عادل بشر / لا ميديا -
لم يعد تأثير العمليات اليمنية المساندة لغزة مقتصرا على الطابع العسكري أو الرسائل السياسية والرمزية فحسب، بل بات يطال صميم البنية الاقتصادية "الإسرائيلية" التي تقوم في معظمها على حركة التجارة البحرية. فمنذ أن أعلنت صنعاء انخراطها المباشر في المعركة إلى جانب الشعب الفلسطيني، أخذت سلاسل التوريد في فلسطين المحتلة تصاب بالشلل التدريجي، لتتحول الموانئ والمطارات من بوابات انفتاح اقتصادي إلى بؤر أزمات خانقة تعصف بالكيان الغاصب. وبينما كانت "تل أبيب" تراهن على تفوقها العسكري لردع الخصوم، وجدت نفسها فجأة أمام معركة جديدة لا تُخاض بالصواريخ وحدها، بل عبر البحر والموانئ وخطوط الإمداد الحيوية التي يقوم عليها كيانها.

أزمة خطيرة
القناة 12 العبرية اعترفت صراحة، في تقرير حديث لها، بأن "إسرائيل" تواجه "أزمة خطيرة" في استيراد المواد الخام والوقود والمركبات والأجهزة الكهربائية، مؤكدة أن العمليات اليمنية في البحر الأحمر ضد السفن الصهيونية وإغلاق باب المندب في وجه الملاحة "الإسرائيلية" مثّلت "الخطر الأكبر" على سلاسل التوريد التي يعتمد عليها الكيان في صادراته ووارداته. 
ونقلت القناة عن الرئيسة التنفيذية لمجموعة "تفن" للاستشارات الإدارية وسلاسل التوريد " مالي بيتسور فرانس" القول إن "إسرائيل  تواجه حاليا مشكلة بالغة الخطورة"، مشيرة إلى أن 70% من واردات الاحتلال و95% من صادراته تمر عبر البحر، ما يجعل أي تعطيل في الممرات البحرية ضربة مباشرة لاقتصاده.
وأضافت فرانس: "إسرائيل هي الأكثر تضرراً حالياً من استيراد المواد الخام، والمركبات والمنتجات الكهربائية، مع ارتفاع كبير في أسعارها.. جميع منتجات الطاقة والوقود عالقة في المعابر البحرية، وأحياناً لمدة تزيد عن المعتاد بـ30 ساعة".
هذا الاعتراف لا يقف عند حدود التجارة البحرية، بل يتعداها إلى أثر ملموس على الداخل "الإسرائيلي". فميناء أم الرشراش "إيلات" تحول إلى ميدان أشباح بعد أن شلّت صنعاء نشاطه بفرض الحصار البحري عليه توازياً مع الحصار الذي يفرضه الكيان على قطاع غزة، وفي مطار اللد "بن غوريون" تعيش شركات الطيران حالة من الإرباك دفعت العديد منها إلى إلغاء أو تعليق رحلاتها، جراء الضربات اليمنية المتكررة على المطار. هذا الشلل لم يقتصر على قطاع الشحن التجاري فحسب، بل أصاب أيضا السياحة التي كانت تشكل أحد منافذ "إسرائيل" الاقتصادية. خسائر بالمليارات بدأت تتراكم، فيما يبحث المستثمرون الدوليون عن بدائل أكثر أمنا بعيدا عن الموانئ والمطارات المحتلة.
إلى جانب كل ما سبق فإن دويّ صافرات الإنذار ومشاهد الهلع والخوف لدى المستوطنين أثناء هروبهم المتكرر إلى الملاجئ في "تل أبيب" و"إيلات" وغيرهما، تُضاعف منسوب القلق لدى المستوطنين، الذين باتوا يرون في المدن المحتلة واجهات حرب مفتوحة بدل أن تبقى ملاذات للراحة والعمل.
لم تتوقف مخاوف رئيسة مجموعة "تفن" الاستشارية "الإسرائيلية" بل أضافت في حديثها للقناة 12 العبرية أنه "عندما تنظر إلى ما يحدث في ميناء إيلات، تدرك أننا في خطر فوري وكبير. جميع الحلول، في السيناريوهات الأكثر تفاؤلاً، قادرة على تحقيق تحسن بنسبة 15٪ كحد أقصى، وبعبارة أخرى، لا يوجد في الحقيقة حل سوى السلام".
وتابعت: "البضائع التي تأتي من طريق الشحن الرئيسي عبر معبر باب المندب، تأتي بشكل رئيسي من الشرق الأقصى، وحتى من مصادر أقرب إلينا، حيث كانت الشحنات القادمة من أوروبا تسلك طرقاً غير مباشرة إلى إسرائيل عبر هذا المضيق، لأن النقل كان أرخص وأسرع، لكن ذلك توقف.. لا أرى أي معالجة استراتيجية على مستوى الدولة لهذه المشكلة".

