تقرير / لا ميديا -
في ذاكرة الشعوب تبقى بعض اللحظات أكثر من مجرّد تاريخ عابر؛ تتحوّل إلى رموز حيّة تختزل معاني الصمود والإرادة. واليوم، وبين جراح المنطقة ونصرها الحتمي، تطلّ علينا الذكرى السنوية لاستشهاد السيّد حسن نصر الله والسيّد هاشم صفي الدين كقصيدة مكتوبة بالدم والإيمان، وكصرخة تُذكِّر الأجيال بأن الحرية تُنتزع ولا تُمنَح، وأنّ المقاومة ليست خيارًا عابرًا بل قدرُ أمّةٍ أرادت أن تحيا بكرامة. إنّها ليست مجرّد مناسبة تأبينيّة، بل لحظة وجدانية يتقاطع فيها الحزن مع الكبرياء، والفقد مع الأمل، لتصبح ساحة الشهادة مدرسة تزرع في الناس معنى أن يظلّوا واقفين رغم كل العواصف، يحملون راية المقاومة جيلاً بعد جيل.

ومن بغداد إلى صنعاء، وصولاً إلى البحرين، ارتفعت الأصوات والرايات في الذكرى السنوية الأولى لرحيل السيد حسن نصر الله وصفيّه الأمين السيد هاشم صفي الدين، لتؤكد أن الأمة لم تفقد قائداً، بل كسبت أسطورة حيّة تتناقلها الأجيال وتستمد منها العزم والإرادة.
في بيروت والجنوب اللبناني، أحيا حزب الله ذكرى الاستشهاد بمهرجانات جماهيرية واسعة. رفع المقاومون رايات الوفاء وتوافد قادة سياسيون ودينيون ليؤكدوا أن غياب نصر الله وصفي الدين لم يُضعف المقاومة، بل جعلها أكثر صلابة، وأن التشييع المليوني الذي شهدته شوارع الضاحية كان أكبر استفتاء شعبي على مكانة هذين القائدين في وجدان الأمة.
وانطلقت في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب فعاليات مركزية شملت الحفل المركزي أمام مرقد سيّد الأمة في جادة الإمام الخميني، ومراسيم في مرقد الشهيد السيد هاشم صفي الدين في دير قانون النهر، وفي مرقد السيد عباس الموسوي في بلدة النبي شيت البقاعية.
كما شهدت الباحة الخارجية لمقام سيد شهداء المقاومة الإسلامية، السيد عباس الموسوي، مراسيم رفع راية خاصة على سارية يبلغ ارتفاعها 25 متراً.
حيث تمّ رفع الراية العملاقة على السارية التي ترتفع 25 متراً، وعليها صور القادة الشهداء الثلاثة: السيد حسن نصر الله، والسيد هاشم صفي الدين، والسيد عباس الموسوي.

