دمشق / خاص / لا ميديا -
مجدداً، تعود الحرارة إلى العلاقة بين دمشق وموسكو، وجديدها اليوم هو الكشف عن زيارة سيقوم بها رئيس السلطة الانتقالية في دمشق «أحمد الشرع» إلى موسكو، في 15 من الشهر الجاري.
الإعلان عن هذه الزيارة يؤكد عودة موسكو للعب دور رئيسي في سورية، رغم ما لهذا الدور وعليه، من خلال تواجدها العسكري في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، ودورها في محاربة المجموعات المسلحة التي كانت تحارب نظام الرئيس بشار الأسد وأصبحت تسيطر اليوم على السلطة في دمشق؛ وكذلك دور روسيا في التغيير الذي حدث في هرم السلطة في دمشق، واحتضانها الرئيس السابق بشار الأسد وعدداً كبيراً من قادة نظامه، من سياسيين وضباط من قادة الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، ورجال الأعمال.
اللافت في هذه الزيارة أن أول إعلان عنها تم من خلال رجل الأعمال السوري حامل الجنسية الروسية أيمن جابر، من خلال بيان نشره على صفحته على «فيسبوك»، وأورد فيه تفاصيل تعتبر هي الأهم عن الزيارة وجدول أعمالها والنتائج المتوقعة منها، والتي في حال تمت -بحسب ما قاله جابر- ستكون محطة فاصلة في الوضع في سورية.
فقد كشف جابر أن الهدف من زيارة «الشرع» لموسكو «البدء بخطوات جدية نحو المصالحة الوطنية، والتي تشمل عفواً عاماً غير مشروط، وعودة العسكريين والمدنيين والموظفين إلى مواقعهم، وإخراج الفصائل المسلحة من الساحل بضمانات دولية وإقليمية واضحة. وإن أنجزت هذه الخطوات -كما وُعِدَ- فستكون مدخلاً للحل السوري».
وأضاف جابر في بيانه: «بعدها ستتم متابعة الأوضاع الأمنية بدقة، عبر تحركات إقليمية ودولية تستهدف الإرهابيين الأجانب، كالأوزبك والإيغور، وكل المرتزقة، ضمن جدول زمني ينتهي في رأس السنة الحالية».
وأكد جابر أن «هناك تعهدات وضمانات دولية وإقليمية حقيقية، وخيارات بديلة وجاهزة وسريعة، إذا حدث أي تباطؤ أو تراجع في التنفيذ».
البحث في مؤشرات ودلالات الإعلان عن الزيارة وتفاصيلها من خلال أيمن جابر يحمل من الأهمية والقدرة على قراءة وتحليل الوضع السوري، والصورة التي يتم رسمها لسورية المستقبل وهويتها الوطنية ودورها الإقليمي والدولي، أكثر مما لو صدر عن أي جهة أخرى، حتى لو كان الكرملين.
فأيمن جابر كان من أهم رجال الأعمال السوريين، أيام نظام الرئيس بشار الأسد، وهو ينتمي إلى الطائفة العلوية، التي تشكل الأغلبية في منطقة الساحل السوري، وكان دوره يتجاوز نشاطه كرجل أعمال، إذ شكل مجموعة «صقور الصحراء» لحماية منشآت النفط والغاز في البادية السورية، من تنظيم «داعش» والمجموعات المسلحة التي أصبحت في الحكم اليوم؛ لكن دوره بعد سقوط نظام الرئيس الأسد أصبح أهم، إذ ينظر إليه على أنه يقف وراء أي حراك مسلح متوقع في الساحل السوري، وهو على تواصل وتنسيق مع معظم ضباط ورجال أعمال النظام السابق، ويقود اليوم نشاطاً سياسياً يحاول من خلاله تقديم نفسه على أنه المعبّر عن تطلعات أهل الساحل السوري، رغم رفض شرائح واسعة من مجتمع الساحل لأي دور من رجال العهد السابق في تقرير مصيرهم ومستقبل منطقتهم.
هذا يؤكد أن الإعلان عن زيارة «الشرع» وتفاصيلها المهمة لا يمكن أن يأتي بمبادرة من جابر أو بقرار منه، وإنما بضوء أخضر من روسيا، ومن الكرملين تحديداً.
كما لا يمكن فصل زيارة «الشرع» لموسكو، وبيان أيمن جابر، عن النشاط الروسي الذي سبق الزيارة؛ فوزير خارجية السلطة الانتقالية السورية، أسعد الشيباني، قام بزيارة لموسكو حملت الكثير من التساؤلات حول تفاصيلها ونتائجها، وأكدت وجود مطالب روسية من السلطات السورية حول الوضع في سورية، وخاصة في منطقة الساحل، والعلاقات بين البلدين، وقيل يومها عن لقاء للشيباني مع رجال أعمال وضباط من الجيش السوري السابق، وهذا يؤكد أن زيارة «الشرع» لموسكو لم تكن لتتم لو لم يتم الاتفاق على ما تم بحثه خلال زيارة الشيباني.
كما لا يمكن فصلها عن زيارة «الشرع» لواشنطن ونيويورك، وتعثر توقيع الاتفاق الأمني مع «إسرائيل»، والمعلومات التي أوردها العديد من وسائل الإعلام عن توافق روسي - «إسرائيلي» حول الوضع في الساحل السوري.
أيضاً، لا يمكن فصل زيارة «الشرع» عن الزيارة التي قام العميد مناف طلاس لموسكو، والتي جاءت في إطار التحرك السياسي الذي بدأه طلاس، ولقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومسؤولين كباراً في الكرملين، وتناولت اللقاءات تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254)، والذي ينص على وجود سلطة تقود مرحلة الانتقال السياسي في سورية، وتقوم بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة، وسط معلومات تتحدث عن خطوات تقودها روسيا لتشكيل مجلس عسكري بقيادة طلاس لقيادة المرحلة الانتقالية.
كما تضمنت النقاشات فكرة إعادة تشكيل وبناء الجيش السوري. وأكد طلاس في محاضرة له في باريس سبقت زيارة موسكو، أنه على تواصل مع 10 آلاف ضابط في الجيش السوري السابق، معظمهم في موسكو.
وبغض النظر عن بعض التوصيفات العمومية التي وردت في بيان جابر، فإن التوصل إلى أي توافق حول الوضع في الساحل سيكون له تداعيات مباشرة على مناطق التوتر الأخرى، وتحديداً في شمال شرق سورية، حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية «قسد»، وكذلك الوضع في السويداء التي باتت خارج سيطرة السلطات السورية بفعل عوامل وتدخلات داخلية وخارجية، وفي مقدمتها الدور «الإسرائيلي».
فهل تأتي زيارة «الشرع» إلى موسكو لمنع قيام المجلس العسكري بقيادة طلاس، أم للاستقواء بموسكو في وجه الضغوط لتوقيع اتفاق أمني مع «إسرائيل» وفق الشروط «الإسرائيلية»، أم لوضع الخطوط العريضة للحل في سورية انطلاقاً من الساحل السوري؟ لكن قراءة تفاصيل جابر ترجح الاحتمال الأخير، والذي يحظى بتأييد معظم الدول والقوى الفاعلة في الملف السوري، باستثناء تركيا، التي سيكون أي اتفاق من هذا النوع على حساب دورها ومكانتها، ليس فقط في سورية، وإنما في عموم المنطقة، حتى أن التركي لم يعد يعرف من أين تأتيه «الخوازيق»... ولهذا حديث آخر.