أنس القاضي / مرافئ لا -

ظهرت هذه المقولة مع بداية الحرب العدوانية على اليمن، في البداية عكست وعي العامة من صدمة الحرب، إلا أنها تحولت لاحقاً إلى مقولة سياسية تقصد معنى معينا وتؤدي وظيفة محددة، حيث يجري ترويجها وتوجيهها من أجل إحباط أثر خطاب التعبئة العامة الذي يستنفر المجتمع لمواجهة العدوان والدفاع عن سيادة البلد وسلامة ووحدة أراضيه.
تفترض المقولة، أن هناك اقتتالاً بين يمني ويمني كشخصيات مجردة ومعزولة عن العالم وعن المسار التاريخي الذي جاءت عبره الحرب، التي تدور في معظمها داخل الجغرافية اليمنية وبين مقاتلين يمنيين (وهو أمر مؤسف لا شك فيه)، إلا أن هذا الاقتتال ليس يمنياً يمنياً بهذا التسطيح، وليس معزولاً عن الواقع الإقليمي الدولي، ولم يأت فجأة وعبثاً. 
ليس المقصود من القتال الجاري أن يقتل يمني يمنياً رغبة في سفك الدماء، لكنه قتال بين مشروعين سياسيين، ويهدف إلى انتصار مشروع سياسي على نقيضه، أما هذان المشروعان السياسيان؛ فهما مشروع عدواني استعماري ضيق الأفق عصبوي داعشي، ومشروع وطني تحرري وحدوي إنساني، تجسده تركيبة سُكان صنعاء.
المشروع الأول يمثله في الداخل مرتزقة تحالف العدوان وهم يُقاتلون دفاعاً عن طموحات وأطماع ومصالح الدول الداعمة لهم، وهي دول احتلال طبيعتها العدوانية التوسعية لم تعد خفية حتى على المرتزقة، فكثيراً ما عبروا عنها وعن رفضها لمآرب خاصة بهم، والواقع شاهد عليها. 
المشروع الثاني هو مشروع وطني تحرري وحدوي، وثب أصحابه للقتال دفاعاً عن المصالح العليا للوطن، حين لمسوا الأخطار والتهديدات العدوانية الاستعمارية، التي تمثلت في إقرار تقسيم اليمن إلى 6 أقاليم خارج التوافق الوطني، ثم الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة، وتسليم المحافظات اليمنية والمناطق العسكرية للجماعات الداعشية التي سارعت إلى ذبح الجنود في مأرب وحضرموت ولحج، وفجرت بالمدنيين في شوارع ومساجد العاصمة صنعاء وغيرها. 
إن جوهر الصراع لا يُعرف من شخص المقاتل (يمني ويمني)، بل طبيعة المشروع الذي يوجه البندقية، وهو يختلف بين مشروع حق وعادل وبين مشروع عدواني باطل وإجرامي؛ وتاريخ 5 أعوام من إجرام التحالف الأجنبي ومرتزقته وحال مناطق سيطرتهم، ونقيضه من نموذج التعايش ووجود الأمن والدولة في الطرف الوطني، يُعطي كل ذي عقل سليم ونفس زكية غير متعصبة، قدرة على اكتشاف من هو الطرف المحق، ومن هو الطرف الباطل الذي يقاتل ضد اليمن، والذي انسلخ عن شعبه ووطنه وجسد عملياً انتماء مغايراً ومعادياً لانتمائه اليمني، ولم يبق له من اليمنية إلا الاسم.
 يتجاهل من يوجهون هذه المقولة ضد التعبئة العامة وفي مناطق حكم السلطة الوطنية دون غيرها، أن هذا القتال وإن كان ظاهرياً بين يمنيين إلا أنه في جوهره صراع بين الوطن اليمني وبين دول العدوان الأجنبية (أمريكا، إسرائيل، بريطانيا، السعودية، الإمارات) ذات المطامع الاستعمارية التوسعية في ثروات اليمن وموقعها الاستراتيجي، وخريطة سيطرة الاحتلال على سواحل اليمن ومنابعه النفطية تثبت الطبيعة الدولية لهذا الصراع.