غازي المفلحي/ لا ميديا -

ما نوع اليمن الذي يتمنى اليمنيون أن يولد بعد العدوان؟ أو ما اليمن الذي سيتشكل بعد أن تضع الحرب أوزارها؟ ما هي ملامحه؟ وكيف سيتم تطبيب جراحه، والمضي قدما؟ ما مدى قبول فكرة التصالح والتسامح بين كافة المكونات السياسية (المناهضة للعدوان والمؤيدة له)؟ وكيف يمكن تطبيع الحياة السياسية والاجتماعية بين أفراد المجتمع وتجاوز آثار العدوان والحرب والنهوض من جديد؟
قد تكون هذه أسئلة خاصة بمركز دراسات، ولكننا وجهناها إلى عينة من اليمنيين لنعرف كيف يتمنون أن يكون قادم الأيام في بلدهم، وما هي رؤيتهم لمسارات الحلول والطرق نحو يمن قوي مزدهر.
يتمنى جميع من سألناهم رؤية وطنهم يتمتع بقيم العدالة والمساواة والتسامح، وطن قوي غير آيل للسقوط في مستنقعات الفساد أو الحروب الأهلية أو التدخلات الأجنبية، وكل لديه رؤيته وطرحه، منهم متفائل بالغد وآخر
 متشائم، يريدون السلام وقلب صفحة جديدة في حياة الوطن وخطوة كبيرة نحو الأمام، لكن كل بوجهة نظر مختلفة.

ليسوا سواء
«كان العدوان وسنواته وكل أحداثه بمثابة «فلتر» لمعرفة حقيقة المكونات السياسية وتشخيصها وتصنيفها»، بحسب قول ليث الصيادي، الذي يرى بأنه يجب ألا يكون هناك صف بقياس واحد لجميع المكونات السياسية، ويقول: «نعم يجب أن يتسع حضن الوطن لكافة المكونات السياسية «الوطنية»! وأعني بـ«الوطنية» القوى التي كانت ولازالت وطنية أو القوى المستعدة لأن تتغير، وأن يتم رسم حدود وطنية يمنع تجاوزها من الجميع».
بالنسبة لتطبيع الحياة السياسية يرى الصيادي أن هناك نوعين من القوى السياسية؛ أولهما وطني حقيقي، وآخر يدعي الوطنية، وعند أية فرصة وعند السعر المناسب سنرى النوع الثاني مستعداً لبيع القضايا الوطنية، وبناء على ذلك فالأول له الحق في حرية التعبير، وأما الثاني فلا، والأول له الحق بالمشاركة في كل المناصب الحساسة، وأما الثاني فلا أيضاً، ويظل باب المناورة مفتوحاً لتحديد أي القوى وطنية حقيقية، وأيها تدعي الوطنية.
يكمل الصيادي اجتماعياً: «أرى أن البناء والعمل الجاد وتسهيل الصعاب للمواطنين هو الفارق الحقيقي الذي سيعيد لهذا المجتمع وحدته ورضاه عن حكومته أياً كان شكلها ومحتواها. تجاوز آثار العدوان يمكن عن طريق البناء ورفع مستوى الوعي والمعيشة والتعليم».
أما عن شكل اليمن الجديد الذي بذلت كل التضحيات لكي لا يختطف، فيتمناه حراً وبناءً ورائداً في المجتمع الإنساني كما كان قديماً، وأن يكون لليمن قانون مدني منصف ومجتمع مؤمن واعٍ، وقيادة راشدة ومجتهدة.
يختم الصيادي: بما أن العدوان لم ينته بعد، فالنهوض من جديد يتطلب استمرار المقاومة حتى ينكسر هذا العدوان وكل من يقف خلفه، ويجب أن ينتهي العدوان نهاية منصفة بحق هذا الشعب المضحي، وألا ينتهي بتنازلات تعيق الشعب عن النهضة، كما يجب العمل على إعادة اعتبار لليمني أمام العالم من خلال العلاقات الدبلوماسية وخطاب الحكومة أمام الشعب والعالم.

بلا مناطقية أو مذهبية
الناشط الجنوبي على «فيسبوك» المعروف بـ«علي النسي»، يقول: أتمنى أن يكون اليمن بلدا حراً بعيداً عن التعصبات السياسية والمناطقية التي عانت منها البلاد شمالها والجنوب لفترات طويلة، ويختفي التعصب المذهبي الدخيل على وطننا. كما أتمنى أن يولد يمن جديد يمارس فيه سيادة القانون وروح المساواة ومن سلطات واسعة لمختلف شرائح المجتمع في شتى بقاع اليمن.
علي النسي لا يرى بديلاً عن السلام، فمنذ نهاية 2015 وعلى مدى قرابه 5 سنوات والبلاد تشهد حرباً طاحنة أثبتت فشل الحل العسكري، فهم الجميع منها أن الحل السياسي هو الأنسب، ولن يكون هناك يمن مستقر مزدهر إلا بوجود تصالح وتسامح بين كافة الفرقاء السياسيين والفصائل المتصارعة في الساحة اليمنية، والتصالح ليس فقط ضرورة، وإنما شرط إلزامي لاستقرار البلاد.
لتحقيق تطبيع للحياة السياسية والاجتماعية بين أفراد المجتمع، يرى النسي أنه لا بد من اتخاذ سلسلة من الإجراءات وتقديم تنازلات كبيرة من كافة الفرقاء السياسيين، أهمها عمل حوار شامل بين الجميع، وإعادة رسم خارطة اليمن بمحددات جديدة، وتفعيل السلطة المحلية بشكل كامل بديلاً عن فكرة الأقاليم، وإعطاؤها صلاحيات واسعة في حكم المحافظة.

