وقفة إنصاف مع ثورة فبراير
 

محمد القاسم

محمد القاسم / لا ميديا -
لو يكفر بها كل العالم، ستظل ثورة 11 شباط/ فبراير من أمجد اA271;يام بالنسبة لي ولكل يمني حر ولكل ثائر نقي. إنه يوم ولادة جديدة كنت قبله مكبل الحرية ومسلوب الكلمة، محملاً ما لا تطيق الجبال حمله من تكفير وإساءات وتخوين وتنمر، بداية من إذاعة المدرسة مروراً بمنبر المسجد وشاشة التلفاز وصوت المذياع وصولاً إلى سلاطة كل فضولي ومتهبش وسفيه في اA271;سواق والطرقات، وكل ذلك برعاية ومباركة نظام انبطح تماماً للإرادة السعوأمريكية. 
في الوقت نفسه لايزال بعض "المتأنصرين" والثورجيين الجدد يحاولون الانتقاص من ثورة الشعب العملاقة في 11 شباط/ فبراير 2011. ومن يفعل ذلك إما أنه جاهل لا يعرف قيمة تلك الثورة وحجم ثمرتها كتجربة شجاعة وهبة جريئة كسرت حواجز الصمت وكبرياء الطاغوت، وإما أنه ثائر مزيف لا تمثل عنده الثورة عقيدة ولا الكرامة قيمة راسخة ومبدأ ثابتاً.
وقد يكون تأييد هذ الصنف لثورة التصحيح 21 أيلول/ سبتمبر 2014 ليس إلا تماشياً مع التحولات المتلاحقة التي أتت بها رياح الحرية القادمة من جبال صعدة تنامياً لثورة الوعي التي أشعلها شهيد القرآن وسيد الثوار حسين بدر الدين الذي قدم روحه قربانا لمقاصدها النهضوية الشاملة.
فرغم أن ثورة أيلول التصحيحية قد أفرزت تحولاً هائلاً وأحدثت زلزالاً كبيراً على مستوى المنطقة والعالم، إلا أنها كانت ثورة محمية بعزيمة قائدها وقبضات رجاله الفاتحين، ومحاطة بتلاحم شعبي كبير ودعم اجتماعي مادي ومعنوي منقطع النظير، كل ذلك خفف كثيراً معاناة الاعتصام ومتاعب المرابطة في ساحاتها.
أما ثورة شباط/ فبراير التي هبت فيها كل فئات الشعب بعفوية فقد خرج رجالها وشبابها بصدور عارية وفي ظروف استثنائية، وكانت مفعمة بكل أشكال المعاناة المادية والنفسية، ومعرضة لكافة أشكال القمع والبطش، وأجزم أن البعض ممن تزلفوا لثورة 21 أيلول/ سبتمبر، خاصة فئة المتحاملين على ثورة شباط/ فبراير التي أفقدتهم مصالح غير مشروعة من نظام علي عفاش، وبالتالي هم لا يحبذونها، فهم ليسوا أهلاً ليكونوا من رجالها والعيش في أجوائها، خاصة في أشهرها الأولى، فلن يصبروا على وجبة واحدة ولن يحتملوا انعدام القات ولا أن يقاوموا بردها وحرها وغرق خيامها بالمياه، ولا أن يعيشوا أجواء الرعب ويتحدون ويقارعون اعتداءات العصابات الإخوانجية ولا يقوون على مقاومة أي شيء من آلامها ومتاعبها.
دعوني أحاول أن أستحضر لحظات النقاء تلك التي جمعت خيرة أبناء اليمن من كل المكونات والتوجهات ممن كانوا يحملون أرواحاً نقية وآمالاً وتطلعات سامية ومقاصد شريفة، فما زلت أتذكر روح الأخوة والمودة بين إخوة الكفاح ورفاق النضال في ساحات الاعتصام، ولن أنسى إقدام أولئك الشباب الغيورين على وطنهم بمن فيهم المحسوبون على حزب الإصلاح الإخواني الذين تجلت فيهم معاني العطاء والإيثار والإحسان وهم يتسابقون على الشهادة ويفدون بعضهم بالمهج في خضم تصديهم لبطش جلاوزة النظام وبلاطجة الطاغية، وهذا بالطبع قبل أن ينحرف بالكثير منهم دنس النخب ووساخة المصالح محولة حماسهم ومقاصدهم إلى منحدر الطائفية والحزبية.
