إسراء الفاس

إسراء الفاس / لا ميديا -
أعلنت صنعاء بدء المرحلة الرابعة من الحصار البحري ضد كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، في خطوة تصعيدية تهدف إلى تحقيق مزيد من الضغط على خط دفع العدو باتجاه وقف حربه على قطاع غزة. والمرحلة الجديدة لا تعرف استثناءات؛ إذ إن بيان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية أشار إلى أن الاستهداف سيطال سفن أي شركة شحن تتعامل مع الموانئ «الإسرائيلية»، بصرف النظر عن جنسية الشركة، وفي أي مكان تطاله الأيدي اليمنية.
العملية ليست مجرد توسيع للحصار؛ هي تحوُّل استراتيجي ينقل المعركة من ملاحقة السفن المرتبطة مباشرة بموانئ الاحتلال إلى ضرب كل أذرع الإمداد، وشل الموانئ المحتلة بالكامل، لإلحاقها بميناء «إيلات» المعطل منذ أشهر.
عمليات رصد دقيقة باشرتها القوات اليمنية للسفن العاملة على خطوط الإمداد، بين شرق المتوسط والموانئ المحتلة، إضافة إلى ناقلات النفط التي تُضخ يومياً في شرايين الكيان. والخطوة اليمنية أتت بعد رسالة تلقاها زعيم أنصار الله، السيد عبدالملك الحوثي، من قيادة حماس الأسبوع الماضي. الرسالة وُصفت بشديدة التأثير، فقد كشفت حجم المأساة الإنسانية في غزة، وتضمنت نداءً لطلب العون من اليمن.
لعل مضامين الرسالة كانت تتبدى في نبرة وملامح في خطاب السيد الحوثي الأخير، وهو يعري «الموقف العربي السلبي السيئ، والمتخاذل والمتواطئ»، الذي أثر في مواقف الدول الإسلامية، «التي كانت ستقف مواقف أقوى مما هي عليه الآن لو وقف العرب مواقف أقوى؛ لكن معروف أن كبار الأنظمة العربية لها موقف سلبي إزاء من يتحرك في هذا المسار، في هذه القضية الفلسطينية بشكل أكبر؛ ولذلك موقفهم سلبي جداً من الجمهورية الإسلامية في إيران».
بشكل غير مباشر، يحذّر السيد الحوثي الدول التي تذرف دموع التضامن إعلامياً بينما سفنها تغذي أسواق الاحتلال، حتى تقدم حلولاً وبدائل اقتصادية لتعويض الخسائر التي يحققها الحصار اليمني.

تركيا خط الإمداد الأكبر
«نظام إسلامي يظهر التعاطف إعلامياً مع الشعب الفلسطيني، وعدد ما قدمته سفنه أكثر من أي دولة في العالم». عن تركيا كان يتحدث قائد أنصار الله. تركيا الداعم الأكبر لـ»إسرائيل» في البحار، وفق ما أظهرته بيانات الملاحة العالمية. وقد شهد حجم الشحن البحري من تركيا إلى «إسرائيل» ارتفاعاً ملحوظًاً خلال العدوان على غزة، وتحديداً خلال المرحلة الممتدة من 3 أيار/ مايو إلى 7 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وهي المرحلة الزمنية التي أعلنت خلالها أنقرة رسمياً قطع العلاقات التجارية مع الكيان «الإسرائيلي». وخلالها، تجاوز عدد رحلات الشحن البحري بين تركيا و»إسرائيل» 340 رحلة، وبلغ عدد السفن التي أبحرت من الموانئ التركية إلى الموانئ المحتلة 108 سفن.
في تقرير نشره في نيسان/ أبريل الماضي، تحدث موقع (Türkiye Today's) عن حركة تصدير نشطة جداً من تركيا إلى السوق «الإسرائيلية». واستند إلى بيانات وزارة التجارة التركية ومجلس المصدرين الأتراك (TİM) لشهر آذار/ مارس الماضي، والتي كشفت أن صادرات تركيا من الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومشتقاتها في المرتبة الأولى ضمن الصادرات التركية إلى الأراضي المحتلة، تليها صادرات الصلب التي سجلت ارتفاعاً غير مسبوق بلغ نحو 9 آلاف بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. وقد بلغت قيمة صادرات تركيا من الصلب إلى الأراضي المحتلة في آذار/ مارس 2024 نحو 13 مليوناً و901 ألفاً و470 دولاراً، مقارنة بـ153 ألفاً و400 دولار فقط في الشهر نفسه من العام 2023، وهو ما يمثل زيادة سنوية مذهلة بنسبة 8962.2%، بحسب التقرير التركي.

