أزمة مؤتمر لا أزمة ملازم
 

د. مهيوب الحسام

حرص أنصار الله على إنجاح فعالية المؤتمر بذكرى تأسيسه بميدان السبعين صنعاء، ودور اللجان الشعبية في التأمين والحماية، وتبني المؤتمر دعم الجبهات ولو نظرياً، له دلالة واحدة، وهي سلامة جسد الجبهة الداخلية المواجهة للعدوان من العلل، وبعث رسالة للعدوان ألا يراهن على تفكك جبهة مواجهته التي غدت اليوم أكثر صلابة ومتانة من أي وقت مضى، بفضل صلابة وتماسك القوى الثورية فيها بالمقدمة. وبغض النظر عن زلات خطابات وردت في الحشد تم تخطيها ومرت سحائب معظمها دفعاً للأشد (العدوان)، ودرءاً وحكمة، وقناعتي أنه لا يعاب كثيراً على من حكم اليمن 35 عاماً فيها ما فيها من حروب داخلية ومن الوصاية عليها من أجهل نظام جار، وتبعية للخارج الاستعماري أوصلت البلد إلى انسداد أفق تولدت من رحمه ثورة 11 فبراير 2011م، التي أخمدت بالمبادرة الخليجية التي صاغها ودعا الوصي لتبنيها، وتم، والذي انتقل بموجبها من موقع القيادة الفردية إلى مربع قيادة الحزب عكازه الحالي وموقع شراكة حكومة إنقاذ إلى أن انقلب عليه نصفه فيها المتهيكل، والمهيكل الأكثر ولاء للخارج من حزبه، وكاد نصفه ذاك ينهي نصفه الآخر سياسياً برغبة الوصي وشرعية قرار أممي تحت الفصل السابع، وغدا الحزب منقسماً على نفسه رأسياً وأفقياً، طولياً وعرضياً، فنصفه وثلاثة أرباع نخبة قيادييه تحالفت مع من استهدفه في جامع النهدين، استدعت العدوان ومعه ذهبت لمقاتلة الشعب اليمني، ونصف بقي وإياه في الداخل حتى أعلن وقوفه ضد العدوان بعد استهداف منزله، وكثير أيد تأييداً معطلاً، واستمروا في التعامل مع الأنصار (تعطيل ـ تشهير)، وظل البعض هواه زعيمياً ضد العدوان (السعوصهيوأمريكي) بلا تفعيل ولا تضحية (رافضاً للعدوان بشكل محايد)، لكن غرامه إماراتي، ويعتبر الاحتلال والغزو الإماراتي عدواناً صديقاً، ويريد أن يجني ثمار موقفه فوائد دون خسائر، والبعض الآخر يرى العدوان كله غزلاً ما دام الريال سيّالاً، والحسابة بتحسب، كنواب عمرة الوداع ذوي الشبق الوصائي أصحاب مبادرات هدر دماء الشهداء والهوى الشمالي، وقسم شريف التحق بجبهات العزة والشرف للدفاع عن الأرض والعرض، ولا أثر لمؤتمر المحافظات الجنوبية والشرقية.
ولذلك فإن المؤتمر يعيش أزمة داخلية حقيقية، فكثير ممن أكد أنه نازل، من قياداته، يعيش في عواصم تحالف العدوان، وملتحق به، لا حجز ولا أسر، بل ينتظر أن يقتل العدو معظم الشعب اليمني المقاوم والرافض للاحتلال، كي يعود ليحكم من تبقى كفارس منقذ، وأن من بقي منهم بفضل حرصه على إبقائهم أحياء، وعليهم أن يشكروا له ذلك.
