خدمة مجانية للعدو في لحظة عدوانه
- عبدالحكيم عامر السبت , 9 أغـسـطـس , 2025 الساعة 1:40:21 AM
- 0 تعليقات
عبدالحكيم عامر / لا ميديا -
في لحظة هي من أكثر اللحظات حساسية وخطورة في تاريخ لبنان والمنطقة، أقدمت حكومة نواف سلام على خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام والاستنكار، بإعلانها قراراً يدعو إلى نزع سلاح حزب الله، متجاوزة كل التوازنات الوطنية، ومتنكرة لمعادلات القوة التي حمت لبنان من الانهيار في وجه العدوان "الإسرائيلي" لعقود.
القرار لم يأتِ من فراغ، بل يمثّل محطة خطيرة في المسار السياسي اللبناني، بل ويكاد أن يكون تحولاً استراتيجياً في وظيفة الدولة، من حماية السيادة إلى تصفية قوتها، ومن مقاومة الاحتلال إلى تنفيذ ما عجز الاحتلال ذاته عن فرضه بقوة النار والدم.
فهذا القرار، الذي نزل على المشهد اللبناني كالصاعقة، لا يمكن قراءته منعزلاً عن تطورات الداخل، ولا عن سياقات الخارج، بل يجب وضعه ضمن سياق إقليمي ودولي دقيق، تصاعدت فيه الضغوط الأمريكية والغربية على لبنان، وتكثفت فيه المساعي لتفكيك المقاومة وتجريدها من سلاحها، وهو ما يشكّل خدمة مجانية للاحتلال "الإسرائيلي" في لحظة اشتداد العدوان وتوسع جبهات المواجهة من غزة إلى جنوب لبنان.
إن قرار الحكومة لا يستهدف حزب الله فقط، بل يتعدى ذلك ليطال مفهوم السيادة الوطنية برمته، ويضع لبنان في خانة الدولة العاجزة والمنكشفة أمام أطماع العدو الصهيوني؛ فبدلاً من تعزيز عناصر القوة الوطنية والردع الاستراتيجي، يذهب القرار إلى تفكيك ما تبقّى من قدرة دفاعية حقيقية، في وقت لم ينجح فيه العدو "الإسرائيلي" ذاته، بكل ترسانته وجيوشه، بانتزاع هذا السلاح أو تحييده عبر الحروب.
إن القرار الصادر عن الحكومة اللبنانية لم يُطرح بتوافق وطني شامل، ولا يستند إلى أي تفويض شعبي أو دستوري، وهو بذلك يُعد مخالفة ميثاقية خطيرة؛ كونه يتجاوز مكونات سياسية أساسية في البلاد، ويتنكر للبيان الوزاري الذي نالت الحكومة الثقة على أساسه، والذي لم يتضمن في أيٍّ من بنوده مسألة نزع سلاح المقاومة.
إن هذه المخالفة تُعد انتهاكاً للثقة، بل ونسفاً للتوازنات الداخلية الهشة، ودفعاً للبنان نحو انقسام سياسي ومجتمعي حاد، في وقت يحتاج فيه إلى أكبر قدر من التماسك والوحدة في وجه التهديدات الخارجية.
وبيان حزب الله، الذي جاء رداً على هذا القرار، لم يكن مجرد توضيح موقف، بل شكّل وثيقة سياسية بالغة الأهمية، أكدت أن سلاح المقاومة خط أحمر، وأن من يظن أنه قادر على تفكيك بنية المقاومة بقرارات حكومية أو عبر مشاريع خارجية، فهو إما واهم وإما شريك في خيانة وطنية كبرى.
وقد أعاد الحزب تثبيت قاعدة استراتيجية واضحة: أن سلاح المقاومة وُجد ليبقى ما دام الاحتلال والعدوان قائمين، وأن قوة لبنان تكمن في توازن الردع، لا في تسويات وهمية أو انحناءات سياسية. فبيان حزب الله حمل في طياته نبرة حاسمة، ورفضاً قاطعاً للقرار، وتأكيداً على أن المقاومة ليست ورقة سياسية، بل عقيدة وطنية ومشروع تحرري مستمر.
اللحظة اللبنانية اليوم مفصلية؛ فإما أن يكون لبنان المقاومة والسيادة والتوازن الاستراتيجي، وإما لبنان التبعية والفراغ والتآكل؛ إما أن يبقى لبنان حراً بمقاومته، وإما أن يعود ساحة مفتوحة للعدو كما كان قبل 1982.
قرار حكومة نواف سلام يمثل -في رأي كثير من اللبنانيين- اصطفافاً مع المشروع الأمريكي - "الإسرائيلي"، وتخلّياً عن الثوابت الوطنية التي دفع اللبنانيون ثمنها دماً وتضحيات كثيرة. أما حزب الله فقد حسم خياره بوضوح: لا مساومة على السلاح، لا تفاوض على الكرامة، ولا تراجع عن خط المقاومة، وستبقى حيث يجب أن تكون: درعاً للبنان، وسيفاً في وجه المحتل.
وفي ظل هذا المشهد، فإن الرهان يبقى على وعي الشعب اللبناني، وعلى تمسكه بعناصر قوته في وجه من يسعون لتسليم البلد على طبق من ذهب للعدو ذاته الذي فشل في احتلاله بالنار، فراح يفاوضه عبر قرار حكومي فاشل.
المصدر عبدالحكيم عامر
زيارة جميع مقالات: عبدالحكيم عامر