طوفان الأقصى.. وبركان الأردن القادم؟
 

د. أحمد الدرزي

أحمد الدرزي / لا ميديا -
كانت الاعتداءات الجوية «الإسرائيلية» الأخيرة على سوريا في مناطق متعددة غير اعتيادية والأوسع، وفقاً لتعبير مراسل القناة الـ«12» الإسرائيلية، آميت سيغال، وهي جاءت بعد عملية المقاومة الفردية التي نفذها الأردني ماهر الجازي على جسر اللنبي، على نحو يؤكد حدة التوتر «الإسرائيلي» الذي يخشى تغير مسار الواقع الأردني والذهاب نحو الانتقال من موقع المقاومة الصامتة إلـــى موقـــــــــع المقاومــــة الفاعلة، لينطلق السؤال الأهم: إلى أين سيصل الأردنيون بعد هذه العملية الفردية النوعيــــــة؟
تكلفت قوى المقاومة، التي نجحت في بناء طوق النار المختلط بين المباشر والبعيد حول الكيان، وإزكاء شعلته داخله، كثيراً من الصعوبات والتحديات حتى وصلت إلى هذا المستوى من النجاح، لكنها تدرك جيداً أن فاعليتها تحتاج إلى اكتمال الطوق المباشر وليس البعيد، حتى تستطيع اختصار الزمن والتكلفة، بشرياً ومادياً، للوصول إلى مرحلة وصول النظام الغربي إلى مرحلة اليقين بعدم القدرة على حماية الكيان الذي صنعه من الانهيار الداخلي، والأمر يتطلب انضمام مصر والأردن إلى الطوق المباشر.
بالتأكيد، يأخذ الأردن الأولوية بالاهتمام، لجملة من الاعتبارات التي تجعله الأكثر تأثيراً في واقع الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة، فهو يتيح الحدود الأطول للكيان مع الدول المحيطة بفلسطين، وهي تصل الى 238 كم، وسكانه من الفلسطينيين المهجرين إليه والعشائر العربية الأردنية هم الأكثر ارتباطاً بفلسطينيي الضفة الغربية، على نحو يؤهل الأرضية الملائمة لتحول البيئة الاجتماعية نحو الانخراط أكثر في العمل المقاوم، وإيجاد حركات مقاومة أردنية في كامل الحدود مع الكيان، على نحو يمكِّنها من التفاعل والتواصل مع حركات المقاومة في الضفة الغربية، في صورة ترفع مستويات التهديد للكيان في مركزه نظراً إلى قرب الأردن والضفة من عاصمته الاقتصادية والأمنية الأهم، «تل أبيب».
الأردنيون هم الوحيدون، الذين خالفوا نظامهم السياسي في كل النظام العربي، وخرجوا إلى الشارع تأييداً ودعماّ لفلسطين بصورة متكررة، وهم الأكثر غلياناً مكبوتاً تجاه نظامهم السياسي الذي ذهب بعيداً بفك الحصار البحري الذي فرضه أنصار الله في اليمن، بتعويضه بالنقل البري لمستلزماته واحتياجاته بما في ذلك العسكرية من الخليج إلى فلسطين المحتلة عبر بلدهم، وإخوانهم وأهلهم المباشرون في الضفة الغربية والقطاع يبادون بأسلحة يأتي قسم منها عبر جسر «اللنبي».
تأتي أهمية عملية المقاومة الفردية، التي قام بها الشهيد ماهر الجازي، بأنه ليس فلسطينياً في الأصل، بل ينتمي إلى عشيرة الحويطات الأردنية، بالإضافة إلى عمره، الذي بلغ 39 عاماً، ودرجة الهدوء التي نفَّذ بها العملية، من مسافة صفر.
وهو، عبر هذه العناصر الثلاثة، استطاع أن يعبر عن وحدة شعبية أردنية كاملة نتيجة التفاعل الشعبي الواسع مع العملية والاحتفاء بها، وخصوصاً التأييد الواضح من شيوخ عشائر لهم كلمتهم وثِقلهم، اجتماعياً وسياسياً، ضمن عشائرهم وعليها. لذلك، فإن هذه العملية بخصوصيتها لها نتائج كبيرة، وخصوصاً على المستوى المتوسط.
