علي نعمان المقطري / لا ميديا -

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة شاع لغط كبير حول مشاورات سياسية تجري بين السعودية والطرف اليمني الوطني المدافع عن الوطن ضد العدوان السعودي الأمريكي، وخاصة منذ ضربة «أرامكو» الشهيرة والمتغيرات الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها التراجع الأمريكي عن ساحة المواجهات المباشرة مع محور المقاومة وإيران وسوريا ولبنان المقاوم، وإقرار ترامب بالعجز عن المواجهات مع المقاومة الإسلامية العربية المباشرة، وانتقاله إلى أسلوب الحرب الناعمة والمالية الاقتصادية والأمنية والمخابراتية، وهو ما نشاهده الآن على ساحات العراق ولبنان وإيران في سياق سياسي يقول على لسان رموز المشروع الأمريكي المحلي بأن ما خسره المشروع الأمريكي السعودي بالحرب العسكرية الساخنة يجب تعويضه بالحرب الناعمة والثورات الملونة والتنطع بشعارات شعبوية حقوقية مبهرجة أعدت وصممت في المطابخ الأمريكية الغربية، ومولتها الصناديق السعودية الخليجية والجمعيات المدنية والحقوقية المنتشرة كالفطريات في البلاد المستهدفة بالمؤامرات الامبريالية الناعمة والساخنة. 

هناك مجموعة من الدوافع والأسباب التي أفضت إلى اتفاق «الرياض ـ جدة» الأخير بين طرفي العدوان السعودي الإماراتي، وهي التي تحدد مآلاته ومصيره وتحكم نتائجه وآثاره، أبرزها:
1 ـ انكسار الظهير الإماراتي ومرتزقته الانفصاليين والسلفيين والعفاشيين والسودانيين وغيرهم من الأجانب والأغراب، وتكبدهم هزائم مدوية متوالية خلال معارك الساحل والحديدة، وخروجهم منكسرين بعد 3 سنوات من حملات حربية متواصلة جيشت خلالها الإمارات نيابة عن السعودية عشرات الآلاف من المرتزقة وآلاف المعدات والمدرعات والدبابات ومئات الطائرات الحربية المختلفة والبوارج الحربية، وخسرت خلالها عدة مئات من مليارات الدولارات، وهو ما يوازي الدخل القومي لها في عدة أعوام، وكانت انكسارات العدوان أمام الحديدة ذروة الهزائم على الساحل الغربي والمحاور الشمالية للمنطقة العسكرية الرابعة، وانفتاح الطريق أمام تقدم قوات الجيش واللجان الشعبية لاسترداد المناطق الجنوبية الشرقية التي مازال العدوان يسيطر عليها ويجمع عليها قواته في الجبهة الثانية، وهو ما تأكد خلال تحوله إلى الهجوم وتحرير مناطق قعطبة والعود والفاخر والحشا في محافظات تعز وإب والضالع والبيضاء، وإطلاله على قاعدة العند ومدينة المسيمير وردفان وطور الباحة والقبيطة ويافع ومكيراس جنوبا، والتوسع شرقا نحو مأرب والجوف، وهو ما اضطر العدوان إلى سحب الكثير من قواته الضاربة على الساحل وتركيزها على جبهات الضالع ـ لحج ـ أبين التي باتت مهددة، ومن ثم خسارة معارك الساحل الغربي بشكل مؤكد كرسته اتفاقية ستوكهولم نهاية العام الماضي، وأشرت تلك الأحدث إلى تحول قوات الجيش واللجان إلى الهجوم على مستوى عدة جبهات في وقت واحد، وتجاوز التوازنات القديمة ومعادلاتها التي تجاوزتها الانتصارات الجديدة.
وبالتالي فإن قوى العدوان جنوبا عجزت عن أن تستعيد أية مناطق تم استردادها من قبل قوات الجيش واللجان رغم رميها بثقلها العسكري كله في المعارك الكبيرة في الضالع ولحج ومحاورها، وقد اضطرت إلى سحب جزء كبير من ألوية الساحل الغربي ومن ألوية العمالقة التي شكلت القوة الضاربة الكبرى في معارك الساحل الغربي، ورغم حشدها أكثر من 10 ألوية على جبهات الضالع المختلفة، فقد خسرت المعارك التي خاضتها هناك خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، حيث خسرت الأفراد والمعدات والمواقع التي كانت تسيطر عليها سابقاً من جبال مريس إلى الفاخر إلى دمت وجبال العود والحشا إلى قعطبة وإلى الزاهر وذي ناعم.
وكانت تلك الوقعات هي الانكسار الثاني الكبير بعد انكسارات الساحل الغربي التي تتكبدها الإمارات ومرتزقتها الانفصاليون والسلفيون الذين تقاتلوا على المواقع والغنائم وهم في جبهة مواجهة مشتركة بعد تراجعهم وانكساراتهم، وأدى ذلك إلى الإسراع في إعلان الإمارات الخروج عن المواجهة المباشرة في الجنوب واليمن. 
وكشفت قوى العدوان عن ثغرات كبيرة في جدارها الدفاعي وبنيتها الحربية تجعلها عاجزة عن صد هجومات قوات الجيش واللجان وتقدمها جنوبا، مما وضع العدوان أمام أزمته مجددا.
تلك الاندفاعات الظافرة لقوات الجيش واللجان جنوبا وغربا كشفت أن الإمارات ومرتزقتها عاجزين عن صد هجومات قوات الجيش واللجان، وتحطيم قوى العدوان في الجنوب وتحريره هو ما سرع بخروج الإمارات من المعادلة وتسليم السعودية المسؤولية القيادية المباشرة عن الوضع في الجنوب لجهة وقف تقدم قوات الجيش واللجان عبر المناورات السياسية والميدانية بعد أن عجزت هي عن إنجاز تلك المهمة التي حلمت بها طويلا للحصول على مواقع وجزر وموانئ، والسيطرة الكاملة على الجنوب.
2 ـ انهيارات العدوان الكبرى على جبهات نجران وعسير وجيزان خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في وادي أبو جبارة، وفي مجازة عسير، وأبواب الحديد وآل صبحان محور عاهم صعدة، وعلى جبهة جيزان حيران والملاحيظ، حيث تحولت خلاله قوات الجيش واللجان من الدفاع إلى الهجوم، وحررت كل المناطق التي كان العدو احتلها خلال السنوات السابقة في محافظتي صعدة وحجة. كانت هذه الانهيارات الكبرى التي قصمت ظهر العدو السعودي الأمريكي على الجبهات الرئيسية الحدودية قد كبدتها خسائر هائلة لم تعرفها من قبل، حيث وقع عدد من ألوية مرتزقة العدوان في الحصار، وقتل المئات وجرح الآلاف منهم وأسر أكثر من 5000 مرتزق وجندي سعودي، وذلك من مجموع 6 ألوية قتالية كانت ضمن التشكيلات القتالية التي تنتشر في نجران وجيزان وعسير، وتتوغل في المناطق اليمنية الحدودية الشمالية.
وبعد هذا المصير الأسود لعدد من ألوية مرتزقة العدو السعودي، لاذت بقية الألوية الأخرى بالفرار والهروب إلى مؤخراتها ومعسكراتها القديمة داخل نجران وجيزان وعسير.
هذه التطورات مستمرة الآن ومازالت في بداياتها، وقوات الجيش واللجان الظافرة تواصل تقدمها نحو مدن نجران وجيزان وعسير، وقد احتلت مدينة الربوعة في عسير، وقطعت طريق عسير ـ نجران الرئيسي الذي يصل إلى قيادة عمليات العدو الميدانية.
3 ـ الضربات الصاروخية والجوية الاستراتيجية الزلزالية في العمق السعودي وفي المراكز النفطية الكبرى في «خريص» و»بقيق» في قلب الاحتكار النفطي العالم ومؤسساته وبنيته التحتية وقاعدته وخطوط إنتاجه وإعادة تكريره ونقله في أقصى الشمال الشرقي السعودي على بعد أكثر من 1500 كيلومتر.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية الكبرى لهذه الضربات في مواصفات السلاح المستخدم تقنيا وعمليا وحجمه والمسافات التي يقطعها وعدم قدرة العدو على رصده، وقدرته على اختراق السياجات الدفاعية وتعطيل قدرة الصواريخ الأحدث في العالم من «باتريوت» و»ثاد»، وعجزها عن توفير أي مستوى من مستويات الأمن العسكري والاستراتيجي والتقني والمخابراتي، وقد كلفت تلك العملية وحدها المملكة أكثر من 300 مليار دولار يوميا نتيجة توقف إنتاجها النفطي وتصديرها البالغ قرابة 6 ملايين برميل يوميا، أي تعطيل ما نسبته 50٪ من قدراتها الإنتاجية، واستحالة إصلاح الخراب وتعويضها عنه قبل أشهر طويلة، ربما قرابة العام، مما يعني أنها قد ضربت في مقتل.
وكانت تلك الضربات الصاروخية الكبرى المنتجة محليا قد تواصلت خلال الأعوام الثلاثة الماضية بشكل يومي تقريباً في ظل تصريحات يمنية رسمية تؤكد قدرة اليمن على صناعة الصواريخ والمسيَّرات بأعداد كبيرة تقدر بالآلاف، واتساع بنوك الأهداف في عمق العدو.
4 ـ العمل على تطوير السلاح الصاروخي المضاد للطائرات المعادية ومواصلة إنتاجه بكميات كبيرة تجعل السماء الوطنية تدريجيا بيئة غير آمنة لطلعات الطائرات العدوانية.