اكتفينا من التبعية العمياء للخارج
يتساءل الكثيرون: هل يجب أن نجد بعد العدوان ذات اليمن بمشاحناته السياسية والفكرية، وبذات الوجوه الحاكمة القديمة وذات الدماء، وبنفس النظم الحاكمة والحكومية والإدارية القديمة التي لم ولن يغادرها الفشل، فهي ذات أيد طويلة نحو الفساد ومرتعشة نحو صناعة قرارات ومسارات البلد بشكل مستقل وحر عن وصاية وإملاءات الخارج؟
«أتمنى وأحلم، بل حتى أتوقع أن يكون يمناً جديداً تماماً»، هكذا يعبر عدنان باوزير، الناشط الجنوبي، عن طموحه بالوطن القادم، ويضيف: أولاً نريد يمناً لا مكان فيه للفساد، يمناً حراً مستقلاً موحداً لامركزياً ومزدهراً، بلداً سيد قراره، فقد اكتفينا من التبعية العمياء للخارج، ورأينا نتائجها، نريد يمناً كبيراً يليق بعظمة تاريخه وشموخ شعبه الصامد، لا كما جعلوه من قبل، فناء خلفياً للسعودية تعيث فيه كما شاءت فساداً.
بالنسبة لطموحات التعايش بسلام وحرية ومساواة، فهي ليست حلماً صعباً، فهي كما يرى باوزير من أصل الثقافة اليمنية التي تسندها وتدعمها، فهي شيء محقق في اليمن لولا التدخل الخارجي.
ويقول: «باختصار نريد يمناً يليق بحجم التضحيات الجسيمة جداً التي قدمها ولايزال هذا الشعب العظيم»، ولا يجد باوزير مانعاً من المصالحة، لكن له رأياً معارضاً لعودة من حمل السلاح وقاتل ضد وطنه تحت أي عنوان مصالحة كان، فقد تتكرر المآسي بهذه الطريقة كما يرى، وسيكون هذا بمثابة إهانة لدماء الشهداء.
ويضيف: كان العدوان درساً يجب على جميع الأطراف السياسية بمختلف انتماءاتها الحزبية واختلاف مشاربها، أن تتعلم منه. يجب الاستمرار في تكريس كثير من القيم الاجتماعية الحميدة التي نجح «أنصار الله»، خلال الفترة الماضية، في إعادة بعثها من ثقافتنا اليمنية الأصيلة، بعد أن اختفت أو اضمحلت، أو على الأقل تشوهت خلال العقود الماضية.

باب التوبة مفتوح وبشروط
الإعلامي حميد رزق يرى يمن الغد لمن انتصر وصمد وضحى وفدى الأرض اليمنية بالدم، والباب مفتوح لمن تاب وأعلن الاعتذار للوطن وأهله، فلم تسجل من قبل نهاية سنوات من نضال وحرية الشعوب بفوز العملاء والخونة في أي بلد.
ويقول رزق: اليمن بعد العدوان سيأخذ طريقه للتعافي وتضميد الجراح واستكمال تحرير المحافظات المحتلة، وسنشهد تساقط أحزاب العمالة والارتهان تباعاً، وستبحث قيادات قوى الارتزاق عن ملاجئ دائمة في بلدان أوروبا والغرب وتركيا والسعودية، وكثير من المخدوعين سيعودون إلى وعيهم وصوابهم، وستنطلق مسيرة التصالح والتسامح لاستيعاب العائدين والتائبين، ومن أعلن ندمه واعتذاره للشعب اليمني، سيكون من ضمن المعادلة الوطنية، ومن أصر على موقفه من العدوان فلا مكان لهم في يمن المستقبل.
ويضيف: ربما تواصل دول العدوان مساندة المرتزقة للاحتفاظ ببعض المناطق المحتلة ليستمروا في العيش داخلها كجيوب وأدوات محلية، يحركها العدوان متى ما استلزمت مصالحه، كما هو حال الجماعات المسيطرة على مدينة تعز، وكما هو حال طارق وجماعته في بعض مناطق الساحل الغربي، لكن الانتصار الكبير الذي يمضي إليه اليمن بعزم وقوة واقتدار سيقلب الموازين، ويسحب البساط من تحت أقدام أطراف الارتهان والارتزاق، ويؤدي في نهاية المطاف الى نهايتها كما انتهى المطاف بعملاء أمريكا خلال حرب فيتنام، وكما انتهى الأمر بمنافقي «خلق» عقب الثورة الإيرانية وحرب الـ8 سنوات.

