صلاح  العلي / لا

أعلن تحالف العدوان، الاثنين الماضي، تشديد الحصار على اليمنيين بغلق كافة المنافذ البرية والبحرية وإلغاء الرحلات الجوية. وبرغم الاستياء الواسع في الشارع اليمني عموماً جراء التبعات التي لم تعفِ أحداً، كان تجار الأزمات وصناعها وحدهم من تبسموا بخبث، فالأرصدة -المتخمة أصلاً- على موعد مع جرعات تسمين جديدة.
دقائق فقط مرت على الحدث حتى راحت عدادات الوقود تُصفر والأبواب توصد تتالياً كأحجار الدومينوز. وربما بسرعة تسبق الضوء؛ تفشى الحديث بين المواطنين عن (انعدام المشتقات) بسبب (إغلاق المنافذ)!
الثلاثاء، لم يكد نور الشمس يكمل انتشاره في مساكن العتمة حتى احتشدت طوابير المواطنين الطويلة أمام محطات بيع الغاز والبنزين القليلة التي أبقت أبوابها مفتوحة بعد رفع فاتورة الشراء. فيما تلاشت مادة الديزل من السوق!
ووسط هلع اعترى الشارع أعلنت وزارة النفط، الثلاثاء الماضي، عن توفر المشتقات النفطية، وبأن 20 مليون لتر من المشتقات ستصل العاصمة، وأن على المواطنين الاطمئنان. بينما أعلنت وزارة الداخلية، الأربعاء الفائت، أنها ستقوم بضخ 8 ملايين لتر من مادة البنزين للسوق.
واعتبرت الجهات الرسمية أن ما يحدث هو (هلع المواطنين) أكثر منه أزمة فعلية أكدوا على مواجهتها في حال وقوعها، وأن هذا الهلع هو ما تسبب بإرباك الاستقرار في العاصمة.
وكان اجتماع ضم وزارة النفط ووزارة التجارة والصناعة والغرفة التجارية ووزارة الداخلية والنيابة العامة ورئاسة الوزراء، أعلن أن المشتقات ستباع بالمبالغ السابقة، ومن يخالف ذلك أو يمتنع عن البيع بغرض اختلاق أزمة والمضاربة بالأسعار فسيتم مصادرة الكميات الموجودة لديه وتسليمها لوزارة النفط التي ستقوم بدورها بتوزيعها لنقاط البيع.
وخرج الاجتماع بتشكيل لجنة مكونة من الجهات السابقة، مهمتها مراقبة وتنظيم عملية البيع في المحطات وضبط المخالفين، وإنشاء غرفة عمليات لاستقبال البلاغات والشكاوى.
وفي جولة قامت بها (لا) في شوارع العاصمة، وجدت العديد من المحطات قد تم إغلاقها من قبل لجان المراقبة والأمن، بسبب مخالفة أصحابها أسعار البيع. فيما وجدت أن الأسعار التي استقر عليها بيع البنزين حتى الجمعة هي 5700 لـ(الدبة 20 لتراً)، وليس السعر القديم الذي كان 4700 ريال!
وبسؤالنا عن ذلك لدى اللجان المراقبة، بينوا أن هذا السعر عممته وزارة النفط والمعادن! فيما بيع الغاز المنزلي بسعر 4800 ريال للأسطوانة سعة 20 لتراً.
وقال لـ(لا) أحد ملاك محطات بيع الغاز المنزلي، إن الموردين يقومون ببيع (20 لتراً) من الغاز بسعر 4700 للمحطة. وأضاف أن (ما أعلن عن أن سعر البيع لنا بسعر 4100 لم يحدث)، معتبراً أن حملات الضبط على أصحاب المحطات دوناً عن ضبط الموردين، لن تغير في الأمر شيئاً، حيث التلاعب الرئيسي هو من قبلهم.
وأوضح المالك أن (هلع المواطنين) على الغاز وتزاحمهم على المحطات، أتاح الفرصة الأفضل لاحتكارات الاستيراد والباعة أن يستغلوا ذلك ويرفعوا الأسعا،ر حيث وضع المواطنون أنفسهم تحت طائل (الاضطرار) للقبول بأي سعر.
وفيما أعلنت الجهات الرسمية ضبط الأسعار، وأكدت على توافر المشتقات، وأنها أعدت سياسة للتوزيع ومكافحة الاحتكارات، تواصل محطات بيع المشتقات إغلاق أبوابها حتى تكاد شوارع العاصمة تخلو منها، عدا السوق السوداء التي وصلت أسعار مادة البنزين فيها إلى 20 ألف ريال. والأمر ذاته مع المحطة التابعة لشركة النفط الحكومية في (الستين) والتي وجدناها مغلقة!
وفي محافظة ذمار، قالت مصادر محلية لـ(لا) إن المشتقات النفطية منعدمة في المحافظة (ولم يبق غير الأسواق السوداء التي تبيع البنزين بما لا يقل عن 10 آلاف ريال، والمحطات المفتوحة تبيع بسعر 8500 ريال للدبة)، بينما لا وجود للغاز المنزلي إلا بنسبة طفيفة، وسط غياب كامل للجهات الرسمية عن أداء مهامها.
