تقرير / لا ميديا -
قدمت حماس يداً للسلام، ورفع ترامب لافتة «وقف القصف» بشكل مفاجئ، وأعلن نتنياهو استعداده نظرياً... في قلب هذا المشهد، يواصل العدو الصهيوني سياسة تقتل كل معاني التفاوض. ويبدو أن الحديث عن «خطة لإنهاء الحرب» ليس أكثر من لعبة سياسية تُدار بمهارة لإعادة رسم خرائط الاحتلال والهيمنة.
الرسالة واضحة: لا ثقة في وعود تأتي من جهات لها تاريخ طويل في الخيانة ونقض العهد وتحويل السلام إلى ورقة مساومة.
ورغم إعلان حركة المقاومة الإسلامية حماس موافقتها على صفقة تبادل لإطلاق كل الأسرى -أحياءً وأمواتاً- مقابل إنهاء الإبادة والانسحاب من غزة، اختار كيان الاحتلال أن يردّ باستمرار القصف والقتل.
ليس هذا فحسب، إذ ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فجأة داعياً إلى وقف القصف؛ لكن يبدو أن كلمات ترامب لم تكن سوى مناورةٍ سياسية تهدف إلى استغلال التوقيت وتحويل الموقف لصالح العدو «إسرائيل» في حسابات التحالف الصهيوأمريكي.
من جهتها أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، أمس، وصول 66 شهيداً و265 إصابة إلى المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية جراء العدوان «الإسرائيلي» على القطاع.
وقالت الوزارة، في بيانها، إن بعض الضحايا لا يزالون تحت الأنقاض وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
وأشارت الوزارة إلى أن حصيلة العدوان الصهيوني منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بلغت 67,074 شهيداً و169,430 إصابة، فيما سجلت الحصيلة منذ 18 آذار/ مارس 2025 حتى أمس 13,486 شهيداً و57,389 إصابة.

رد حمساوي منضبط
وفي موقفٍ اعتبرته الأوساط السياسية «مفاجأة استراتيجية»، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس قبولها المبدئي بمقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدة موافقتها على بندين أساسيين: الإفراج عن الأسرى وتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية مستقلة. 
وأكدت الحركة أن هذا الموقف ينبع من المسؤولية الوطنية وحرصها على وقف الإبادة ضد المدنيين، مشددة على أن القضايا الكبرى مثل مستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني ستُناقش في إطار وطني شامل بعد وقف إطلاق النار.

فصائل المقاومة الفلسطينية تؤيد
من جانبها أبدت فصائل المقاومة الفلسطينية، أمس، تأييدها للرد الذي قدمته حركة حماس على المقترح الأميركي، واصفة إياه بأنه «موقف وطني مسؤول» اتُّخذ «بعد مشاورات معمقة مع فصائل المقاومة».
وفي بيان صحفي، دعت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى «استكمال الخطوات والإجراءات من كافة الأطراف»، مشيدة في الوقت ذاته «بالمواقف العربية والإسلامية والوساطة المصرية والقطرية والجهود التركية»، قائلة إنها ساهمت بشكل كبير في تبني موقف موحد يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني ويعجّل بوقف العدوان.
وشددت الفصائل على «ضرورة أن تقوم السلطة الفلسطينية بواجباتها والتزاماتها المنوطة بها، بدءاً من هذه اللحظة، بما يشمل ضرورة عقد لقاء وطني عاجل لبحث آليات التنفيذ المتعلقة بتسلم هيئة فلسطينية مستقلة إدارة القطاع، وبحث كافة القضايا الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ شعبنا».
من جهتها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن رد حركة حماس على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة هو تعبير عن موقف «قوى المقاومة» الفلسطينية.
وقالت الحركة، التي تعد ثاني أكبر الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وتتبع لها «سرايا القدس»، إن «الرد الذي قدمته حركة حماس على خطة ترامب هو تعبير عن موقف قوى المقاومة الفلسطينية».
وأضاف البيان أن «حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شاركت بمسؤولية في المشاورات التي أدّت لاتخاذ هذا القرار».