ضغط دولي
القناة العبرية وفي ذات التقرير كشفت عن مشكلة رئيسية أخرى تواجه سلسلة التوريد البحرية للاحتلال وتتمثل في "موجة العداء السياسي العارمة تجاه إسرائيل على خلفية جرائمها في قطاع غزة".
ونقلت القناة عن مسؤول في شركة "روبوتايز" المختصة باستيراد روبوتات صناعية قوله: "نستورد بعض معداتنا من أوروبا، لكننا شهدنا في الأشهر الأخيرة شيئاً لم نشهده من قبل. هناك يد خفية تتولى تأخير أو إلغاء الشحنات"، مضيفاً "عندما نتصل بالموردين فإن الجواب الرئيسي هو أن المعدات عالقة في الجمارك، الشركة المصنعة نفسها، التي تبيعنا المعدات، تريد إتمام عملية البيع، ولكن بمجرد أن تمر المعدات عبر الجمارك، يمكن لأي مسؤول غاضب من إسرائيل والإسرائيليين أن يتدخل.. في الأشهر الأخيرة، شهدنا عدة حالات لم نتمكن فيها من معرفة سبب توقف الشحنات في الجمارك".
وفي ذات السياق يعترف مسؤولون اقتصاديون في الداخل "الإسرائيلي" بأن بعض العلامات التجارية مهددة بالاختفاء من الأسواق، وبأن الأسعار ترتفع بشكل متواصل بفعل أزمة التوريد.

من إسبرطة إلى كيان هش
هكذا يتضح أن الضربات اليمنية، إلى جانب تداعيات حرب غزة، لم تكتفِ بفتح جبهة عسكرية جديدة ضد العدو الصهيوني، بل أسست لتحوّل بنيوي في قدرات الكيان على الاستيراد والتصدير. فالمعادلة التي حاول "بنيامين نتنياهو" رسمها عن "إسرائيل" كـ"إسبرطة الشرق الأوسط"، وفقاً للقناة 12 العبرية، تتهاوى أمام حقيقة أن هذا الكيان بات عاجزا عن تأمين احتياجاته الأساسية من الطاقة والمواد الخام، أو حتى الحفاظ على تدفق السياحة العالمية إلى المرافئ والمطارات الفلسطينية المحتلة.
وفي الخلاصة اليمن اليوم، بحضوره العسكري والسياسي، يثبت أنه لم يدخل المعركة كشريك رمزي، بل كمحور قادر على فرض كلفة اقتصادية باهظة على العدو، كلفة تتجاوز الخسائر العسكرية إلى تهديد الأمن الاجتماعي "الإسرائيلي" ذاته. وفي الوقت الذي يتباهى قادة العدو بترسانتهم العسكرية، يجد المستوطن العادي نفسه أمام رفوف فارغة في المتاجر، وأسعار ملتهبة، وسماء لا يأمن فيها الطيران، وبحر لم يعد مفتوحا أمامه على مصراعيه.