وعليه فماذا تنتظر ممن حكم شعبه برعاية المستعمر الأصيل ونظر التابع الوصي الذي نصبه حاكماً عنه بعقد من الباطن، أن يصبح ومن سبقه على شاكلته زعيماً ثورياً ذا فكر ثوري، وأن يقود شعبه نحو التحرر والاستقلال! هيهات، فهو ابن مرحلة الوصاية والارتهان والتبعية، وقائدها وزعيمها، وعليه فلن يكون إلا الابن البار لمرحلته، وتواقاً لها، وإني أعذره لزلة إن كانت كذلك، والحياد مع العدوان شراكة له في عدوانه، والحياد الإيجابي والسلبي هو ذاته الاستسلام، ثم أكد بخطابه دعوة الأشقاء في مملكة العدوان للعودة إلى اتفاقية 5 نوفمبر 1970م، ولا أعرف ما حاجته لها إن لم تكن لإنتاج مبادرة خليجية ثالثة تقضي على ثورة 21 سبتمبر 2014م، كما قضت تلك على ثورة 26 سبتمبر 1962م، تلك الاتفاقية أكانت بمثابة المبادرة الخليجية الأولى مشرعنة للوصاية، وبالمبادرة الثالثة بعقد وصائي جديد ينتج ذات النظام بإدارة ذات الخونة، ويستبعد منه الشعب مع تفتيت أكثر وتجزئة أكبر (أقلمة) تلبي تطلعات المجتمع الدولي (إسرائيل)، ورؤيته للسلام.
لذا علينا ألا نطلب من الزعيم فوق طاقته، وشيئاً ليس لديه وقراراً لايملكه، لكن وبالمقابل عليه ألا يشغل الشعب والمجتمع بحشود لا تكون وجهتها الأولى والثانية والعاشرة جبهات المواجهة، ولا داعي لإثارة الشبهات حولها، فلقد تبرع بإعلان جهوزيته موالاة دول تحالف العدوان، معرباً عن استعداده إزالة مخاوفها وهواجسها، بما فيها أمريكا وإسرائيل، وعليه أن يشارك في إزالة هم الشعب، بالحشد للجبهات، وقد أعلن.. ومن هذا كله يظهر أن الزعيم ليس لديه مشكلة حقيقية مع الملازم و(إيران)، بقدر ما هي أزمة داخلية يعيشها حزبه تكاد تعصف به كما تعصف بالوطن كله، فلولا قيادات المؤتمر ما تجرأ الإصلاح أن يصرخ (شكراً سلمان)، فالملزمة التي قصد لم تثأر منه عن 6 حروب، بل حمته حينما غدر به تلاميذ ملازم دستور، وميثاق، وحزب، ومبادرة خليجية، ويعلم قبل غيره ذلك، ألا يعلم أن كل دساتير العالم ما هي إلا عبارة عن ملازم، ودساتيرنا المتعاقبة بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر هي عبارة عن ملازم، وملازم خاصة، ويخضع تطبيقها لمزاج الحاكم، فدستور الجمهورية العربية اليمنية هو ملزمة إخواوهابية سلفية خالصة ليمين متطرف، ودستور اليمن الديمقراطية ملزمة يسار متطرف، والشعب اليمني لم يقل كلمته سوى بدستور الوحدة الذي اعتُدي عليه بعد العدوان على الوحدة ذاتها صيف 1994م، فتم تفصيله على مقاس شخص يلبسه وحركة إخوان شاركته العدوان آنذاك.
ولحرصي أن يستمر احترامي لموقف الزعيم من العدوان، وأنا من أوائل من كتب عن الزعيم ممتدحاً له ذلك الموقف، إلا أن ذكره لنوع معين من الملازم جانبه كثير من الصواب، وأقول كلها ملازم، لكنها تختلف في الأسس والمخرجات، ونذكر ما يلي:
أولاً: احترامي لموقف الرجل المعلن من العدوان جعلني أذكره أن ملزمته التي صاغها وباعترافه هو وليس منة من أحد، والمسماة مبادرة خليجية 2011، والتي أريد بها من الوصي نفسه إعادة إنتاج نظام الوصاية والتبعية ذاته مع إعادة تدوير جزئي في صيغ الشراكة القائمة بين مراكز نفوذ وأحزاب شكلية وقوى منتهية الصلاحية، واستبعدت الشعب والمجتمع الذي صنع الثورة وقام بالتغيير، لكنه ومن خلالها تم تسليم البلد للوصاية الإقليمية والرعاية الدولية مجدداً، ما ألحق غبناً وظلماً جائراً بالمستضعفين من الشعب، والتي كان أساسها موالاة الاستعمار (الصهيوأنجلوسكسوني)، ولم تجدِ نفعاً، بل إننا نجني ثمارها الضارة عدواناً واحتلالاً موصوفين مستمرين ليومنا، والملزمة التي يقصد أنتجت رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نذروا أنفسهم لدفع العدوان عن الشعب، واستنهضت جيلاً مجاهداً من أجل ذلك ضحى بالدماء ولايزال حين غاب الجيش وتهيكل، وهذا هو الفرق. 
