حاوره/ نشوان دماج / مرافئ -

شيّق هو الحديث مع إذاعي مبدع كعبدالكريم الوشلي، خصوصاً حين يتناول جانباً خفياً أو متوارياً من حياة ذلك المبدع، وهو الجانب الشعري والأدبي. 
الشاعر والإذاعي عبدالكريم محمد عبدالله الوشلي، من مواليد 1967 , صنعاء. حاصل على (ليسانس) حقوق من جامعة صنعاء عام 1991. في 1995 التحق بإذاعة صنعاء مذيعاً إخبارياً ومعداً ومقدماً لعشرات البرامج الثقافية والجماهيرية والمنوعة، ومنها البرنامج الأدبي اليومي «الليل حين يبوح»، والبرنامج الأسبوعي «المجلة الثقافية»، الذي مازال يتولى إعداده وتقديمه. 
أسهم في العمل الصحافي منذ وقت مبكر من عمره، حيث نشرت له منذ 1984 مئات المقالات والكتابات الأدبية والنقدية. كما عمل سكرتير تحرير، ثم مديراً لتحرير مجلة «دمون» الدورية الصادرة عن «بيت الشعر اليمني».
أصدر 3 مجموعات شعرية: «وهج الفجر» (بالاشتراك) عام 1992، «أيها النبض» 1999، «الإمعان في الورطة الرائعة» 2003، وله مجموعتان شعريتان تحت الطبع.
«مرافئ لا» التقى الشاعر والإذاعي الوشلي في حوار حول تجربته الشعرية، فإلى الحوار:

 مرحبا بك أستاذ عبدالكريم
أهلا بكم، وسعيد جدا بأن أتحدث إلى صحيفة «لا» الغالية علي وعلى المبدعين في هذا البلد، صحيفة «لا» التي استبشرنا خيراً بمجيئها مخاضاً جديداً في عالم الصحافة، والتي أعتز بمعرفتي وصداقتي مع رئيس تحريرها المبدع الأستاذ صلاح الدكاك.

حضور شعري مبكر
  حدثنا عن بدايتك مع الشعر كيف كانت؟
البداية طبعاً تثير الكثير من الشجون، فهي مقترنة ببواكير عمري، حيث كنت حينها ما أزال في مرحلة الدراسة الابتدائية، وربما ساعدني في ذلك وجودي في بيئة أسرية تحتفي بالكتاب وبالثقافة. فالوالد -رحمة الله عليه- رغم أنه كان ضابطاً في الجيش، لكنه كان عالماً وفقيهاً ولغوياً أكثر من كونه عسكرياً. ولذلك تعهدني بتوطيد علاقتي بالكتاب والقراءة والاطلاع منذ ذلك الوقت؛ حتى إنه كانت اللغة العربية أحب المواد إلى قلبي وأنا في تلك المرحلة الابتدائية، وكان يلفت أنظار المعلمين تفوقي في هذه المادة. وهذا أيضاً أتاح لي علاقة مع الكتاب، وكان الوالد يشجعني على كثرة الاطلاع والكتابة حين كنت أقرأ كتب المتنبي وأبي العتاهية وشوقي، والكتب التي تتحدث عن تاريخ الأدب. ربما إن هذه العوامل، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بأجواء البيئة والريف؛ حيث ولدت في منطقة ريفية جميلة، جعلت من الشعر عالماً شكل حضوره منذ تلك المرحلة المبكرة من عمري.

أول نص عمره 35 سنة
  وهل بدأتم كتابة الشعر في ذلك الوقت؟
بدأت أشعر بأن هناك شيئاً يحثني على الإمساك بالورقة والقلم، أما أول قصيدة لي فكتبتها ربما وأنا في الصف الأول الثانوي، وعمري حينها 16 عاماً. إنما لو سألتني ماذا كنت أكتب تلك الأيام فلن أتذكر سوى أن أول نص شعري نشرته كان عام 1985 في صحيفة «الثورة»، وللأسف لا أتذكر حتى عنوان ذلك النص، لتتوالى النصوص الشعرية المنشورة لي في الصحيفة. بعدها اتجهت إلى كتابة المقالات، وكنت أكتبها على شكل خواطر وبتشجيع من بعض الأصدقاء الأعزاء الذين كان لهم حضور في الصحافة حينها. 

