عادل بشر / لا ميديا -
رغم مضي قرابة الأسبوعين على الجريمة البشعة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق كوكبة من الصحفيين اليمنيين، إلا أن أصداءها لا تزال تتوالى في الأوساط الصحفية العالمية، وإن كان ذلك بالحد الأدنى مقارنة بحجم مجزرة سقط فيها 55 صحافياً وإعلامياً ما بين شهيد وجريح، جراء غارات «إسرائيلية» استهدفتهم في مقراتهم أثناء أداء عملهم الإعلامي.
في هذا الصدد نشر موقع بكين نيوز (Beijing News) الصيني، أمس، تقريراً بعنوان (مقتل 31 صحفياً في صنعاء: الغارات الجوية الإسرائيلية تفتح شرخاً جديداً في الفوضى في الشرق الأوسط)، أشار فيه إلى الغارات الصهيونية على العاصمة صنعاء ومحافظة الجوف في 10 أيلول/ سبتمبر الجاري، والتي استهدفت خلالها مقري صحيفتي «26 سبتمبر» و»اليمن» ومحطة بنزين تابعة للقطاع الطبي بصنعاء، والمجمع الحكومي في محافظة الجوف، ونتج عن ذلك استشهاد وإصابة نحو 211 جُلهم من المدنيين بينهم 32 شهيداً و23 جريحاً من الصحفيين والإعلاميين في صحيفتي 26 سبتمبر واليمن.
التقرير الذي تناقلته على نطاق واسع منصات ومواقع إلكترونية صينية أخرى، أكد أن الكيان الصهيوني بهذه الجريمة «أضاف فصلاً آخر إلى سجله من المجازر بحق المدنيين»، لافتاً إلى أن «إسرائيل» حاولت تبرير جريمة قصف مبنى الصحيفتين اليمنيتين بأنها استهدفت «أهدافاً عسكرية» مرتبطة بجهاز الدعاية «الحوثي»، لكنها لم تقدم أدلة موثوقة، الأمر الذي يفضح حقيقة أن الغارات كانت عملية إعدام جماعي للصحفيين اليمنيين.

الجبهة الأكثر صلابة
ويرى تقرير موقع بكين نيوز (Beijing News) الصيني أن «هذه المذبحة المروعة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي تظهر أن اليمن أصبح برميل البارود الأحدث في الشرق الأوسط».
وأشار إلى أنه ومنذ اندلاع الجولة الجديدة من الصراع مع العدو الصهيوني في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، لم تكتفِ «إسرائيل» بفتح جبهة الحرب في غزة، بل وسعت دائرة عدوانها لتشمل لبنان وسوريا واليمن وإيران وحتى الساحل التونسي وقطر، مُشدداً على أن اليمن بات يمثل الجبهة الأكثر ثباتاً وصلابة في مواجهة عدو الأمة، إذ واصلت قوات صنعاء عملياتها الإسنادية للشعب الفلسطيني، وكذلك التصدي للعدوان «الإسرائيلي» ومن قبله الأمريكي والبريطاني والصمود أمام آلاف الغارات الجوية دون أي علامة للانكسار أو التراجع عن المعركة التي لا تنفصل عن التطورات في قطاع غزة.
وربط التقرير جرائم العدو الصهيوني بحق المدنيين في اليمن بما يرتكبه ذات العدو من إبادة جماعية في غزة وحصار خانق على القطاع منذ قرابة العامين، دون الالتزام بأدنى معايير القانون الإنساني الدولي، مؤكداً بأن المجتمع الدولي أدان تلك الأفعال مراراً وتكراراً ولكن هذه الإدانات غير فعالة، لعدم امتثال «إسرائيل» لالتزاماتها بموجب القوانين الدولية، من جهة، ومن جهة أخرى استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 14 مرة اقترح فيها المجلس قراراً لوقف إطلاق النار في غزة.

