طارق عفاش.. وجه الخيانة
 

محمد الشرفي

محمد الشرفي / لا ميديا -
لم تعد خيانة طارق عفاش مجرد انحراف سياسي أو اجتهاد خاطئ في قراءة المشهد، بل أصبحت حالة نموذجية ليمني فقد البوصلة، واختار أن يتموضع حيث يُراد له، لا حيث يُمليه الضمير اليمني.
فمن التصريحات التي يُهاجم فيها  اليمنيين، إلى محاولاته الحثيثة لنيل رضا واشنطن و»تل أبيب»، يتنقل الرجل بخفة المرتزقة، لا بثقل الرجال الذين تصنعهم المعارك.
طارق لا يرى في الاحتلال الأمريكي خطراً، ولا في التواجد البريطاني بالسواحل اليمنية كارثة، ولا في الغارات «الإسرائيلية» على غزة قضية؛ لكنه يفرغ غضبه على صنعاء، ويخصّف كلماته على المقاومين الذين يواجهون تحالف العدوان.
في تصريحاته العلنية، يُقدّم نفسه كـ»حارس للملاحة الدولية»، تماماً كما كان عملاء الأمس يقدّمون أنفسهم كوسطاء للسلام، وهم في الحقيقة يجرّون أوطانهم إلى الهاوية.
وبالحديث عن عملاء الأمس، يقودنا التاريخ إلى مآلات شبيهة. ففي الحرب العالمية الثانية، كان فيليب بيتان، جنرال فرنسا السابق، أحد أبرز الوجوه التي فضّلت الاستسلام للنازيين بحجة الواقعية السياسية، وأسّس حكومة فيشي العميلة. لم يطلب منه أحد أن يُسلّم باريس؛ لكنه فعل، ومُحيت صورته من قلوب الفرنسيين قبل أن يُحاكم.
وفي ألمانيا ذاتها، تكشف سجلات الحرب أن بعض عناصر جهاز «أبفير» (الاستخبارات النازية) كانوا يقدّمون معلومات للحلفاء، بدعوى الخوف على مستقبل بلادهم؛ لكن التاريخ لم يسجّل أسماؤهم في خانة «الحكماء»، بل في خانة «الخونة».
وفي اليابان، لم يكن الأمر أقل بشاعة، حيث تعرّضت البلاد لحملة تجسسية منظمة من بعض النخب التي عملت مع الاحتلال الأمريكي بعد استسلام طوكيو، وتم فضحهم في ما بعد على أنهم باعوا الثقافة والقرار والسيادة معاً.
ومع كل تلك النماذج، لا تبدو تجربة طارق عفاش بعيدة عنها، فهو لا ينسق فحسب مع التحالف الأمريكي البريطاني، بل يدعو صراحة إلى «التعاون مع القوى الدولية» وهي  القوى  نفسها التي دمّرت مدن اليمن، وقتلت اليمنيين، وموّلت حروباً عبثية لا تزال نيرانها تشتعل في كل ركن من أركان اليمن.
ولأن الخيانة، كالحرب، لا تتغير كثيراً، فإن التاريخ يعيد نفسه بأسماء ولهجات مختلفة. كان بيتان يبتسم في مؤتمرات فيشي، كما يبتسم طارق في لقاءاته مع الأمريكان والصهاينة ومرتزقتهم. وكان العملاء في طوكيو يقولون إنهم «يحمون الشعب»، كما يقول طارق إن «أمن البحر مسؤوليتنا». والنتيجة واحدة: شعوب لا تنسى، وذاكرة وطنية لا ترحم.
الفرق الوحيد أن أولئك الخونة عاشوا لحظاتهم الأخيرة في صمت وندم، بينما لا يزال طارق يبحث عن دور في مسرحية لم يعد فيها دور إلا لمن اختاروا المواجهة. واليمن، كما علمتنا تجربته الممتدة في الصبر والصمود، لا يكتب تاريخ الخونة بالحبر، بل بالعار.
وستبقى صنعاء، التي رفضت الركوع، شاهدة على عصرٍ حاول فيه البعض أن يبيعوها، لكنهم فشلوا، لأن الشرف لا يُؤجَّر، والخيانة -وإن بدت صفقة ناجحة- تنتهي دائماً بفضيحة.

أترك تعليقاً

التعليقات