«التقليدي» تفرضه الظروف الراهنة
  وكيف كانت قد أصبحت علاقتك بالقصيدة؟
علاقتي بالقصيدة اتخذت متغيرات عديدة، مثل التأثر بالأسلوب الحديث في كتابتها، وهو الأسلوب النثري أو ما يسمونه الأسلوب الحر. وإن كنت في الأخير عدت إلى الأسلوب التقليدي الذي أجده أكثر تناسباً، وبالذات هذه الأيام عندما نرى أن للشعر مسؤولية كبيرة، وأن الأحداث والتحولات التي نعيشها كشعب وكوطن تفرض على الإنسان تلقائياً أن يكتب بهذا الشكل، لأنه مطالب بأن يخاطب المجتمع الذي يواجه هذه التحديات.

الإذاعة أخذتني من الشعر
  كونك مذيعاً أيضاً.. هل تغلب الإذاعي على الشاعر فيك؟
بلا شك، فالتحاقي بالعمل في إذاعة صنعاء أثر على علاقتي بكتابة الشعر، حتى إن هذه العلاقة وصلت إلى درجة من الخفوت، بحيث لم أعد أستشعر أن بداخلي كائناً ما له علاقة بالشعر. ولازلت حتى الآن أعتبر نفسي هاوياً أو متجولاً حراً يتنزه في عوالم ومناطق يبحث عن شيء ينعش روحه، يلتقط من تلك ومن هذه ما يشاء، ولا أعتبر نفسي شاعراً محترفاً. أما الإذاعة فقد استحوذت على كل شيء بي، وحظيت بمعظم اهتمامي ووقتي، وإن كنت في النهاية أرى أنه ليس هناك تناقض بين عملي الإذاعي وحبي للشعر. فالأرضية مشتركة، وهي التعلق بالكلمة وشغفها، فالشعر كلمة والإعلام كلمة أيضاً. 
  متى التحقت بالعمل الإذاعي؟
في منتصف التسعينيات، لكن التعلق بالإذاعة والتطلع إلى أن أصبح مذيعاً له أيضاً جذور في طفولتي، حيث كنت كثير الاستماع إلى إذاعة صنعاء وإلى تلك الأصوات التي ذاع صيتها وكان لها دور ريادي كبير في ذلك الوقت، مثل الأستاذ أحمد الرعيني والأستاذ عبدالملك العيزري، وكثيرين. كنت أستمع إليهم فيحدوني شغف كبير للعمل في إذاعة صنعاء. لكن مجرى حياتي العملي أخذني في ما بعد إلى مجالات مختلفة، حيث توظفت في جهات بعيدة عن الشعر وحتى عن الصحافة، إنما ظلت مسألة الكتابة والعلاقة بالقلم والاطلاع باقية عندي كشيء ألوذ به في أوقات فراغي، كما ظللت أتردد بين فينة وأخرى على صحيفتي «الثورة» و«26 سبتمبر», وغيرهما من الصحف، إما بنصوص شعرية أو بمقالات. ربما بلغ الأمر ذروته في علاقتي بالصحافة والشعر في فترة الثمانينيات، حيث نشرت لي فيها عشرات، إن لم يكن المئات، من المقالات والنصوص الشعرية.