موانئ مصر والسعودية خطوط إمداد
على خط موازٍ، شكّلت الموانئ المصرية جسر إمداد بحري نشطاً آخر. ومع إطباق الحصار على غزة، بإغلاق المنفذ البري الوحيد الذي يصل القطاع بالعالم، تحول خُمس الموانئ المصرية إلى منافذ إمداد رئيسة للكيان، لقربها الجغرافي، وهي: الإسكندرية، دمياط، بورسعيد، والعريش.
كما كشفت البيانات الرسمية المصرية، الصادرة عن «المجلس التصديري»، أن قيمة الصادرات المصرية من الأسمنت إلى «إسرائيل» خلال العام 2024 هي الأعلى منذ بدء التجارة بين الجانبين.
وبحسب الأرقام التي استعرضها تقرير نشره موقع «عربي بوست» في آب/ أغسطس 2024:
- في العام 2021: بلغت قيمة صادرات الأسمنت المصرية إلى الكيان 1.38 مليون دولار. في العام 2022: ارتفعت إلى 1.65 مليون دولار. في العام 2023: سجلت 3.80 مليون دولار. من كانون الثاني/ يناير وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2024: قفزت قيمة صادرات الأسمنت المصرية إلى 50.7 مليون دولار.
إلى جانب ذلك، يتكشّف مؤخراً الدور الذي تؤديه الموانئ السعودية، والتي دخلت ضمن خطوط الإمداد. وقد نشر الإعلام الحربي اليمني، قبل يومين، مقابلات مع طاقم السفينة (ETERNITY C)، التي أغرقتها القوات اليمنية، والذين أقروا أن ميناء «إيلات» كان وجهة السفينة، التي اتجهت من ميناء بربرة في الصومال، وأن ميناء جدة السعودي كان وجهتها، لغرض التمويه والتموين.
هذا وتشكل الموانئ السعودية محطة لتفريغ حمولات بضائع تستوردها «إسرائيل» من الشرق (الصين، الهند...)، منها ما يُعاد شحنه بحراً، أو يُشحن براً عبر الأردن، وهو ما فعلته الإمارات والبحرين، وتناوله تقرير «تايمز أوف إسرائيل» ومصادر «إسرائيلية» أخرى.
إن استعراض حجم الإمداد التركي والعربي النشط إلى الكيان يكشف حجم التواطؤ الفاضح، ويطرح تساؤلاً: بأي منطق تقدم الأنظمة العربية، ومعها تركيا، مصلحة «إسرائيل» على أمنها القومي، الذي يترنح تحت تهديدات «إسرائيلية» - أمريكية معلنة بتهجير سكان غزة ما يضرب عمق مصر والأردن، وبمشروع تقسيمي يتسلل من خاصرة سورية، وبعربدة «إسرائيلية» تجتاح المنطقة بلا رادع ولا حساب؟!
أي مستقبل أسود يمهّده هؤلاء لدولهم وشعوبهم؟! وأي أنظمة حكم بمنظورهم ستنجو من ارتدادات هذا الانهيار الاستراتيجي؟!
إن المشهد برمته يعيدنا إلى كلمات الشهيد يحيى السنوار يوم وقف متحدثاً عن غزة: «ستفضح هذه المدينة كل المطبّعين، وتخزي كل المنسقين، وتكشف حقيقة كل المفرطين والمتنازلين».

 صحفية لبنانية

أترك تعليقاً

التعليقات