ثانياً: وحرصاً على الحفاظ على تاريخ الرجل أذكره بأن ملزمته الدستورية المعاد تفصيلها وفقاً للمقاس بعد 94، والتي أسست بزهو نصر بطعم هزيمة ونزعة ديكتاتورية أوصلتنا لاحتلال دويلة إريتريا أرضاً لنا، وخوض 6 حروب ضد أهلنا في محافظة صعدة دون مبرر، وبطلب إقليمي، لتنفيذ أهداف خارجية، ناهيك عن بيع الأرض اليمنية لعدوان اليوم بغير وجه حق، أي دون الرجوع لصاحب الحق فيها، وهو الشعب، ودون توكيل أو تفويض منه أو إذن بذلك، ودون استشارته أو استفتائه (بيع من لا يملك لمن لا يستحق).
ثالثاً: ولولا ذكره للمليشيات لما حاولت تذكيره بأن جيش الجمهورية اليمنية المستبعد منه جيش اليمن الديمقراطي، كان مليشيات إخوانية وغير إخوانية بها حارب صيف 94، مكونة من فرق إخوانية وحرس جمهوري عقيدته حرس، فطالما الزعيم موجود فهو جيش يحارب مع مليشيات الفرقة، الشعب من صعدة إلى أبين، ولم يجرب في الدفاع عن الشعب، ونضرب مثلاً بالشهيد المجاهد حسن الملصي عندما كان قائداً في الحرس الجمهوري، حارب الشعب في صعدة، وعندما تهيكل الحرس وجد الملازم التي ألحقته بالمجاهدين، وحارب العدوان (السعوصهيوأمريكي) مع تلك المليشيات، وأصبح مليشاوياً ربانياً حياً يرزق عند ربه، فلم يلتحق بالجبهة كحرس، وإنما كمجاهد غرست روح الجهاد فيه الملازم والمسيرة القرآنية، وليست ملازم الميثاق والدستور والمبادرة وبرنامج الحزب وبنود اتفاقية جدة 1970م.
لا أريد أن أطيل، رغم أن هناك الكثير من المقارنات التوضيحية معروفة، ولا داعي للتذكير بها، ولكني أقول بأنه لم يذكر في كتب التاريخ الأرضية كلها وكتب السماء أن يبادر المعتدى عليه بوقف العدوان إلا من خلال استسلام كامل موصوف لايرضاه الله ورسوله ولا المؤمنون ولا الفطرة الإنسانية، وأن المبادرة الوحيدة لوقف العدوان من قبل المعتدى عليه هي مواجهة العدوان وهزيمته، والله تكفل للمبادرين برد العدوان بالنصر، قال تعالى: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) (التوبة آية 14). الآية واضحة ولا تحتاج توضيحاً، وعليه لا يمكن لإنسان سوي معتدى عليه أن يبادر لوقف العدوان بغير الاتجاه لجبهات المواجهة لقتاله والانتصار عليه وعداً من الله، ولن يخلف الله وعده، ولا يمكن أن يبادر باستسلام إلا شخص يخاف ويخشى أن ينتصر الشعب اليمني نصراً كاملاً على عدو الله وعدوه، وهنا كل من يقوم بذلك سيسقط الشعب رهاناته، ويقضي على آماله، لأننا لم نعتدِ على أحد، بل نرد العدوان عنا وندفعه، وأننا وبعد عامين ونصف من العدوان وبالصبر والثبات، فإن الله يمكننا من عدونا يوماً إثر يوم، ومن يريد إنقاذ عدونا منا لن يمكنه الشعب من ذلك، ولا يمكن للتاريخ أن يعود للخلف أبداً، ولا يمكن لأحد إعادة عجلته للوراء.
التحية والإجلال والإكبار والعرفان للجيش واللجان الشعبية من يلقنون العدو الدروس المستحقة.. الرحمة والخلود لأطهر من في الأرض وأنبل بني البشر؛ شهدائنا الأبرار.. الشفاء لرجال الله الجرحى.. الحرية لرجال الله الأسرى.. الهزيمة والموت للعدوان.. اللعنة على أنصاف الرجال... النصر للشعب اليمني العظيم بجيشه ومليشياته.

أترك تعليقاً

التعليقات