تمنيت دراسة الإعلام
  ماذا عن دراستك الجامعية؟
 بالنسبة لدراستي الجامعية، فإنني نتيجة لهذا التعلق المبكر بالإعلام والعمل الإذاعي كنت أتمنى عند تخرجي من الثانوية منتصف الثمانينيات، أن أجد أمامي كليةً أو قسماً في الجامعة يتيح لي دراسة الإعلام، لكن للأسف لم يكن هناك حينها كلية إعلام ولا قسم إعلام. حتى كلية الآداب كان خيار الالتحاق بها مطروحاً بالنسبة لي، لكن نتيجة ما ذكرت لك من تمكني في أسلوب الكتابة وارتباطي الكبير بالكتاب والاطلاع الذي مكنني من قراءة كتب كثيرة، شعرت في نفسي - وربما كان ذلك نوعاً من غرور تلك السنوات من العمر- أن كلية الآداب لن تضيف لي شيئاً، فإلمامي باللغة كان ممتازاً، ومجال الاطلاع مفتوحاً أمامي إلى درجة كبيرة، بحيث لم أجد ما يشعرني بأن الالتحاق بكلية الآداب سيضيف لي شيئاً. فكان لي، طالما وأنه لم يكن هناك كلية للإعلام، أن ألتحق بكلية الشريعة والقانون، على سبيل الفضول لا أكثر، والإلمام بشيء جديــــــــــد وإضافته إلى رصيدي الاطلاعي. وفي 1991 حصلت على ليسانس شريعة وقانون.

أول ديوان خاص
   ديوان «أيها النبض» متى صدر؟ وما الذي شكله صدوره بالنسبة لك؟ 
هذا الديوان احتضن محاولاتي الأولى، أي النصوص التي كنت ما أزال أكتبها متأثراً بالأسلوب الحديث للقصيدة. حيث كنا مجموعة من الشباب، نلتقي بشكل متواصل في مقر اتحاد الأدباء والكتاب، ونستقي الأفكار من بعضنا البعض، مأخوذين بشعارات الحداثة. حيث تلاحظ في هذا الديوان نصوصاً كثيرة تنتمي إلى ما يعرف بالقصيدة النثرية. مجموعتي الشعرية هذه سبقتها نصوص أخرى لي صدرت، عام 1992، ضمن كتاب تحت عنوان «وهج الفجر» لمجموعة من الشباب الشعراء، نحو 20 شاعراً، كعبد الرحمن الحجري ومحمد المنصور ونبيلة الزبير وابتسام المتوكل وغيرهم. لكن «أيها النبض» هو أول ديوان خاص بي، والذي صدر في 1999، وضم مجموعة نصوصي الشعرية المنشورة في صحيفتي «الثورة» و«26 سبتمبر».

الإمعان في الورطة الرائعة
  وهل هناك دواوين أخرى لك؟
طبعاً كان لي مجموعة أخرى أصدرتها عام 2003، بعنوان «الإمعان في الورطة الرائعة»، ومن خلال الاسم يتبين لك مدى شغفي بالشعر، وإصراري على أن أكون حاضراً في هذا العالم الرائع الذي يسمى الشعر، مع أنني، بحكم انشغالي بالعمل الإعلامي، ظللت أعتبر نفسي متطفلاً على ذلك العالم، وعلى الكتابة الشعرية. وكنت كلما حدثت نفسي: لماذا لا تترك هذا المجال لأهله، أشعر بأنني واقع في أسر ذلك العالم ولا أستطيع منه فكاكاً، حتى ولو على سبيل المتنفس الروحي والوجداني. عندما أشعر بشيء، سواء له علاقة بالسرور أو الحزن أو الاستياء، أشعر أن القلم يناديني فأجد نفسي منقاداً لكتابة هذه النصوص التي نسميها شعراً، وأنني لا يمكن أن أتحرر من أسر عالم الشعر الجميل، فتبقى العلاقة رهن ذلك الشعور وفي هذا المستوى. 
كما أن لدي اليوم نصوصاً كثيرة أرتقب الفرصة المناسبة لطبعها في ديوان ثالث، وهي في معظمها مواكبة أو متجانسة مع الجو الذي نعيشه من الصمود والمعاناة والتحدي والمواجهة مع الأعداء المنخرطين في هذا العدوان على بلادنا.