وذكرت المصادر أن مادة الديزل التي يعتمد عليها المزارعون في ري محاصيلهم، معدومة حتى في السوق السوداء، ما أدى لتوقف قرابة 60% من مضخات المياه، وتضرر المحاصيل.
وشهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفاعاً كبيراً، فقفزت أسعار القمح إلى 8 آلاف ريال للكيس عبوة 50 كيلوجراماً، بينما ارتفعت أجرة المواصلات العامة بنسبة 100%.
ووسط استمرار الحصار وتلاعب التجارات بأسعار المشتقات واحتكارها، تتراشق الجهات الحكومية المسؤولية في التصريحات المقدمة لوسائل الإعلام المختلفة.
فوزارة النفط ترمي بالمسؤولية على مصلحة الضرائب ووزارة الصناعة والتجارة اللتين بدورهما تلقيان باللوم على الوزارة بكونها لم توافهم بالمستندات والمعلومات الكافية وحصص التوزيع والجهات المصرح لها بالبيع.
كما ترى وزارة النفط في (قرار التعويم) جزءًا من المشكلة، وهو الأمر الذي رفضه مراقبون بالقول إن قرار التعويم تم العمل به في عهد اللجنة الثورية العليا، واستطاعت في ظله ضبط الأسواق وتوفير المشتقات للمواطنين ومكافحة الاحتكارات، بينما الخلل الآن قائم في دور الحكومة الغائب عن الأزمة التي يرى البعض مشاركة بعض الوزراء بالمشاركة في تفجيرها.
وكان رئيس اللجنة الثورية العليا تحدث في حوار مع (لا)، عن أن قرار التعويم كان قراراً مؤقتاً لمرحلة معينة حين توقفت كافة واردات المشتقات لليمن خلال يوليو - سبتمبر 2015، بفعل حصار العدوان، وأن مسألة الإبقاء عليه أو إلغائه رهن قرار حكومة الإنقاذ وتقديراتها، مشيراً إلى أن الاختلال لدى الحكومة بالدرجة الأولى، ومتسائلاً: (وإلا لماذا حتى الآن لم يتم اتخاذ اللازم بخصوص التعويم؟).
وطبقاً للمعلومات، تسببت شركة النفط بمصادرة ناقلتي نفط كانتا راسيتين في الغاطس الخارجي لميناء الحديدة من قبل العدوان، يفترض أن تدخلا لرصيف الميناء قبل يومين من إعلان العدوان إغلاق المنافذ. وتأخرت الناقلتان عن تفريغ حمولتهما رفضاً لمطالبة وزارة النفط دفع مبلغ 10 ريالات بدلاً عن 5 ريالات التي سرى العمل بها بالاتفاق مع الحكومة.. وهو ما سبق وأقدمت عليه الوزارة بما يخص كهرباء الحديدة.
في السياق ذاته، فقد كشفت المعلومات أن وزارة النفط سبق وأفشلت اتفاقاً جرى مع شركة روسية لتوريد المشتقات لليمن بضمانة الحكومة الروسية -في إطار سعيها امتلاك حصص سوقية جديدة- وجاء هذا الاتفاق كإجراء ناجع لكسر احتكارات استيراد المشتقات النفطية من قبل التجار المحليين، ما يعيد الأسعار إلى ما دون 2500 ريال (للدبة 20 لتراً).
وكانت أمانة العاصمة شهدت حملات أمنية ورقابية على محطات امتنعت عن بيع مخزونها من المشتقات للمواطنين، وقامت بإحالة أصحابها للجهات المختصة. بيد أن الوضع يبدو ذاهباً إلى عكس ما تتعهد به الجهات الحكومية. وقد قال مواطنون في الأمانة لـ(لا) إن الضبط الحكومي لم يشمل كامل الأمانة، بل أجزاء صغيرة اقتصرت على مناطق حدة والخمسين والسبعين وبيت بوس أكثر الأمر.
تشير الوقائع وانتظام وقوعها وسرعتها، إلى إعداد دقيق سبق الإعلان عن وقف الحركة من وإلى اليمن، بغرض خلق أزمة معيشية واقتصادية خانقة تفجر الصمود الشعبي من داخله، بوابتها افتعال (أزمة انعدام المشتقات وارتفاع أسعارها).
فما الذي حدث ويحدث؟! (لا) تقصت الملابسات ومجريات الأحداث وما وراء الكواليس.
في أحد الشوارع المحاذية لشارع 16 تقاطع الرقاص، أخبرنا مواطنون أن (مجموعات) على (الواتس آب) -أغلبها نسوية- استعرت فيها أحاديث عن (انعدام المشتقات النفطية) جراء غلق تحالف العدوان للمنافذ، وضرورة الإسراع لتعبئة أسطوانات الغاز قبل نفاد الكميات المتبقية لدى المحطات.
لقد أراد العدوان تأزيم الوضع المعيشي للمواطن أملاً بتفجير الصمود الشعبي المقاوم، والذي حاكت أيادي الطابور الخامس فتائله بخبث..
وكان اللافت هو تناسق الأدوار والأحداث بين الداخل والخارج في صناعة الأزمة الراهنة، وهو الأمر الذي يجعل من الوضع الراهن قضية تخريب أمني أكثر منها أزمة اقتصادية، حد رأي محللين.