تطوير استراتيجيات جديدة للجيش واللجان
كانت السعودية وقيادتها في تلك المرحلة تصوروا أن قوات الجيش واللجان يمكن أن تقع في فخ الجنوب من جديد ليضعف تركيزها على الجبهات الحدودية الرئيسية في الشمال، فقد حشدت أكبر حشد عسكري لقوى المرتزقة، حشداً لم يسبق مثله طوال سنوات الحرب، حيث وصل على الحدود الشمالية إلى أكثر من 300 ألف مرتزق على محاور الجبهات الثلاث المحيطة بصعدة، وخلال عامي 2018 و2019 تغلغل المرتزقة في الشريط الحدودي من نجران إلى جيزان مرورا بعسير.
ذلك الحشد الهائل للقوات والمعدات والدعم الدولي الامبريالي المباشر وغير المباشر أغراها إلى التخطيط لاجتياح محافظة صعدة وجوارها ومعاقلها، كما حشدت احتياطات ضخمة تصل إلى حوالي 250 ألف مرتزق من مختلف الجنسيات، وركزتهم في المحاور الشرقية المحيطة بالعاصمة بهدف تطوير الهجوم الكبير الذي تحاوله على صعدة عبر وادي أبو جبارة والملاحيظ عبر جيزان ومجازة عاهم عبر عسير في حال حقق نجاحا، ولكن النتائج كانت مخيبة لآمالها، فقد كانت قوات الجيش واللجان وقيادتها القديرة العبقرية الواعية اليقظة مدركة لكل نوايا ومخططات العدو.