1. تأثيراتها توازي زلزالاً لن تتوقف ارتداداته العميقة والبعيدة على البنية السياسية الأردنية، بعد أن توضح الافتراق الواسع بين النظام السياسي الملكي والأغلبية العظمى التي تأذت من جرّاء السياسات المتّبعة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والموقف أصبح أولوية في العقل الأردني المدرك مخاطر نجاح الصهاينة في طرد فلسطينيي الضفة الغربية، وانتقالهم إلى مرحلة ابتلاع الأردن ولبنان وسوريا.
2. كشفت الوجه الحقيقي للمجتمع الأردني وقابليته للانخراط بصورة أعمق وأوسع في العمل المقاوم، والاشتراك المباشر في بناء الطوق الناري المباشر. وليس من المستغرب أن تتشكل في الأردن مجموعات للمقاومة الأردنية، تستطيع أن تفرض واقعاً مقبولاً بها ولها، وعلى شاكلة قوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق. وليس من المستغرب أن تكون هناك مجموعات تشكلت بناءً على خبرتها في تهريب السلاح والأموال إلى المقاومين في الضفة الغربية، وعملها على بناء نفسها بكتمان وسرية.
3. الأمر الثالث هو عمر المنفذ، الذي سيفرض على الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» إعادة التفكير في الاعتبارات الأمنية. فمن كان يظن أن العمليات الاستشهادية مرتبطة بالفئة الشبابية أصبح ملزماً بإعادة التقدير واكتشاف أن حجم العداء والإقبال على المواجهة يمتدان إلى شرائح عمرية متفاوتة الأعمار، كما أن انتماءه العشائري سيدفع «إسرائيل» إلى مزيد من الحذر والتحوط تجاه عامة الأردنيين، بالإضافة إلى كل مراحلهم العمرية.
4. الأمر الرابع مرتبط بحركة النقل عبر الأردن، والكيان لا يمتلك رفاهية الوقت في التعامل مع قوى المقاومة، ولا يستطيع إيقاف النقل البري عبر الأردن طويلاً، لكن الإرباك سيسيطر عليه نتيجة الإجراءات الأمنية الجديدة. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار النقل البري سيدفع مزيداً من التوتر الأردني، سياسياً وأمنياً، ومن المرجح أن يتم تكرار العمليات عبر وسائل متعددة، أو ضرب الشاحنات داخل الأردن ذاته. وقبل الوصول إلى جسر الملك حسين «اللنبي».
5. الأمر الخامس والأهم، في المعنى الاستراتيجي، هو سقوط أوهام إمكان التطبيع مع المجتمعات العربية على الرغم من ذهاب عرب الدول المنزاحة إلى الصمت عن التطبيع، لكن هذا لن يبقى على حاله، وخصوصاً مع ارتفاع مستوى رصيد قوى المقاومة داخل المجتمعات التي مازالت فلسطين بوصلتها.
في المحصلة، إن المجتمع الأردني على فوهة بركان، إن كان نتيجة السياسات الاقتصادية النيوليبرالية المتبعة، والتي أفقرت الأردنيين، نتيجة اتفاقيات التطبيع في وادي عربة منذ ثلاثين عاماً ونيف، أو بسبب الموقف السياسي الأردني المنغمس كلياً في محاولات إنقاذ الكيان من الهزيمة الاستراتيجية على أيدي قوى المقاومة. وما اختيار الكيان سوريا من أجل توجيه أوسع الاعتداءات الجوية، منذ بدء الحرب، إليها، إلا رسالة تهديد ومقايضة مع محور المقاومة بعد عملية جسر اللنبي التي زلزلته، وأعطته مؤشرات على توجهات الأردنيين ليكونوا جزءاً رئيساً لا بد منه في عملية تغيير وجه غربي آسيا.

أترك تعليقاً

التعليقات