غازي المفلحي / لا ميديا -

مع اقتراب العيد يتجه أغلب اليمنيين نحو الأسواق لشراء الملابس الجديدة. الجميع يبحث عن الأسعار الأفضل والجودة والشكل الجميل، وهذه هي أهم المعايير بالنسبة لليمنيين. وقد لا تجد أحداً مهتماً بمعرفة معنى العبارة المكتوبة على القميص أو الفستان الذي سيشتريه.

بالرغم من حقيقة وجود ملابس مكتوب عليها كلمات سيئة أو مهينة مثل "قمامة"، "محبة للرجال"، أو "أنا بنت سيئة" على قمصان الفتيات، و"نحن نشتري الناس" أو "هذا للبيع"، و"أنا قبيح"... وعبارات كثيرة غير لائقة أخلاقياً، وشعارات مواقع مخلة بالأدب، وصور قد تبدو عادية بينما هي شعارات "تحقير" عند مجتمعات أخرى، ومصطلحات غير مهذبة باللغة الانجليزية العامية أو الشوارعية.
الشاب أبوبكر محمد يقول مازحاً، عندما سألناه هل يعرف أو يهتم بمعنى الكلام المكتوب على الملابس التي يشتريها: "أهم شي عندي هو سعر الفنيلة ثم الشكل والجودة، أما مضمون الكتابة فلا أقوم بترجمته".
أما الشاب مروان الحاج فقد ذكر لنا تجربته مع الكتابة على "الفنائل" (القمصان)، حيث قال إنه وبالرغم من أن لغته الإنجليزية جيدة إلا أنه لم يعرف أنه اشترى فنيلة عليها كتابات غير لائقة، فقد ابتاع فنيلة أعجبته تشكيلتها وجودة قماشها دون أن يلتفت إلى ما تعنيه الكتابة عليها، ولم يعرف معاني الكلمات إلا عندما ضحك أحد أصدقائه متقدمي المستوى في اللغة الإنجليزية وهو يقرؤها، فسأله: ماذا تعني؟ فقال له أن الكلمة الكبيرة على صدر الفنيلة هي ماركة لنوع من الخمور، وأما الكلمات على الأكمام فهي متعلقة بالمثلية الجنسية بين الفتيات! ففوجئ بذلك، واضطر إلى التوقف عن لبسها، بالرغم من أن سعرها كان مرتفعاً كما قال.
بالرغم من وجود القمصان التي عليها كتابات أو تعابير غير لائقة أو مخلة، إلا أنها قليلة، ومن خلال تفحص ما تعرضه المحلات في الأسواق من القمصان في أقسام الشباب أو الشابات والأطفال يظهر أن أغلبية القمصان والملابس لا تحوي كتابات أو رسومات سيئة أو مخلة، فترجمة بعض الكتابات تعني: رياضة، أزياء، راقٍ، قوة، عصري، حب... وبعضها تحوي عبارات تشجيعية، كما أن هناك قمصاناً أيضاً عليها كتابات تدعو للتسامح الديني، كتب عليها: "محمد وعيسى إخوة".

ضمور الحس الوطني والتجاري
كانت قد ظهرت قمصان عليها كتابات بالعربي، ولقيت قبولاً لدى كثير من الشباب الذين ارتدوها، لكنها توقفت ولم يستمر إمداد السوق بها وتنويعها وتطويرها لمواكبة أذواق الشباب. كما أن التطور التكنولوجي قدم خدمات كبيرة لمالكي المحلات وزبائنهم، حيث صار بالإمكان طبع الكلام الذي يرغب به الشخص على قميصه، كلاماً أو صورة، باللغة العربية أو الإنجليزية. وفي العاصمة صنعاء عدة محلات تقدم هذه الخدمة، وكان القميص "الفنيلة" الذي يحوي على صدره الطير الجمهوري اليمني، قد اشتهر وانتشر بشكل كبير في أوساط الشباب، وحتى تم إرساله من اليمن إلى المغتربين في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين تسابقوا لإنزال صور لهم على مواقع التواصل الاجتماعي والطير الجمهوري اليمني على صدورهم. كما انتشرت "فنائل" واكبت الأحداث التي حصلت خلال فترة التصدي للعدوان الأمريكي السعودي المستمر، وانتشرت قمصان كتب عليها: "سلم نفسك يا سعودي" و"صنعاء بعيدة".
يتساءل الشاب محمد العماري، صحفي: مادامت المحلات التجارية تستطيع شراء آلة للطباعة على الفنائل بكل سهولة، وتستطيع توفير كميات كبيرة من الفنائل الصافية ذات الألوان والتشكيلات والجودات المختلفة، فلماذا لا تقوم بطباعة أشكال وكلمات وصور تنتمي إلى الثقافة اليمنية والعربية بطرق جذابة وعصرية وأنيقة تستهوي الشباب؟! وليس شرطاً أن يتخلى أصحاب المحلات عن الملابس الموجودة حالياً ذات الكتابات والكلمات باللغات الأجنبية العادية وغير المخلة بالأدب والقيم بل تعرض بجوارها وتنافسها، وهذا فيه تكريس للقيم الوطنية ودفع باتجاهها، وكما إنه مجال للإبداع والربح التجاري بالنسبة للمحلات، ويمكن الكتابة بالعربية أو الإنجليزية حسب الطلب. المهم هو مضمون الكتابة والفكرة، كما يمكن أيضاً طلب ذلك من الأسواق التجارية العالمية كالسوق الصينية كأكبر مورد للسوق اليمنية في جانب الملابس. 
يقول العماري: "يمكن كتابة أمثال شعبية يمنية، ووضع صور قادة ومناضلين وثوريين عرب وأجانب، كما يمكن وضع النقوش العربية، والمعالم اليمنية والعربية المهمة، كالمناظر الريفية اليمنية، والمزارع، والمرأة اليمنية في الحقول والوديان والجبال، صور للجندي وللعامل وللطالب، والكثير الكثير من الأفكار والملامح المتعلقة بالهوية اليمنية بطرق ذكية وفنية، وكتابة جمل تحفيزية تشجع على التعليم والكفاح مثلاً، كما في الفنائل الموجودة في السوق حالياً، والتي يرتديها الشباب والأطفال دون علمهم بما هو مكتوب عليها، سواء كان تحفيزاً وتشجيعاً على أمور جيدة أو كان كلاماً غير لائق أو سخيفاً، لأن لغة الكتابة أجنبية". ويضيف: "فكما أننا نحاول تكريس الوطنية في الرسوم على العملة الوطنية وجوازات السفر والكتب الدراسية ونشرات الأخبار، يجب أن يقترب هذا التكريس أكثر، بطرق جذابة وذكية غير جامدة، على الملابس". 
لا شك أن الشخص الواعي يمكنه أن ينتقي ملابسه وملابس أفراد أسرته من الأطفال ويترجم الكتابات التي عليها قبل شرائها، كما أنه يمكن توجيه الذوق العام وتعزيز وطنيته وقوميته باستغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة لطباعة الكتابات والنقوش والصور القيمة المقبولة لليمنيين والعرب وتسويقها، وهو ما يعود بمنافع وطنية واستثمارية.