ثورة 21 أيلـول.. 11 عاماً من الصمود وصناعة السيادة
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

خــاص / لا ميديا -
في مثل هذا اليوم من عام 2014، دوّى في سماء صنعاء صوت جديد للحرية، معلنا ميلاد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، بقيادة سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، لتسير على نهج القرآن الكريم، فلم تكن حدثاً عابراً في سجل اليمن، بل محطة فاصلة أعادت صياغة معادلة القوة والسيادة في وجه قوى الوصاية والهيمنة.
واليوم، ومع حلول ذكراها الحادية عشرة، يتجدد الحضور الشعبي والعسكري والسياسي للثورة ويتعزز الولاء لقائدها السيد عبدالملك الحوثي، كما تتجلى ملامح ثورة 21 أيلول/ سبتمبر كحدث استثنائي لم يكتفِ بتحرير القرار الوطني فحسب، بل أسس لمرحلة جديدة جعلت اليمن رقماً صعباً في معادلات المنطقة، وعنصراً فاعلاً في معركة الأمة ضد الاستكبار والصهيونية.
ثورة ضد الفساد والوصاية
جاءت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر امتدادا لسنوات من المعاناة الشعبية مع الفساد والارتهان للخارج، حيث تآكلت الدولة تحت وطأة المحاصصة الحزبية والمُراضاة الشخصية لمراكز النفوذ بينما كانت القرارات السيادية تُصاغ في أروقة السفارات الأجنبية.
كان الشعب اليمني يتوق إلى قرار مستقل وحكومة نزيهة، ورفض لهيمنة قوى النفوذ التي استباحت مقدراته لعقود.
فجاءت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر لتعلن بوضوح أن زمن الوصاية قد انتهى، وأن اليمنيين أحرار في صناعة مستقبلهم بعيدا عن الهيمنة الخارجية.
وخلال 11 عاماً، حققت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، جملة من المنجزات التي لا يمكن إنكارها، من أبرزها إسقاط مراكز النفوذ التقليدية، حيث أزاحت الثورة قوى الفساد التي مثلتها مراكز القوى العسكرية والقبلية والحزبية، وفتحت الباب أمام إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة.
ونجحت الثورة في استعادة القرار الوطني، فلم يعد القرار اليمني مرتهناً لسفارات واشنطن والرياض وأبوظبي، بل أصبح يصاغ في صنعاء، بما يعكس طموحات الشعب ومصالحه الوطنية.
وتمكنت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر من بناء القدرات العسكرية والأمنية، فتحولت صنعاء -رغم الحصار والعدوان- إلى مدرسة في الصمود والإبداع العسكري، من تطوير الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، إلى الدفاعات البحرية التي غيّرت موازين القوى، وردعت أعتى قوة في المنطقة.
كما أن إغلاق السفارة الأمريكية مطلع 2015، يُعد حدثاً مفصلياً أفقد واشنطن واحداً من أكبر أوكار التجسس في المنطقة. وقد اعترف مسؤولون أمريكيون خلال معركة البحر الأحمر المساندة للشعب الفلسطيني، بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى المعلومات الاستخبارية حول قوة صنعاء بعد إغلاق سفارتها.
إلى جانب ذلك، سجلت الثورة صموداً أسطورياً، فعلى الرغم من الحرب الاقتصادية والعدوان العسكري الذي شُنّ منذ 2015، ظل الشعب اليمني متماسكاً خلف ثورته، مقدماً قوافل الشهداء في سبيل الحرية والسيادة، وعزز ذلك نجاح الثورة في ترسيخ ثقافة الصمود والمقاومة بين أوساط الشعب.
21 مُكملاً لـ26
لم تولد ثورة 21 أيلول/ سبتمبر من فراغ، بل جاءت امتداداً لمسار ثوري بدأ بثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962م، غير أن ثورة 26 العظيمة جرى خلال عقود إفراغها من مضمونها بفعل الوصاية الخارجية وتغوّل قوى الفساد والارتهان، حتى تحولت شعاراتها إلى مجرد ذكرى سنوية لا روح فيها.
ومن هنا، فإن ثورة 21 أيلول/ سبتمبر جاءت لتعيد الاعتبار لأهداف 26 أيلول/ سبتمبر، وتبعث فيها الروح من جديد، عبر مواجهة الفساد وإسقاط الوصاية، وبناء الدولة المستقلة التي حلم بها اليمنيون منذ عقود.