وما يؤسفنا اليوم أن هناك من يحاول مصادرة نضالات وتضحيات الأحرار في تلك الثورة وينسبها للإخوان المسلمين، ونحن لا ننفي أن حزب الإخوان نزل إلى ساحاتها بكل ثقله التنظيمي والمادي والبشري، لكنه حاول احتواء الثورة واستثمارها لمشروعه الخاص والأحزاب الرديفة له. ولا ننكر أن أدوات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن من منتسبي حزب الإصلاح الإخواني لا يزال بعضهم يحتفل بثورة 11 شباط/ فبراير ولو بشكل خجول.
ولكن كل هذا لا يعني بطلان وسوء تلك الثورة الجبارة، A271;ن الثورة حق، والباطل دوماً يحاول ارتداء ثوب الحق وتقمص شعارات الحق، فهل ادعاء الإخوان أنهم يمثلون الإسلام ويتبعون القرآن دليل على بطلان وسوء الإسلام والقرآن؟!
معاذ الله. ولكنه النفاق يحاول التستر بما يلمع وجهه المشوه ويبيض صفحته السوداء.
قد لا يعلم هؤلاء أن أول بيان تأييد للثورة أذيع من منصة الثورة في صنعاء في أيامها الأولى قبل أن تنصب خيام الاعتصام هو بيان مكتب السيد القائد عبدالملك الحوثي، في وقت كانت فيه أحزاب المعارضة تتفاوض مع النظام الظالم من أجل تسوية سياسية يتقاسمون فيها كعكة السلطة.
وقد لا يعلم البعض أن ثوار شباط/ فبراير الحقيقيين هتفوا ضد بني سعود وضد الوصاية الأجنبية من أول يوم وحتى ثورة التصحيح العظمى في 21 أيلول/ سبتمبر، حيث بقي ثلة من الشرفاء في ساحات التغيير يكافحون من أجل الانتصار لأهداف ثورة شباط/ فبراير السامية حينما حاول تنظيم الإخوان العثماني الوهابي اتخاذ تلك الثورة وسيلة ابتزاز وجسر عبور للسلطة بعد أن أجروا التفاهمات وقدموا الوعود والتنازلات بأن يكونوا أكثر تبعية وانبطاحاً للإرادة الأمريكية والتدخلات السعودية.
لقد أحدثت ثورة 11 شباط/ فبراير المجيدة هزة غير متوقعة في نعش الهيمنة السعوأمريكية على اليمن، وأعادت الاعتبار لمظلوميتي صعدة والجنوب، فقبل 11 شباط/ فبراير كان النظام يخضع للإرادة الأمريكية بكل فجاجة حين كان يستجيب لنزوات النظام السعودي ويمكن الجنرال العجوز علي محسن الأحمر من سحق شريحة كبيرة من الشعب اليمني متى ما شاؤوا وكيف ما شاؤوا إرضاء للأمريكي أمام مرأى ومسمع العالم وفي ظل صمت فظيع ومخزٍ، ولكن ثورة شباط/ فبراير أجبرت جنرال الحروب الظالمة على صعدة على أن يعتذر ضمناً لمظلومية صعدة، ودفعت الشيخ القبلي للإخوان أن يعتبر حروب صعدة غلطة وورطة أوقعهم فيها رأس الأفعى علي عفاش.
وقد يتعامى الكثير عن حقيقة كون ساحات ثورة شباط/ فبراير قد فتحت الباب لإبراز المشروع القرآني النهضوي لجماهير الشعب بشكل علني A271;ول مرة ونقلت إلى الملأ مظلومية صعدة المغيبة، فتحولت تلك الساحات إلى مراكز جذب للأحرار ومناهل وعي للثوار ومنابر إشعاع بنور القرآن وأرضية خصبة ينبت فيها الإيمان، فتخرج فيها العظماء ممن جسدوا نماذج قرآنية فريدة وقيادات فذة في مختلف ميادين الجهاد وساحات الكرامة متصدين لتحالف الغزو على اليمن مقدمين أروع دروس الفداء ومتصدرين قوافل الشهداء.
