بالوثا ئق.. حكومة الفنادق تستورد 940 طن بذور بطاطس مصرية ملوثة عبر السعودية
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا

جريمة زراعية تتجاوز الفساد إلى الحرب البيولوجية على اليمن
عادل بشر / لا ميديا -
في مشهد يختزل التواطؤ السياسي والاقتصادي مع العدوان على اليمن، تكشّفت وثائق رسمية مسرّبة عن إدخال شحنة ضخمة من بذور البطاطس المصرية عبر منفذ الوديعة الرابط بين اليمن والسعودية، بتصريح صادر من وزارة الزراعة في حكومة المرتزقة بعدن.
الشحنة التي قُدّرت بمئات الأطنان لم تُسجَّل كبذور زراعية، بل وُصِفت في المذكرة الرسمية على أنها "بطاطس مائدة "صالحة للأكل" رغم أن الإنتاج المحلي لبطاطس المائدة يفوق احتياجات السوق، بينما الحقيقة التي تكشّفت لاحقًا أشد خطورة بكثير.
أرقام وبيانات
الوثائق التي حصلت "لا" على نسخة منها تشير إلى أن الشحنة تُقدر بنحو 900 طن، ففي إحدى الوثائق الصادرة من قطاع الخدمات الزراعية في حكومة المرتزقة بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، والموجهة إلى مشرف الحجر النباتي في منفذ الوديعة البري تتضمن توجيها صريحاً بالإفراج عن شحنة بطاطس مصرية تحت مسمى "بطاطس مائدة" بكمية 156 طناً، تابعة لتاجر يُدعى (م.ح.ع) وتحريز الكمية في مخازن التاجر، مشيرة إلى أن الشحنة دخلت منفذ الوديعة في 4 أيلول/ سبتمبر.
وفي مذكرة أخرى من ذات الجهة إلى مشرف الحجر النباتي في منفذ الوديعة بتاريخ 9 أيلول/ سبتمبر، تم التوجيه بـ"الإفراج بالتحريز" عن شحنة بطاطس مصرية المنشأ كميتها 208 أطنان وصلت إلى المنفذ بتاريخ 30 آب/ أغسطس الماضي، وتتبع نفس التاجر في المذكرة السابقة (م.ح.ع).
المذكرة الثالثة صادر في ذات التاريخ 9 أيلول/ سبتمبر، وتتضمن توجيها بـ"الإفراج بالتحريز" عن شحنة بطاطس مصرية المنشأ تم استيرادها من قبل تاجر يُدعى (أ.ع. قطبي) بكمية 26 طناً وصلت إلى المنفذ بتاريخ 30 آب/ أغسطس الماضي.
مذكرة أخرى حصلت "لا" على نسخه منها، عبارة عن تصريح استيراد صادر من وزارة الزراعة في عدن بتاريخ 27 آب/ أغسطس 2025م للتاجر (أ.ع. قطبي) باستيراد شحنة بطاطس قدرها 550 طناً مصرية المنشأ، وبحيث يتم استيرادها من السعودية.
بعملية جمع بسيطة لكميات البطاطس المصرية التي وصلت إلى منفذ الوديعة للتاجرين المذكورين 390 طناً، إضافة إلى 550 طناً التي صُرّح باستيرادها للتاجر (أ.ع. قطبي)، يكون إجمالي الكمية 940 طناً، أي ما يُغطي ثلث إنتاج اليمن سنوياً من بطاطس الأكل، حيث تُقدر كمية بذور البطاطس التي تحتاجها البلاد سنوياً بنحو 3200 طناً، وهذه الكمية صارت تُنتج محلياً عبر الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس التابعة لوزارة الزراعة بصنعاء.
بذور ملوثة بعفن بُني قاتل
تؤكد المعلومات المستقاة من تقارير وفحوصات مخبرية، أن هذه الكميات من البطاطس المصرية، ليست "بطاطس مائدة" وإنما تقاوي وبذور بطاطس ملوثة بأمراض بكتيرية بالغة الخطورة أبرزها مرض العفن البُني، أحد أخطر الأمراض التي تفتك بالمحاصيل الزراعية ولا يقتصر أثره على الموسم الواحد، بل يظل كامناً في التربة لعشر سنوات متواصلة وينتقل إلى مساحات زراعية أخرى عبر الأدوات الزراعية والمياه وغيرها، مدمراً الإنتاج الزراعي ومهدداً الأمن الغذائي لأي بلد يُصاب به. ورغم ذلك، سُمح بدخول الكمية وتحريزها شكليًا في مخازن التاجرين المستوردين. غير أن مصادر زراعية في محافظتي مأرب والجوف أكدت أن التاجرين قاما ببيعها مباشرة للمزارعين كبذور بطاطس، لتتحول الكارثة من خطر محتمل إلى تهديد قائم يهدد آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في مأرب والجوف وغيرهما.
