عادل بشر / لا ميديا -
اليمن لا يستنزف فقط بالعدوان العسكري والحصار الذي بدأ قبل عشر سنوات، بل ينهب من جوفه جهارا ، حيث تدير الإمارات واحدة من أخطر عمليات النهب المنظم للمعادن الثمينة في البلاد، مستخدمة معسكرات و مدارج طيران سرية ومرتزقة محليين وشاحنات مدرعة ، بينما يترك اليمنيون فريسة للفقر والحرب .
تكشف صور الأقمار الصناعية ومعلومات موثوقة حصلت عليها «لا» من مصادر محلية عن عملية نهب واسعة وثروات معدنية تسلب من جبل النار شرق مديرية المخا على الساحل الغربي في محافظة تعز الذي حولته الإمارات إلى منجم مفتوح، تستخرج منه شحنات من الذهب والنحاس والمعادن النادرة، ثم تهرب ليلا عبر مطار سري في مديرية ذوباب تحت حماية فصائل المرتزقة الموالين لـ «أبو ظبي» بقيادة طارق عفاش ما يسوق كـ «وجود عسكري ضد صنعاء» لم يعد سوى غطاء فاضح لعملية نهب سيادي منظم لثروة وطنية استراتيجية تسلب من اليمنيين وتصدر للخارج .

احتلال الساحل... مفتاح النهب
منذ بداية تدخلها العسكري في اليمن ضمن عدوان شامل بقيادة السعودية، فرضت الإمارات نفوذها على الشريط الساحلي الغربي الممتد من الخوخة شمالا حتى باب المندب جنوبا، مرورا بمديريتي المخا وذوباب. هذه السيطرة لم تقتصر على إنشاء معسكرات أو إدارة نقاط عسكرية، بل شكلت مظلة لعمليات واسعة لاستخراج ونقل المعادن الثمينة إلى الدويلة الخليجية.

صور جوية تكشف المستور
تكشف الصور الجوية التي حصلت عليها «لا» حجم الحفر والتجريف الذي طال الجبل خلال السنوات القليلة الماضية .
الصور الماثلة أمام الباحثين ليست مجرد أعمال هندسية أو إصلاحية بل مشهد أقرب إلى مواقع التعدين العالمية طرق ترابية دائرية، أكوام ضخمة من التربة المستخرجة، حفريات واسعة، ومعدات ثقيلة من حفارات وشاحنات وجرافات تعمل بشكل متواصل .
كما تظهر الصور كميات كبيرة هائلة من المخلفات ملقاة أسفل الجبل، وتشير التقديرات، بناء على كشفته ما صور الأقمار الصناعية، إلى أن قرابة نصف كتلة الجبل قد جرى قضمها في غضون أربع سنوات فقط، ما يعكس حجم الكميات المستخرجة من باطن الأرض.

سيور ناقلة ومحطات فرز
وتؤكد الصور الجوية وجود شبكة من السيور الناقلة (conveyor belts) التي تنقل المواد الخام المستخرجة من الحفر إلى محطات فرز وتكسير، وهذه السيور عبارة عن تجهيزات متحركة متخصصة لحمل المواد ونقلها من مكان إلى آخر وتتميز بإمكانية التحميل والتفريغ من دون توقف الناقل، وتستخدم في مناجم الحديد والمعادن.
ووفقا لمصادر محلية يتم نقل المواد المستخرجة من جوف الجبل إلى نقاط تخزين خاصة أنشئت في محيط الجبل، تمهيدا لشحنها إلى وجهتها النهائية عبر طرق غير مأهولة وبعيدة عن التجمعات السكانية، من خلال شاحنات ثقيلة ترافقها عدد من المدرعات والمصفحات العسكرية تحت جنح الظلام، إلى منطقة خالية من السكان في مديرية ذوباب.

مدرج طيران سري
ومن أخطر ما كشفته الأدلة هو إنشاء الإمارات مدرج طيران متكاملا في مديرية ذوباب ، رغم وجود مطار المخا وجزيرة ميون القريبة . اختيار الموقع لم يكن عشوائيا؛ فقد بني المدرج في منطقة خالية من السكان بين مدينة ذوباب وباب المندب ، مع شق طريق يربط المدرج مباشرة بمعسكر جبل النار في المخا ، الهدف من ذلك ، وفق مصادر محلية، هو تسهيل نقل المعادن من الجبل إلى المطار دون المرور بالطريق الساحلي الرئيسي الذي يربط عدن وباب المندب والمخا .
وكالة «أسوشيتد برس» كانت قد نشرت في كانون الثاني / يناير الماضي صور أقمار صناعية تؤكد وجود مطار قيد الإنشاء في منطقة ذوباب الواقعة تحت سيطرة عملاء الإمارات .