أما من يعمدون ويمعنون اليوم في الإساءة والشيطنة لتلك الثورة فهم فئتان (واحدة بقصد والأخرى بدون قصد):
* الفئة الأولى: الساكتون المنبطحون الجبناء، أصحاب القول المشهور: "ادبرتوا علينا"، فيما هم يخذلون الحق بصمتهم ويظنون أن السكوت هو الذي سيضمن لهم لقمة عيش كريمة، وهم يجعلون أنفسهم ساحة مهيأة لكل فاسد ومجرم أن يستغل عبوديتهم للفتات الحقير والمرعى الوبيل ليستغلهم أكثر وينهشهم أكثر حتى يصل الأمر به إلى التمترس بجماجمهم، وهم كاA271;نعام بل أضل سبيلا، لأنهم قد جردوا أنفسهم من كل عوامل القوة والدفاع عن النفس.
*الفئة الثانية: الخاسرون لمصالحهم غير المشروعة، وهم من يستغلون سذاجة الفئة الأولى ويتقمصون منطقهم ولسان حالهم يقول: "ألم تروا أننا كنا أفضل من أدعياء الثورات، فسلام الله علينا، عاد كنا نأكل ونؤكل"، مع أن أقطاب النظام هم من تقاتلوا ودمروا كل شيء، وأفرزوا تنظيمات "القاعدة" و"داعش" ووظفوها في الانتقام وتصفية الحسابات ودفعوا بها للانقضاض على المعسكرات والمؤسسات، فذبحوا وفجروا وسحلوا الجنود بالآلاف في الجنوب وبعض مناطق الشمال.
ويأتي الآن فاسد ساقط من بقايا النظام البائد ليحمل ثورة شباط/ فبراير أسباب المعاناة، لكي لا تنكشف سوأة النظام الذي تصارع مع نفسه ودمر كل شيء، ثم قام الأمريكي بإجراء المصالحة بينهم بـ"مبادرة خليجية" قبل أن تتطور الفوضى إلى الصراع بين أمين وأمينة (الرئيس ونائبه)، كل هذا والثوار الذين يكافحون ويتوجعون على بلدهم خارج حلبة ذلك الصراع الذي عزز واقع الأزمات الاقتصادية والانفلاتات الأمنية ووسع دائرة التدخلات الأجنبية، حتى وإن ظل أحد أقطاب ذلك النظام يتمترس بالثورة ويدعي تمثيلها ليغطي على سوأة وبشاعة النظام بكله.
ولكن ثوار شباط/ فبراير الحقيقيين الذين استمروا في ساحات الاعتصام قد فضحوا بصبرهم وإصرارهم ثورجية الإخوان وأحزاب المعارضة الرديفة لهم الذين مثلوا دور الثوار كقوالب جاهزة دفعت بهم القوى الدولية المهيمنة على القرار العالمي، فجعلوا أنفسهم أدوات لأجندات هذه القوى، واليمن مسرحا لعبثهم، وأهدروا كرامة الإنسان اليمني إلى الحضيض، مروراً باستباحة الأجواء اليمنية بشكل مطلق وتفكيك المؤسسات وتزايد الاغتيالات وتغييب المحروقات والتلويح بالعجز عن دفع المرتبات، وصولاً إلى معاقبة الشعب بجرعة صادمة في أسعار الوقود.
حينها تمددت ثورة الحسين من جبال صعدة والتحمت بها جماهير الشعب من كل سهل وجبل يتقدمهم مجاهدو الأنصار الذين انبثقوا من رحم المعاناة، شعث، غبر، عتاة، أباة، قلبوا الطاولة على أخطبوط الفساد والعمالة، وسقطت تلك الجرعة، واستمرت المرتبات... وبينما كنا على مشارف انفراجة كبرى، حاول الأمريكي إجهاض هذا الإنجاز وشكل حلفاً من دول النفاق العربي ليشن عدواناً همجياً مدمراً للشجر والحجر ومهلكاً للحرث والنسل، تحت غطاء أطراف العمالة والانحطاط، في محاولة لإعادة فرضها من جديد على رقاب اليمنيين.

أترك تعليقاً

التعليقات