جبهة تعبوية للمجاهدين والشعب
   كيف تنظرون إلى المشهد الشعري والأدبي في ظل العدوان؟
العدوان ترك بصماته وآثاره على شتى مجالات الحياة عندنا، بما فيها المجال الشعري والإبداعي. فاليوم نجد الشعر اليمني مستنفراً كجزء من سلاح المواجهة مع الأعداء. من ضمن الأشياء التي ترتبط بالعدوان وتضع نفسها كجزء من سمات وملامح المشهد الشعري، هذا التمترس الكبير لشعرائنا في مواجهة العدوان من خلال أسلوب القصيدة الشعبية أو العامية أو القصيدة التي تتلاءم مع الإنشاد ومع الزامل. فالزامل والإنشاد يشكلان جبهة حقيقية، جبهة تعبئة معنوية وروحية للمجاهدين وللشعب، ما جعل معظم شعرائنا ينحون هذا المنحى. ولا نقول بأن الشعر الفصيح غائب، بل هو موجود وبقوة، غير أن الشاعر يدرك في هذا الظرف أن الوجدان الشعبي يتفاعل أكثر مع الشعر المكتوب بلغة بسيطة، هي اللغة الدارجة للناس. لكن ذلك لا يقلل على الإطلاق من أهمية المنتج الشعري الفصيح، الذي أيضاً استقطبته الجبهة الوطنية الكبرى لمواجهة العدوان. وهنا نجد حضوراً كبيراً لشعراء الفصيح مثل معاذ الجنيد وعبدالحفيظ الخزان، ولا ننسى أيضاً الأستاذ صلاح الدكاك، الذي بالإضافة إلى عمله الإعلامي، هو شاعر مبدع بكل معنى الكلمة، وحاضر بقوة في تلك المواجهة. اليوم يمكن أن نتحدث عن شعر صمود، فكما وجد شعر مقاومة في فلسطين والجزائر وفيتنام، ولدى شعوب كثيرة، نستطيع أن نتحدث عن شعر صمود بكل معنى الكلمة، والذي أصبح ضرباً من الإنتاج الشعري عندنا في اليمن، له ملامحه وقسماته الخاصة.
  ما الذي قدمه شعر عبدالكريم الوشلي في مواجهة العدوان؟ 
كتبت الكثير من القصائد في هذا الصدد، بعضها أذعتها في إذاعة صنعاء ضمن أطر برامجية معينة، وكذلك ضمن «المجلة الثقافية»، وبعضها الآخر نشر في صحيفتي «الثورة» و«المسيرة»، وأحاول منذ فترة أن أتواصل معكم في صحيفة «لا» لكي يتسنى لي النشر فيها. كما أن عدداً من قصائدي ألقيتها في فعاليات متعددة متعلقة بالتعبئة في مواجهة العدوان.

  كلمة أخيرة..
الشعر اليوم هو سلاح أساسي في مواجهة العدوان، ويتحمل مسؤولية كبيرة. والشاعر اليمني أدرك تلك المسؤولية الملقاة على عاتقه، فآلى على نفسه أن يكون جنباً إلى جنب مع وطنه وشعبه، ومع المجاهدين في ميادين القتال والبطولة للدفاع عن هذا الشعب المظلوم والمستضعف والمعتدى عليه. ولذلك قام بهذه المهمة بجدارة، بحيث نجد اليوم شعراً يمنياً متوثباً إلى جانب البندقية والصاروخ يؤلم العدو ويسدد سهامه في كبد قوى العدوان، وهذا ما يثلج صدورنا كمحبين وكعشاق للإبداع الشعري في بلدنا. أيضاً أتوجه من خلال صحيفتكم بالامتنان لهذا الشعب العظيم وللمجاهدين العظماء الذين رفعوا رأس اليمن ورؤوسنا ورؤوس الأحرار في العالم بهذا الصمود الأسطوري. ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر لك أخي نشوان وللزميل العزيز والصديق صلاح الدكاك، ولكل من هم في خلية هذا الإبداع الصحفي المتميز والمتمثل بصحيفة «لا».