراش ليس معزولاً؛ ففي مطلع الشهر الجاري، تمكنت الطائرات المسيّرة اليمنية من ضرب «مطار رامون» مرتين متتاليتين خلال يومين، ما أدى إلى تعطيل الحركة الجوية وإثارة قلق واسع لدى المستوطنين والسياح على حد سواء.
نجاح هذه الضربات المتكررة في الوصول إلى أهدافها يؤكد، وفقاً لخبراء، تطور القدرات العسكرية اليمنية وتمكُّنها من اكتشاف ثغرات كبيرة في شبكة الدفاعات الجوية «الإسرائيلية»، رغم المليارات التي أنفقتها «تل أبيب» على أنظمة مثل «القبة الحديدية» و»باتريوت» و»مقلاع داوود» وغيرها.
ومنذ أسابيع، يكثف الكيان الصهيوني ضرباته الجوية على المنشآت الخدمية المدنية في صنعاء والحديدة، وكان آخرها استهداف ميناء الحديدة، الثلاثاء المنصرم، بنحو 12 غارة جوية.
ويزعم العدو أن هذه الغارات تهدف إلى وقف الهجمات البحرية والجوية اليمنية. غير أن الوقائع على الأرض تثبت فشل هذه الاستراتيجية؛ فعمليات صنعاء المساندة لغزة لم تتراجع، بل تصاعدت وتوسعت في نطاقها الجغرافي ونوعية أهدافها، وصولاً إلى عمق فلسطين المحتلة.

اليمن.. من أقصى الجنوب يمد ذراعه إلى فلسطين
وبحسب الخبراء فإن العمليات اليمنية ضد العدو الصهيوني ليست مجرد رسائل رمزية أو تضامنية، كما يفسرها البعض، بل إنها معادلة ميدانية راسخة من البحر الأحمر إلى عمق الأراضي المحتلة، ومن مطار اللد إلى «رامون» وقلب أم الرشراش، حيث اختارت صنعاء، البعيدة جغرافياً والقريبة وجدانياً، أن تكون جزءاً أصيلاً من معركة فلسطين، وأن دماء غزة تجري في عروق مقاتليها.
فكلما قصفت «إسرائيل «موانئ الحديدة ومدن اليمن بالصواريخ، جاءها الرد من السماء بصواريخ وطائرات مسيّرة تخترق دفاعاتها وتدكّ حصونها. ومع كل ضربة، يتكرّس حضور اليمن في المعركة الكبرى على فلسطين، كذراع تمتد من أقصى الجنوب لتقول: «إن الطريق إلى القدس لا تحدّه المسافات، ولا توقفه المنظومات الدفاعية المتطورة، ولا ترهبه الجيوش مهما عظمت».