نريد عدالة انتقالية
«نحن بحاجة إلى عدالة انتقالية، لا يجوز على الإطلاق أن يفلت المجرم من العقاب ويعود للحياة اليمنية أو للسلطة كأن شيئاً لم يكن»، هكذا قال الصحفي أحمد الحبيشي، الذي يرى أن الشعب اليمني تألم وتحمل معاناة عظيمة، وأن التصالح والعفو جزء مهم من ثقافتنا اليمنية، ولا بأس به، ولكن يجب أن يعترف المعفو عنه بجريمته وذنبه تجاه الوطن والناس ويعتذر، ثم يعفو المجتمع والسلطة عنه، لأن عشرات الآلاف استشهدوا بسبب العدو، ومن أجاز له وأيده وقاتل معه، وهذا كله لا يجب أن يمر مرور الكرام، لأن التسامح إذا لم يكن قائماً على الاعتراف بالخطأ، فثقافة التسامح خطأ بحد ذاتها.
يضيف الحبيشي: لسنا أول بلد أعتدي عليه، ولننظر كيف انتهت الحروب الأخرى ونستفيد منها، فهناك التاريخ والقانون الدولي وقوانين السلام وجبر الضرر وتعويضات وإعادة إعمار، ولا يجب أن نكون استثناء في تصالحنا، ولنبتعد عن نموذج «إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها.. تذكرت القربى ففاضت دموعها»، ويمكننا أخذ تجربة جنوب أفريقيا كمثال، حيث حصل تصالح وعفو، ولكن في إطار العدالة الانتقالية.
ويؤكد: نحن نعيش في عالم حديث، وليس في عالم الشعر القديم، يجب التمسك بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وقد اضطررنا سابقاً لقبول قرارات الأمم المتحدة رغم قسوتها، لأننا نريد البرهنة على أن قيم المجتمع الدولي هي التي يجب أن تسود.
ويكمل: علينا الحذر من مكر التاريخ، ولنا وللعالم تجارب سابقة قديمة وحديثة عن ذلك، وكثير ممن وقعوا الاتفاقيات بعد الحروب عادوا أسوأ وأكثر عناداً وكيداً مما كانوا.
يتمنى الحبيشي أن يولد يمن خالٍ من كل أخطاء الحقب الوطنية السابقة، تشيده عقول وسواعد الشباب وأحلامهم، خالٍ من إرث النخب السياسية القديمة الفاسدة التي أرهقت اليمن، وحملتها كثير من الصفحات الفاشلة، يمن يتخذ من الماضي عبرة، ويتعلم منه ما يساعده على المضي إلى الأمام، ويأخذ بعين الاعتبار مصلحة أجياله، متحررا من الأنانية التي كانت طبع القوى السياسية القديمة التي لا تفكر إلا بمصالحها، يمن يفكر بإصلاح السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة والزراعة.

الطريق القديم طويل
بكل تأكيد يجب أن يكون هناك تصالح وتسامح بين جميع المكونات، هذا ما يفرضه المنطق والعقل الواعي وتاريخ الإنسانية في النزاعات، كما يرى الأكاديمي في العلاقات الدولية أسعد منصور، فيجب أن تضع الحرب أوزارها ويتحاور الفرقاء لكي يحل السلام في اليمن.
من المسارات الجيدة لمرحلة ما بعد العدوان هو الاستعانة أو العودة إلى مخرجات الحوار الوطني، مع تعديل بعض البنود واللوائح، التي يرى منصور أنها شملت حلولاً وشراكة في بناء البلد للجميع من اليمين (الأحزاب الدينية) وحتى اليسار (الأحزاب اليسارية).
ويقول: أما تجاوز آثار العدوان وما أنتجته الحرب فلن يكون سهلاً، وقد يحتاج لفترة طويلة، خصوصاً إذا ولدت حكومة وشراكة تقليدية عنوانها المحاصصة مثلاً وكما هو متوقع، وفي المنطقة العربية والشرق أوسطية أكثر من مثال على ذلك، كالعراق، فالنهوض اليمني مرهون بنخبة حاكمة وطنية تغلب مصلحة اليمن.
ويضيف: بالحديث عن المساعدة والعوامل في النهوض اليمني، هناك مساعدة كانت تستطيع إعانة اليمن في النهوض قديماً وتستطيع بعد الحرب، وهي مساعدة أشقائه الأغنياء في مجلس التعاون الخليجي، ولكن هذا لن يحصل أبداً، إذ يستحيل أن نرى دول الخليج تقف مع بناء اليمن وتطوره اقتصادياً وصناعيا واجتماعياً وعلمياً، أو تتركه يحكم سيطرته على موانئه ومضائقه وثرواته وزمام الأجواء الفكرية والدينية المناسبة فيه التي تقدمه ولا تؤخره، لأنهم يرون أن ما ينفع اليمن يضرهم.