التحديات والمؤامرات
لم يكن طريق ثورة 21 أيلول/ سبتمبر مفروشاً بالورود، بل واجهت منذ أيامها الأولى مؤامرات من الداخل والخارج، ففي آذار/ مارس 2015 أطلقت السعودية ومعها أكثر من 17 دولة وبدعم أمريكي -بريطاني -صهيوني حرباً شعواء على اليمن، بهدف إسقاط الثورة وإعادة اليمن إلى بيت الطاعة. قُصفت المدن، واستُهدفت البنية التحتية، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.
رافق ذلك العدوان حصار اقتصادي خانق استُخدم فيه سلاح المرتبات والموانئ والمطارات لخنق الشعب اليمني.
وإلى جانب الحرب العسكرية والحصار الاقتصادي واجهت ثورة 21 أيلول حرباً إعلامية وسياسية، سُخرت فيها مئات القنوات والمنابر لتشويه الثورة، ووصمها بالانقلاب، بهدف ضرب الحاضنة الشعبية وإضعاف إرادة اليمنيين.
كما حاولت بعض القوى استغلال ظروف الحرب لتمزيق النسيج الاجتماعي، إلا أن الثورة استطاعت امتصاص كثير من الصدمات وتثبيت الاستقرار في المناطق الحرة.
من صنعاء إلى القدس
لم تقتصر ثورة 21 أيلول/ سبتمبر على إسقاط الوصاية الداخلية والخارجية، بل تحولت إلى مشروع تحرري إقليمي. وقد تجلى ذلك بوضوح في معركة "طوفان الأقصى" منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث كانت صنعاء ولا زالت حاضرة وبقوة إلى جانب غزة في مواجهة الكيان الصهيوني وداعميه.
القدرات التي بُنيت بفضل 21 أيلول/ سبتمبر جرى تسخيرها عملياً في ضرب العمق "الإسرائيلي" واستهداف السفن المرتبطة بالكيان في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
المعركة لم تقتصر على عدو الأمة، بل امتدت إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين شاركتا ضمن تحالف غربي قادته واشنطن ولندن ضد صنعاء حماية للكيان الصهيوني، فواجهتهما صنعاء بعمليات نوعية أثبتت أن اليمن بات رقماً صعباً في معادلة الإقليم.
هذه المشاركة اعتُبرت تتويجاً لمسار الثورة، إذ انتقل اليمن من بلد مرتهن للوصاية إلى فاعل رئيسي في محور المقاومة، يعيد تعريف موقعه ودوره في الصراع العربي -"الإسرائيلي".
ثورة لا تنكسر
ما يميز ثورة 21 أيلول/ سبتمبر أنها لم تتوقف عند حدود صنعاء، بل تحولت إلى مشروع وطني تحرري ألهم الأحرار في المنطقة. فقد باتت تجربة اليمن في مقاومة العدوان نموذجاً يُحتذى، ورسخت معادلة جديدة قوامها أن الإرادة الحرة قادرة على هزيمة أحدث الأسلحة وأضخم الجيوش.
ورغم كل التضحيات، استطاعت الثورة أن تبقى حيّة متجددة، تعلن كل عام أنها أكثر صلابة، وأن الدماء الزكية التي سالت من أجلها لم تذهب هدراً، بل أثمرت كرامة وعزة واستقلالاً.
الحصاد بعد 11 عاماً
اليوم، وبعد أكثر من عقد على انطلاقها، يمكن القول إن ثورة 21 أيلول/ سبتمبر نجحت في:
إسقاط الوصاية الأجنبية.
بناء قدرات ردع عسكرية غير مسبوقة.
الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية رغم العدوان.
إدماج اليمن في معركة الأمة ضد الكيان الصهيوني والاستكبار العالمي.
ترسيخ الوعي الشعبي بأهمية الاستقلال والسيادة.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمامها هو استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وتجاوز التحديات الاقتصادية التي خلفتها سنوات الحرب والحصار.
وفي الخلاصة، بعد أحد عشر عاماً من الصمود والإنجازات، أثبتت ثورة 21 أيلول/ سبتمبر أنها جزء من هوية اليمنيين، وعنوان لمرحلة جديدة من الكرامة والسيادة، وأنها معركة تحرر وطني تلاقت مع قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين.
وفي زمن الارتباك العربي، يظل يوم 21 أيلول/ سبتمبر شاهداً على أن اليمن اختار طريق الكرامة والسيادة، وأنه ماضٍ في معركته حتى يتحقق النصر الكامل، مهما كانت التضحيات، وأن الشعوب إذا أرادت الحياة فلن يقف أمامها طغيان الخارج ولا فساد الداخل.
المصدر خاص / لا ميديا