المهم هو التزام كيان الاحتلال
في السياق ذاته، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن رد حماس على المقترح الأميركي «وطني ومسؤول ويفتح الطريق أمام إنهاء العدوان».
وأضافت الجبهة الشعبية: «المهم التزام الاحتلال بوقف العدوان وتنفيذ الاتفاق تمهيداً للانسحاب الكامل وكسر الحصار عن غزة».

جنوب أفريقيا ترحب
في السياق رحّبت حكومة جنوب أفريقيا بردّ حركة حماس على خطة ترامب، وموافقتها على إطلاق سراح جميع الأسرى «الإسرائيليين» في إطار الخطة، داعيةً «إسرائيل» إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين والأطفال الفلسطينيين بالمقابل.

موقف ترامب
وكان ترامب قال إن بيان حماس يعبر عن استعداد الحركة لسلام دائم، داعياً إلى وقف القصف فوراً. لكن هذا الظهور المباغت يثير أكثر مما يجيب: هل جاء ترامب مدفوعاً بالإحساس الإنساني أم بخلفية صهيونية تبحث عن الفائدة «الإسرائيلية» في كل خطوة؟!
ونشر ترامب بيان حماس على منصته وكأنه يطالب الجميع بتصديق سيناريو مُعدّ سلفاً - سيناريو يتيح له ولحلفائه إعادة كتابة قواعد الحل السياسي في المنطقة بما يخدم رؤاهم الاستراتيجية. الشك واجب عندما يصدر النداء من رجل يصفه نتنياهو بأفضل صديق حظيت به «إسرائيل» على الإطلاق، واشتهر باستخدام الأزمات كورقة مساومة في سجله السياسي.

مصر تحتضن مفاوضات «الخطة»
على الجانب الصهيوني، تكلّم المجرم نتنياهو وقياداته عن «الاستعداد لتطبيق المرحلة الأولى» من خطة ترامب.
وذكرت القناة «12 الإسرائيلية» أن الوفد الصهيوني برئاسة رون ديرمر يستعد للتوجه إلى القاهرة اليوم، بحضور المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف وفريقه، لمناقشة تفاصيل المرحلة الأولى من خطة ترامب.
لكن في الميدان كان الحكم مختلفاً: قذائف مستمرة، أوامر بعدم العودة إلى مناطق محاصرة، وتهديد مفتوح لكل سكان غزة بالقتل. هنا يظهر بوضوح التناقض: خطاب يدّعي الانصياع لضغوط دولية، وواقع عملي يؤكد أن الحديث عن التفاوض ووقف «الحرب» مناورة خطيرة ليس إلا.

ثورة ضمير عالمية
على الصعيد الشعبي العالمي خرج، أمس، مئات الآلاف في برشلونة وميادين أوروبية أخرى مطالبين بقطع العلاقات مع «إسرائيل» وباتخاذ إجراءات حقيقية.
وشهدت مدينة برشلونة الإسبانية واحدة من أضخم التظاهرات الأوروبية المؤيدة لفلسطين، شارك فيها مئات الآلاف بدعوة من أكثر من 500 منظمة مدنية.
وطالب المتظاهرون الاتحاد الأوروبي بـ»فرض عقوبات فورية على إسرائيل وقطع العلاقات التجارية معها». وارتدى المشاركون اللون الأسود حداداً على شهداء الإبادة، فيما حوّل الطلاب الساحات إلى مخيمات تضامن مفتوحة مع غزة.
هذا الغضب الشعبي يكشف أن العالم لا يشتري بعد الآن رواية «العملية العسكرية» كمجرد إجراء احترازي؛ الناس يرون ما لا يراه السياسيون أحياناً - عمليات منظّمة تُستهدف بها الإنسانية.