أكبر مذبحة خلال 16 عاما
من جهتها أعلنت منظمة «لجنة حماية الصحافيين» (Committee to Protect Journalists) الأمريكية، أن القصف «الإسرائيلي» الجوي على مقري صحفيتي «26 سبتمبر» و»اليمن» بصنعاء والذي أسفر عن استشهاد 32 صحفياً وإعلامياً وإصابة 22 آخرين، يعتبر ثاني أكبر مذبحة بحق الصحافة عالمياً منذ 16 عاماً، بعد مذبحة «ماغوينداناو» في الفلبين عام 2009م. في ذلك اليوم، اختطف 57 شخصًا، من بينهم 32 مراسلاً إعلاميًا، وقتلوا على يد رجال مسلحين خلال حدث انتخابي في مقاطعة «ماغوينداناو».
وكشف تقرير لجنة حماية الصحفيين (CPJ)، بأن الغارات الصهيونية دمرت منشآت الصحيفتين ومطابعهما وأرشيفهما، لا سيما أرشيف 26 سبتمبر الذي يُعد من أهم السجلات التاريخية اليمنية التي توثق تاريخ البلاد منذ القرن الماضي.

«إسرائيل» وتبرير الدم بالإرهاب
وذكرت لجنة حماية الصحفيين أن «هجوم إسرائيل على اليمن يُحاكي ضرباتٍ سابقة على غزة ولبنان وإيران، حيث فشلت مرارًا وتكرارًا في التمييز بين الأهداف العسكرية والصحفيين، مُبرِّرةً اغتيالاتها بتشويه سمعة الصحفيين واتهامهم بالإرهاب أو الدعاية، دون أدلةٍ موثوقة».
وصنفت اللجنة استهداف الصحفيين في صنعاء بـ«جرائم القتل واستهداف متعمد للصحفيين بسبب عملهم الإعلامي».
وقالت إنها وثقت خلال العقد الماضي، مقتل 227 صحفيًا حول العالم، كانت «إسرائيل» مسؤولة عن أكثر من 16٪ من هذه الجرائم، بهجماتها في غزة ولبنان وإيران واليمن، مشيرة إلى أن العدو الصهيوني قتل 193 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا في غزة، وستة في لبنان، وثلاثة في إيران، و31 في اليمن منذ بدء حرب غزة.
وأضافت «منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، برزت إسرائيل كقاتل إقليمي للصحفيين، حيث تكررت حوادث قتل الصحفيين في غزة ولبنان وإيران، والآن اليمن، مؤكدةً بذلك نهج إسرائيل الراسخ في وصف الصحفيين بالإرهابيين أو المروجين لتبرير عمليات القتل».
وأكدت لجنة حماية الصحفيين أن الغارات «الإسرائيلية» في 10 أيلول/ سبتمبر الجاري على مكتبين لصحيفتين في اليمن، تُمثل تصعيدًا مُقلقًا، يُوسّع نطاق حرب «إسرائيل» على الصحافة إلى ما هو أبعد من الإبادة الجماعية في غزة. ولا تُمثل موجة القتل الأخيرة هذه انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي فحسب، بل تُمثل أيضًا تحذيرًا مُرعبًا للصحفيين في جميع أنحاء المنطقة: لا مكان آمنا.

حرب مفتوحة
في الخلاصة ما كشفته لجنة حماية الصحفيين (CPJ) وتقرير موقع بكين نيوز (Beijing News) الصيني، يؤكد أنها حرب «إسرائيلية» مفتوحة على الصحافة، تُدار بوعي كامل لتكميم الأفواه واغتيال الذاكرة الوطنية لشعوب المنطقة. ففي اليمن، لم تكتفِ «تل أبيب» بقتل الصحفيين، بل دمّرت أرشيف صحيفة 26 سبتمبر، أحد أهم السجلات التاريخية للبلاد منذ القرن الماضي. هنا يتحول الاستهداف من جريمة حرب إلى محاولة لقتل التاريخ نفسه.
كما أن مجزرة الصحفيين في صنعاء لم تكن مجرد صفحة جديدة في كتاب الجرائم الصهيونية، بل محطة مفصلية تبرز أن اليمن لم يعد ساحة هامشية بل جبهة صلبة تقف في وجه أعتى أعداء الأمة والإمبراطوريات التي تقف خلفه.