نعيم قاسم: نصر الله أسطورة عابرة للطوائف
وفي كلمة مؤثرة خلال الاحتفال المركزي، شدد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على أن رحيل السيد حسن نصر الله كان موجعاً، لكن حضوره لا يزال ساطعاً في وجدان المقاومين. وقال: «إن مقاومة السيد نصر الله عابرة للطوائف، وتلهم المسلمين والمسيحيين والعلمانيين على حد سواء. لقد أسس مقاومة نموذجية غيرت وجه المنطقة وامتد تأثيرها إلى العالم، وهو القائد الأممي الذي يلهم الأحرار في كل مكان».
وأضاف قاسم: «لن يهنأ الأعداء مادمنا نحمل إرثه، ولن ينتصروا وأبناؤه وأحبابه على العهد. لقد جسّد السيد نصر الله معنى القائد المسدد، صاحب العزيمة والقلب العطوف، وما زالت دماؤه وقوداً لطريقنا نحو النصر».
وأكد أن المقاومة باقية على العهد، وأنها لن تعرف سوى خيارين: النصر أو الشهادة، مبيّناً أن استشهاد السيد نصر الله وصفي الدين لم يُنهِ المسيرة بل منحها خلوداً يتجاوز الأجيال.
وحذر الشيخ نعيم قاسم من أن الخطر «الإسرائيلي» الأمريكي على لبنان هو خطر وجودي على المقاومة وعلى لبنان، مؤكداً أنه «لن نسمح بنزع السلاح، وسنواجهه مواجهة كربلائية، لأننا في معركة وجودية، وبإمكاننا تحقيق هذه المواجهة»، ورفض «أي مشروع يصب في خدمة إسرائيل، ولو أُلبس اللبوس الوطني».
وعن رؤية حزب الله للمرحلة المقبلة، أكد الأمين العام على وجوب «ألا نخضع للتهديدات بالعدوان، بل أن نواجهه بالدفاع لا بالاستسلام... وألا نخضع للتهديد بالحرمان من المساعدات، بل نواجه هذا التهديد بالاعتماد على إمكاناتنا، وبمواجهة الفساد في الداخل لنفسح المجال أمام انتظام المؤسسات، وأمام توجيه القدرات إلى الداخل»، وبالتالي «تطبيق اتفاق الطائف الذي ينص على: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً».

فعالية خطابية في صنعاء
وفي العاصمة صناء، أقيمت أمس فعالية خطابية إحياء للذكرى السنوية الأولى لشهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، ورفيقه السيد هاشم صفي الدين.
وفي الفعالية، عبر القائم بأعمال رئيس الوزراء العلامة محمد مفتاح، عن أحر التعازي لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وحزب الله وأمينه العام وأحرار لبنان والأمة والعالم بالذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسن نصر الله شهيد الوفاء ورفيق دربه السيد هاشم صفي الدين.

إحياءٌ حاشد في ساحة التحرير في بغداد
كما شهدت العاصمة العراقية بغداد مشهداً مهيباً، حيث احتشدت جماهير غفيرة في ساحة التحرير لتجديد البيعة لنهج الشهيدين. ارتفعت صور السيد حسن نصر الله على المباني والشوارع، ووصفه العراقيون بأنه «درّة لبنان وقائد الأمة»، الرجل الذي حمل قضاياهم في أحلك الظروف، ووقف إلى جانبهم في معركة التحرير من التكفيريين.
وفي كلمة مؤثرة، أكّد نجل الشهيد، السيد جواد نصر الله، من على منصة ساحة التحرير: «عهدنا للسيد نصر الله أننا لن نترك ساحات المواجهة والشرف». كانت كلماته بمثابة قسم جديد على السير على خطى والده، بما يعكس أن الدماء الطاهرة لا تموت، بل تتحول إلى مشاعل تضيء درب الأمة.

مسيرات تأبينية في البحرين
أما في البحرين، ورغم القبضة الأمنية القامعة، خرجت مسيرات واسعة في مناطق عدة بينها الدير والسهلة الجنوبية والبلاد القديم. رفعت الرايات والصور تأكيداً على أن صوت المقاومة لا يُكمَم، وأن الدماء الطاهرة أقوى من عصيّ القمع.
القوات الأمنية حاولت قمع التظاهرات واعتقلت عدداً من المشاركين، لكنّ الحراك استمر بإصرار لافت، ليقول البحرينيون إنهم على العهد، متمسكون بخط المقاومة ونهجها مهما اشتدت القيود.

يوم ابتُلي المؤمنون
وكان العدو الصهيوني قام في 27 أيلول/ سبتمبر 2024، باغتيال السيد حسن نصر الله، بضربات جوية استخدمت فيها عشرات الأطنان من المتفجرات، على مبنى في منطقة حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية.
وعقب استشهاد السيد نصر الله بأسبوع، اغتال العدو الصهيوني كذلك القيادي البارز هاشم صفي الدين الذي أعلن الحزب لاحقا أنه كان قد عيّن أمينا عاما له خلفا لنصر الله.