طائرات سرية وإجراءات مشددة
المصادر المحلية تؤكد أن طائرة إماراتية تهبط أسبوعيا في مطار ذوباب المستحدث. وعند هبوط الطائرة تطفأ الأضواء بالكامل، وتصادر الهواتف المحمولة من الجنود والعاملين، فيما تطوق أكثر من 20 آلية مدرعة موقع المدرج ، حيث تكون الشاحنات المحملة بالمعادن قد قدمت من جبل النار ، فتحمل الشحنات على متن الطائرة تحت إجراءات أمنية صارمة .
وتقول المصادر إن هذه الطائرة هي نفسها التي استخدمتها الإمارات سابقا لنقل الذهب المنهوب من حضرموت عبر مطار الريان في المكلا.
المصادر ذاتها أفادت أنه في المراحل الأولى من عملية نهب الجبل، استعانت الإمارات بسائقين وعمال محليين من المخا والضالع ولحج لتشغيل المعدات الثقيلة. لكن مع تسرب معلومات عن طبيعة العمل . توقفت العمليات لثلاثة أسابيع، قبل أن يستبدل العمال المحليون بآخرين جلبوا من الخارج، خصوصاً من الهند ومصرعبر دبي .
العمال الجدد يعملون ليلاً ونهاراً دون أي تواصل مع السكان المحليين أو معرفة بطبيعة ما يستخرج .
وجودهم زاد من الغموض المحيط بالموقع وعزز فرضية أن الإمارات تتعمد عزل الأهالي عن تفاصيل ما يجري في جبل النار.
وفقا لبيانات جيولوجية، يحتوي جبل النار على مخزون ضخم من المعادن الثمينة من أبرزها الذهب والنحاس والزنك والجرمانيوم، هذه الثروات وحدها كفيلة بتحويل المنطقة إلى مركز اقتصادي ضخم لو استغلت بشكل قانوني وشفاف يعود بالنفع على سكان اليمن.

النمط الإماراتي يتكرر في حضرموت والسودان
ما يجري في المخا ليس استثناء. فقد وثقت تقارير سابقة نهب الإمارات لمناجم الذهب في حضرموت.
واستخدام مطار الريان لتصدير المعدن الثمين إلى الخارج. السيناريو ذاته يتكرر في السودان، حيث تبني الإمارات مدارج طيران قرب مناجم الذهب، بالتعاون مع قوات الدعم السريع، لتهريب الموارد بعيدا عن أعين الدولة.
هذا النمط الممنهج يكشف استراتيجية إماراتية واضحة السيطرة على الموانئ والمطارات والمناطق الغنية بالموارد في الدول المضطربة، وتحويلها إلى مخازن مفتوحة للنهب.

غطاء خيري لتلميع الوجه القبيح
لإخفاء جرائمها ، تضخ الإمارات مشاريع محدودة تعبيد طرق، بناء مدارس، أو مساعدات غذائية موسمية». هذه المبادرات الصغيرة التي تروج لها أدواتها باعتبارها مشاريع تنموية ضخمة، تهدف إلى خلق صورة إعلامية إيجابية، بينما الغرض هو التغطية على عمليات النهب الجارية على قدم وساق.
في المحصلة جبل النار، الكنز الجيولوجي والوطني. ينهب اليوم قطعة قطعة، الأدلة بالصور الفضائية والشهادات الميدانية واضحة الإمارات تدير أكبر عملية نهب منظم للمعادن اليمنية، وتستخدم لذلك أدوات عسكرية وأمنية متطورة .
ما يحدث في المخا ليس مجرد استغلال الثروة محلية. بل جريمة سيادية تجرد اليمن من موارده في لحظة تاريخية حرجة. وإذا استمر الصمت، فلن يتبقى من جبل النار سوى اسم على الخرائط ، فيما تكدس الإمارات ثرواته في بنوكها وأسواقها .