«الشرق الأوسط الجديد».. قبر أمريكا!
 

مطهر الأشموري

مطهر الأشموري / لا ميديا -
في الفترة الاستثنائية لهيمنة أمريكا ظلت تتعامل مع مشاريعها في المنطقة على أساس أن هذه الهيمنة ستطول عالمياً؛ ولكن الحرب الأوكرانية من ناحية، وعجز أمريكا والغرب عن إلحاق الهزيمة الاستراتيجية بروسيا، والانطلاقة الواسعة والعملاقة للصين، من ناحية أخرى، جعل أمريكا تحس حقيقةً بفقدان عظمتها، التي يزعم ترامب أنه سيعيد أمريكا إليها أو يعيدها إلى أمريكا.
"إسرائيل" تحكم ارتباطها العضوي بأمريكا بالرأسمالية بشكل خاص. أدركت احتمالية هذا الخطر في تراجع أمريكا وتحولها إلى مجرد قطب بين الأقطاب كما حالة بريطانيا.
ولذلك فالمتابع المتمعن والحصيف يحس بوضوح كأنما أمريكا تسابق في ترتيب وضع أو تموضع "إسرائيل" على مستوى المنطقة.
أمريكا مشروعها الصهيوني في المنطقة يركز ويرتكز على محوري التطبيع العاجل مع الكيان الصهيوني، وما يسمى "الشرق الأوسط الجديد". وهذه العجلة هي ما يدفع إلى هذه الحروب الأمريكية على شعوب المنطقة؛ لأنها تريد إنجاز ذلك، ولأنها تريد فرض ذلك قبل أن تصبح مجرد قطب في عالم متعدد الأقطاب كافتراضية.
ولهذا فالإبادة الجماعية في غزة هي أساساً أمريكية قبل أن تكون "إسرائيلية". وهذه الإبادة الجماعية مرتبطة بالحرب على إيران، والتي هدفها إسقاط النظام وتفتيت إيران.
عندما تقول أمريكا إنه في حالة أي حروب جديدة في المنطقة فإنها ستزود "إسرائيل" بقاذفات (B2)، فالمراد هو تمكين "إسرائيل" من تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وبالتالي إسقاط النظام، وهذا يجّسد خوف "أمريكا الإسرائيلية" من مجيء يوم يصبح فيه العالم متعدد الأقطاب، وتصبح أمريكا مجرد قطب، ويراد إنجاز الهدفين أو المحورين معاً قبل مجيء هذا اليوم المحتمل والأسوأ لأمريكا و"إسرائيل".
عندما نتوقف عند سعي أمريكا لتفتيت روسيا، بعد تفتيت الاتحاد السوفييتي، فذلك يجعل تهديد روسيا باستعمال النووي موقفاً متوقعاً. ولو هددت أمريكا كما السوفييت، أو كما أرادت في روسيا، فالطبيعي لذلك أن تهدد بل وأن تستعمل النووي لو مورس تفتيتها فعلاً كما السوفييت.
ومع ذلك، كلنا تابعنا الحملة الإعلامية الغربية - الأمريكية على روسيا لأنها تهدد بالنووي، فيما الممارس الآن بضرب المنشآت النووية الإيرانية هي حرب نووية أمريكية على كل شعوب المنطقة، ومن ثم فالتزويد المزمع لـ"إسرائيل" بالقاذفات (B2) هو حرب نووية على المنطقة، فماذا يعني ذلك؟
يعني أن أمريكا هي المستفزة وتتصرف بكل جنون في تفعيل الحرب النووية والدفع إليها، من أجل "إسرائيل الأمريكية"، وقبل الانتقال الفعلي إلى عالم متعدد الأقطاب.
وهكذا فليست روسيا، التي هددت بالتفتيت، كما ليست الصين، التي يراد منعها من حق توحيد وطنها، من يهدد بالنووي، بل أمريكا هي التي تفعل وتسير حثيثاً لعمل كهذا مع المنشآت النووية الإيرانية، وكأن العالم هو الذي يسعى للحيلولة دون المزيد من هذا الجنون الأمريكي.
فهذا العالم يعرف ويعي أنه يصعب على أمريكا تقبل أمر واقع متعدد الأقطاب، وهو ربما مضطر لترويضها حتى تقبل بهذا الأمر الواقع، ولكن دون السماح لها بفرض مشاريع متعجلة أو مستعجلة، وفي محور "الشرق الأوسط" تحديداً، فيما محور "التطبيع" من السهل التعامل معها ومعالجتها من تلقائية العالم متعدد الأقطاب.
أمريكا في وضع أشبه ببريطانيا وفرنسا عندما سارتا في العدوان الثلاثي على مصر وأزاحهما المتغير من المشهد ببروز أمريكا. وأمريكا كذلك لم تعد قادرة على منع التغيير عالمياً، والعدوان على إيران بشراكة الكيان الصهيوني وأوروبا هو كما العدوان على مصر.
وبقدر استعجال أمريكا لفرض "شرق أوسط جديد" قبل مجيء العالم متعدد الأقطاب، فإنها من حيث لا تدري أو من حيث لا تعي تستعجل هزيمة مدوية لها ستعجّل بالتعددية القطبية، وقبل مشروعها الواهم والواهن معاً.
لقد آن الأوان ليتخلص كل العالم من الاستعمار والهيمنة الغربية على العالم لأكثر من 500 سنة. ومشروع "الشرق الأوسط الجديد" هو قبر أمريكا الذي تحفره بيدها، والزمن يننا، ومن عاش خبَّر!

أترك تعليقاً

التعليقات