الاكتفاء الذاتي الذي أرعبهم
المفارقة أن هذه الفضيحة تأتي في وقت كانت فيه وزارة الزراعة في صنعاء قد أعلنت عام 2023 تحقيق الاكتفاء الذاتي من بذور البطاطس الرتب العليا المنتجة محلياً بأيادٍ وكوادر يمنية 100% عبر الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس التابعة للوزارة والاستغناء عن الاستيراد. هذا الإنجاز الاستراتيجي لم يكن مجرد خبر زراعي، بل كان صفعة موجعة لقوى العدوان، إذ يعني أن اليمن أصبح قادراً على إنتاج بذوره المحلية النظيفة والخالية من الأمراض والفيروسات، ما يُغلق الباب أمام استيراد البذور الأجنبية المشبوهة ويعزز استقلالية القرار الزراعي. من هنا يمكن فهم الدوافع الحقيقية وراء إدخال شحنات مسمومة، فالهدف لم يكن اقتصادياً بحتاً، بل جزء من حرب باردة تستهدف ضرب البنية الزراعية اليمنية وإعادة ربطها بالخارج.
التوقيت ليس بريئًا
الأدهى أن إدخال الشحنة تم مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، أي قبل أيام قليلة فقط من انطلاق الموسم الشتوي لزراعة البطاطس في محافظتي مأرب والجوف ومحافظات يمنية أخرى بينها سيئون وغيرها. وهذا التوقيت الحساس يطرح علامات استفهام كبيرة: من الذي خطط لإغراق السوق بهذه الكمية قبيل الموسم مباشرة؟ ومن المستفيد من نشر المرض في الأراضي الزراعية مع بداية موسم جديد؟ إن الإجابة واضحة: من يريد تدمير قدرة اليمنيين على إنتاج غذائهم وإعادتهم إلى الارتهان للاستيراد الخارجي.
تُعد بذور البطاطس عنصراً محورياً في نجاح الموسم الزراعي وجودة المحصول؛ إذ تحدد مباشرة كمية الإنتاج وقيمته الاقتصادية، واختيار البذور السليمة والمضمونة من مصادر موثوقة أمر بالغ الأهمية، ولذلك فإن الاستهانة بهذا الجانب تعرض المزارعين لمخاطر متعددة، منها انخفاض الإنتاج، وانتشار الأمراض والآفات، وتدهور جودة المحصول، والأفظع من ذلك تدمير الأرض الزراعية.
الفساد والارتهان.. وجهان لعملة واحدة
الأمر لم يعد مجرد فضيحة فساد إداري أو تهاون وظيفي. نحن أمام جريمة منظمة تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية، حيث يتم تسخير مؤسسات الدولة في عدن لتكون أداة لتمرير صفقات مشبوهة على حساب حياة ملايين اليمنيين. فمن يمنح تراخيص الاستيراد يعلم جيدًا أن صنعاء منعت دخول أي بذور وتقاوي بطاطس أجنبية منذ إعلان الاكتفاء الذاتي، ومن يوقع على أوراق السماح يدرك خطورة مرض العفن البني وأثره الكارثي طويل المدى. وبالتالي فإن الجريمة ليست جهلًا أو خطأً، بل قرار متعمد يُدار ضمن منظومة أكبر تستهدف ضرب الزراعة اليمنية من الداخل.
البعد السياسي للحرب على الزراعة
لا يمكن فصل ما يجري عن سياق الحرب الشاملة على اليمن. فكما يُستهدف اليمنيون بالقصف والحصار والتجويع، فإن استهداف الزراعة يمثل الجبهة الأكثر خبثًا في هذه الحرب. إذ إن ضرب البذور، تلويث التربة، وإغراق السوق بالمبيدات السامة والمهربة، كلها أدوات حرب ناعمة لكنها أشد فتكًا على المدى البعيد. هذه ليست مجرد تجارة، بل حرب بيولوجية بامتياز، تُدار بأدوات اقتصادية وزراعية لكنها تخدم الهدف السياسي والعسكري ذاته: تدمير مقومات الصمود اليمني وتجويع الشعب وكسر إرادته.
دروس من التاريخ
الحروب الاقتصادية والبيولوجية ليست جديدة، فقد استُخدمت في بلدان عديدة كوسيلة لإضعاف الشعوب المقاومة. واليوم يُعاد السيناريو ذاته في اليمن: إغراق الأسواق بالبذور المريضة، إدخال مبيدات قاتلة، نشر أمراض زراعية يصعب السيطرة عليها. كل ذلك يحدث تحت لافتات براقة مثل "تشجيع التجارة الحرة" أو "توفير احتياجات السوق"، بينما الهدف الحقيقي هو تقويض الاستقلال الزراعي وتجريف ما تحقق من إنجازات محلية.
وفي الخلاصة إن إدخال شحنة البطاطس المصرية الملوثة ليس حادثة عابرة ولا خطأً إداريًا، بل حلقة في مسلسل طويل من الاستهداف الممنهج للأرض والإنسان في اليمن. هذه ليست تجارة بذور، بل قنابل بيولوجية مزروعة في التربة اليمنية، ستظل آثارها الكارثية لعشر سنوات قادمة إذا لم يتم تداركها. وما بين شحنات البذور الفاسدة والمبيدات المهربة والمواد الكيميائية المحرمة، تتكشف ملامح حرب خفية لا تقل خطورة عن القصف بالصواريخ، بل ربما أشد فتكًا لأنها تضرب مصدر الحياة نفسه: الأرض والغذاء. وعليه، فإن السكوت عن هذه الجريمة خيانة، والتهاون في مواجهتها مشاركة في العدوان. إنها حرب بيولوجية تُخاض ضد اليمن، ولن ينجو من آثارها أحد ما لم يتم التصدي لها بوعي وحزم ومسؤولية وطنية.
المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا