غازي المفلحي / شايف العين / لا ميديا -

بفعل عوامل عدة، أصيبت الصوفية بوعكة وهابية، تمخضت عن أفكار وخطابات ذات طابع وهابي سلفي، لينجح أصحاب الفكر المتطرف في التأثير على الفكر المتصوف بعد سنين من حربهم عليه.
صحيفة «لا» ناقشت مواضيع عدة مع رموز الصوفية، لمعرفة الأسباب التي أدت إلى تحول خطاب وموقف بعض الصوفيين إلى جانب الخطاب الوهابي، وكذلك مواقف الصوفية اليوم من قضايا وأحداث تعصف بالوسط الإسلامي والعربي، أبرزها العدوان على اليمن.
مبدأ «التكفير» منشأ صراع الصوفية والوهابية
منذ تأسيسها اعتمدت الوهابية على مهاجمة كل من يخالفها في أمر ما، من أي طائفة أو جماعة كانت. واستخدمت في ذلك كل الوسائل التي أتاحتها لها قوى الظلم والاستكبار؛ كونها تخدم مشروعها.
وللوهابية مسائل عدة دار حولها الخلاف مع الصوفية، منها أمور سياسية وأخرى دينية.
يقول عضو ملتقى التصوف الإسلامي اليمني رئيس قسم التاريخ والفكر الإسلامي بمركز حضرموت الأول للدراسات الاستراتيجية، حسن العيدروس، إن أهم مسائل الخلاف تلك هو مبدأ «التشريك والتكفير»، الذي اتخذته الوهابية وسيلة لمحاربة الصوفية، بل والمذاهب الأخرى. فكل مخالف للوهابية ترميه بهذه التهم، وهذه بحد ذاتها مسألة كبيرة وفي غاية من الخطورة.
خطورة هذه المسألة تكمن في ما تحويه من مضامين وما تؤديه من دلالات، حيث إن الفتوى أو الحكم على مذهب أو مدرسة أو شخص بالشرك أو الكفر، أو حتى مجرد النظر إليه بأنه كذلك، ليس بالأمر الهيّن، لما يترتب عليه من إسقاط كل حقوقه وإلغاء كيانه والتحكم بمآله الذي يكون بيد من أصدر تلك الفتوى أو الحكم، ما يعنى أنه قد قضا عليه أكثر من كونه قد قتله.
ويؤكد العيدروس أن الصراع مع الوهابية، قد نشأ من هنا، في كل النزاعات والصدامات التي حدثت في الساحة الإسلامية عموما، واليمن خصوصا، سواء على الصعيد الفكري والشرعي أم على الصعيد المجتمعي. والخلاصة هي أن جميع مسائل الخلاف بين الصوفية والوهابية تندرج تحت مبدأ «التكفير والتشريك»، الذي تبناه الوهابيون وقرروا التعامل به مع كل مخالف لأفكارهم ومعتقداتهم.

معرفة الله والعلاقة برسوله
تتعدد جوانب الخلاف بين الوهابية والصوفية، وفقا لما يذكر القاضي محمد الباشق، أولها الخلاف في معرفة الله سبحانه وتعالى والإيمان به ومحبته والالتجاء إليه وتعظيمه والوله بذكره وتربية الأمة على شرف وعز وأمان وفضل ونعيم وجنة... حيث إن ذكر الله هو أصل الأصول عند الصوفية، بينما تقدم الوهابية معرفة الله عبر مصطلح «العقيدة»، دون أي روحية، بل بجفاف وجفاء وسوء أدب.
كما أن الفكر الوهابي يجفف الشعائر ويجعلها خالية من الروحانية، ويجعل التعامل مع تلك الشعائر أقرب إلى كونه تعاملا مع قانون بشري جاف. كما وفدت إلى الوهابية أفكار يهودية تمثل تجسيما واساءة له تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
ثمة خلاف أيضا حول العلاقة برسول الله صل الله عليه وعلى آله وسلم. فالصوفية تؤمن بأنها كعلاقة الروح بالجسد، وتعتبر الرسول الأكرم نور الله الظاهر ولسان حجته وصفوة خلقه ورحمته الواسعة ونعمته العظمى.
وجسدت الصوفية تلك العلاقة بالإيمان بحبه وتوقيره والاحتفاء والاحتفال به وتعظيمه وتوقيره والإكثار من الصلاة والسلام عليه وعلى آله وتلاوة آيات مدحه والثناء عليه، ومنها ما ورد في سور «الضحى» و«الانشراح» و«الفتح» و«التوبة».
وتجد الصوفية في حب وتولي وطاعة رسول الله محمد والتوسل به سمة العباد الصالحين عبر الأزمان، وترى في التمسك بذلك سبباً للسعادة والأمن ووسيلة لمعرفة الله والوصول إلى رضاه.
أما الوهابية فتتعامل بوقاحة وسوء أدب تجاه سيد الخلق، وحاربت كل ما له صلة به، ووصل الأمر إلى حد مطالبة أكابر مجرميها بإخراج جسده الشريف من المسجد النبوي وتنفير الناس من شرف وأمان زيارة ضريحه الطاهر وهدموا بيته وبيت السيدة خديجة وحاربوا شعائر الاحتفاء بمولده وزعموا أن كل ذلك بدعة.
كما أن الكثير من الروايات، ومنها ما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب السنن، تسيء إليه صلى الله عليه وآله وسلم، من حيث تدري ولا تدري. فالروايات التي تشير مثلا إلا محاولاته الانتحار، أو زواجه بعائشة وهي طفلة في التاسعة من عمرها، أو أنه أمر بقتل شاعر هجاه... وروايات أخرى تحاول النيل من آل بيته عليهم السلام، كقولهم إن فاطمة الزهراء لم تكن مقتنعة بزواجها من الإمام علي عليه السلام... وغيرها من الروايات هي مما حاولت الوهابية وجذورها الحنبلية والسلفية من خلالها الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام...
تختلف الوهابية مع الصوفية أيضا بشأن أقطاب التصوف ورموز الصوفية. فالإساءة إليهم هو ديدن الوهابية، وكذلك حول إقامة الموالد ومجالس الذكر التي قالت الوهابية بتحريمها زاعمة أنها بدعة وضلالة. كما حاربوا مصطلحات الصوفية الفكرية والسلوكية، ووصفوها بأنها شِرك وكُفر.

ليست وهابية وإن تأثرت بها
يقف الكثير من رموز التصوف ضد من يقول إن الصوفية تحولت إلى وهابية، وينظرون إلى أصحاب ذلك الخطاب بأنهم يعممون القلة السيئة المنتسبة للصوفية على الكثرة الصالحة فيها.
يرى العيدروس أن الصوفية لم تتحول إلى نوع من الوهابية؛ غير أنها تأثرت بها إلى حد ما، حيث إن اجتياح الفكر الوهابي بقوة النفوذ والمال السعودي للعالم الإسلامي ومنه المجتمع اليمني، أحدث الكثير من التغيير في ملامح هذه المجتمعات وسماتها وخصائصها الثقافية.
وسرد بعض العوامل والأسباب التي أسهمت في تأثير الوهابية على الصوفية. ولقد كان من سوء طالع صوفية اليمن، وبالأخص في المحافظات الجنوبية، وفق ما قاله العيدروس، أنه بمجرد نفوق الاشتراكية -التي حظرت وحاربت الخطاب الديني عموما- أفشت «عصابة 7/7» الجائحة الوهابية، فأقحمت الصوفية في صراع محتدم معها. وكان من تأثير هذا الصراع أن دفع بالصوفيين نحو إعادة رص صفوفهم ونفض الغبار عن خطابهم.
وتابع أنه بعد مضي فترة من الزمن، أفصحت كثير من الأنظمة العربية إفصاحا «مشينا» عن مشروعها الحقيقي، المتمثل في حرف بوصلتها عن اتجاه القدس والعداء للكيان الصهيوني، وتوجيهها نحو جمهورية إيران ذات الطابع الشيعي، وهو المشروع الذي سارعت الوهابية، «لأسباب تعود إلى طبيعة أيديولوجيتها العقدية»، إلى أن ترعاه وتكون له الغطاء الديني، وتجعل نفسها رأس حربته.
وأوضح أن الوهابية استغلت الضجيج الذي صاحب تلك الموجة السياسية والدينية الوهابية، بصورة انتهازية لتوجه سهامها مجدداً صوب الصوفية، بالنكاية والتحريض عليها، واتهامها بالتشيّع وأنها تمثل وجهه الآخر، وبالتالي فإن رموزها ومؤسساتها تتآمر في الخفاء ضد مجتمعاتهم ودولهم السنّية، وسعوا بعدة سُبل إلى ترويج ذلك بين الدهماء، حتى وصل بهم الأمر إلى التشكيك في ولاء الصوفيين لأوطانهم، وأصبح يُنْظَر لهم بعين الريبة.
كل ذلك تزامن مع شن العدوان على اليمن وما رافقه من أحداث. ومثّلت الوهابية أيضاً، بخطابها السياسي والديني، غطاء لهذا العدوان. ويشير حسن العيدروس إلى أن ذلك هو ما جرّ بعض شيوخ الصوفية ورموزها للدفاع عن أنفسهم أمام ما يروّج له الوهابيون عنهم في خطاباتهم. وقال إنه وفي سبيل نفي نحلة «الرفض والتشيع» ربما بالغ البعض وتطرّفوا في ذلك، حتى بدا خطابهم متناغماً إلى حدٍّ ما مع الخطاب الوهابي. 

التيار المنبطح
بسبب العلو الإعلامي والمادي الكبير لليهود وخدام مشروعهم من الغلاة والطغاة، شنت الوهابية حربا لا هوادة فيها ضد جمهور المسلمين من جميع المشارب والمدارس الفكرية والفقهية، ومنها الصوفية.
وقال القاضي محمد الباشق إن الحرب التي شنتها الوهابية ضد الصوفية استهدفت ماضيها وتاريخها في الدعوة إلى الله والجهاد، وتشويه ذلك الدور من جهة، ومن أخرى طمس دورها في نشر الإسلام بالسلوك والأخلاق الإسلامية الأصيلة، ووصف رموزها بأنهم عبارة عن دراويش وأتباع للسلطة الحاكمة في كل مكان. 
وضمن حرب الوهابية على الفكر الصوفي استهداف مصطلحات ورموز وزوايا وأربطة وتراث كبير، من شعر ونثر وكتب وطرق ذكر، بل وحتى أوقاف الموالد والحضرات ومجالس الذكر والاحتفالات... وأمام تلك الهجمة الشرسة والمتعددة الوسائل رضي بعض الصوفية بحالة الانزواء والبعد عن الواقع الاجتماعي والسياسي، والبعض وقف موقف الدفاع، والبعض تأثرسلبا وحاول أن يقدم نفسه أنه صوفي عصري، فشاهدناه تحت مظلة دول تابعة للمشروع الصيهوامريكي.
وبمزاعم الانفتاح والوسطية والاعتدال فإن هذا التيار المنبطح افتتن بفتات حكام دويلة الإمارات وفريق هنا وهناك أصابته لوثة وهابية من استحمار سياسي وتشدد مسلكي، وفقد أتباعه الروحانية العالية والروحية الصافية بمتابعتهم للوهابية، وإن بقيت هذه المتابعة في مواقف سياسية أو شكليات محدودة، إلا أن أثرها غير المحمود كانت له تداعيات سلبية في الوسط الصوفي.

السلفي لا يثق بالصوفي وإن توهبن
جرت عادة الوهابية أن تستغل إمكاناتها في التأثير على بقية الطوائف الدينية كما أسلفنا. غير أنها مهما نجحت في ذلك يظل عداؤها قائما ولديها نظرتها إلى كل من وافقها في الفكر والخطاب وأيدها في أفعالها إذا كان قبل ذلك مخالفا لها ومنتهجا فكرا مغايرا لفكرها.
أما نظرة الوهابية للمتصوفة الذين انضموا نوعا ما إلى فكرهم السلفي المتطرف، فاختصرها القاضي محمد الباشق بالقول إن السلفي لا يثق بالصوفي وإن توهبن.

موقف الصوفية من العدوان
طالما أن الصوفية في اليمن خصوصا، والعالم عموما، لحقها تأثير من الوهابية، فمن المؤكد أن ذلك أثر على مواقفها من قضايا كثيرة، لعل أبرزها العداء للكيان الصهيوني ورفض العدوان على اليمن، والبداية من الثاني.
أكد القاضي الباشق أن مواجهته شرف عظيم وجهاد لا عذر أبدا في تركه أو اتخاذ موقف الحياد والصمت تجاهه، ورجال الطرق الصوفية في اليمن جزء من النسيج الاجتماعي اليمني وهم ضد العدوان. أما من زعم التصوف ولم يصدر عنه موقف جهادي مشرف ضده فقد استزله الشيطان.
العيدروس يوافق القاضي الباشق على وجوب مقاومة ومناهضة العدوان، وأن الكثير من مشائخ الصوفية وعلمائها وكوادرها ترجموا ذلك وقالوا كلمة الحق ووقفوا بكل صلابة وثبات أمام هذا الغزو والعدوان وأدواته، وقادوا أتباعهم ومريديهم للذود عن حياض الوطن في كل من تهامة وتعز والبيضاء والمناطق الوسطى وحضرموت.
ويقول العيدروس إن ثمة آخرين جاء موقفهم مؤسفا ومحزنا ومؤلما، فهم إما صمتوا صمت الأثيم، لخوف أو تخلٍّ عن مسؤوليتهم التي توجبها الشريعة والوطنية، وإما ركنوا إلى الغازي ووالوا المعتدي، مخافة على مصالحهم الدنيوية ومكانتهم الإجتماعية، أو نتيجة انخداعهم وتضليلهم عن حقائق الأمور.


الموقف من أمريكا و«إسرائيل»
يتحدث العيدروس حول موقف الصوفية من قوى الهيمنة والاستكبار (أمريكا و«إسرائيل»)، قائلا إنها إجمالاً لا تشذ عن موقف الخطاب الإسلامي العام من هذه المسألة.
ويتناغم الصوفيون مع ضمير ووجدان الأمة الإسلامية المناهض لذلك؛ غير أن الاختلاف يكمن في طبيعة ترجمة ذلك الموقف؛ إذ إن الأولوية لديهم تكمن في التربية والتزكية، ودون ذلك يعد عبثاً.
ووفقا للعيدروس ترى الصوفية -كما هو أحد أولويات التصوف- أن مناهضة دول الاستكبار والشر يجب أن تبدأ في كينونة الفرد المسلم ذاته، وتكون عبر الاهتمام بالتربية والسلوك والتهذيب والتنشئة الروحية والايمانية وغرس قيَمها ومعانيها السامية في ذات الإنسان؛ كون هذا يشكل الحصن والواقي الذي يمنع مشاريع هذه الدول من أن تخترق الفرد وبالتالي المجتمع.
أما القاضي الباشق فقد جاء رأيه مخالفا، فهو يؤكد أن الصوفية الحقة مواقفها واضحة جدا، جهادا لا هوادة فيه ضد كل دول الاحتلال في أي عصر وأي مكان، ومواجهة المحتل بكافة الوسائل، وحمل السلاح وحمل الفكر ونشر ثقافة الجهاد والرباط.
ويصف من يغفل أو يتغافل أو يصمت بأنه ليس بصوفي، بل هو دخيل ومندس، فكل شر في العالم سببه اليهود فكرا وتخطيطا، وأمريكا والأعراب تنفيذا. وكل صوفي أحب الله ورسوله وعاش في رحاب الأوراد والأذكار، له سهم في مواجهة أمريكا و«إسرائيل» ودور في البذل والعطاء والجهاد.

«الشيطان شيخ من لا شيخ له»
لم تنحصر الخلافات بين الصوفية والوهابية أو بين هذه وطائفة أو جماعة أخرى، بل يوجد خلافات قائمة بين مختلف الفرق والمدارس الصوفية في اليمن؛ لكنه ليس بالعميق، ويرتكز بالأساس حول وجود «الشيخ».
يؤكد العيدروس، وجود خلافات بين مناهج الطرق الصوفية وتياراتها المتعددة؛ لكنها ليست كبيرة أو عميقة، ويقول إن من أهم الركائز الأساسية والرئيسة لدى أتباع ومنتسبي المدارس الصوفية وجود «الشيخ»، ومقولة «من ليس له شيخ فشيخه الشيطان» هي بمثابة قاعدة.
ويضيف أن الشيخ مبدأ أساس في الفكر الصوفي، والعلم به يوضح الفوارق بين المدارس الصوفية أو ما يمكن أن نسميه تجوّزاً بـ«الاختلافات».
ويؤكد أن تلك الاختلافات تعود بدرجة كبيرة إلى اختلاف مشارب وأذواق هؤلاء الشيوخ ورؤيتهم، سواء في الأسلوب التربوي والخطاب الخاص لأتباعهم، أو نظرتهم لطرق التفاعل والتعاطي مع كل ما يدور حولهم، إضافة إلى ذلك تأثير عامل الأحوال والظروف التي تنشأ فيها هذه المدراس وطبيعة البيئة المحيطة بها وبشيوخها.

الواقف مع داعش لا صلة له بالتصوف
مع ظهور ما يسمى تنظيم «داعش» الإرهابي، أحد تجسيدات الفكر الوهابي المدعوم أمريكيا وصهيونيا، ظهرت فرق وجماعات طالما عرفت بأنها صوفية، وهي تقاتل إلى جانب الجماعات التكفيرية، كالحركة الصوفية في العراق التي تسمى «النقشبندية» والتي حاربت إلى جانب «داعش». ولعل الكثير يتساءل عن مواقف بقية فرق الصوفية من ذلك، وأسباب اتخاذ هكذا مواقف مغايرة تماما لما ينتهجه التصوف.
يقول القاضي محمد الباشق إن من وقف مع داعش أو حتى صمت عن جرائمه وجرائم الأعراب، وكلهم ذوو طابع واحد، ونابع من فكر واحد، فقد ضل وأضل، ولا صلة له بالتصوف البتة.
أما عن كيف حدث ذلك، فقد أكد حسن العيدروس أنه لا بد من إيضاح مسألة مهمة تتعلق بموقف التصوف من السياسة، مشيرا إلى أن الصورة بالنسبة للصوفية حول هذه المسألة ربما تكون مضطربة نوعاً ما، لاسيما أن اعتزال السياسة وعدم الخوض فيها من أبرز سمات التصوف، ولا يكاد كتاب من كتبهم المعتبرة يخلو من نصوص تذم السياسة والاشتغال بها.
وبحسب العيدروس فإن البعض يرى أن مبدأ «اعتزال السياسة» هو بحد ذاته «سياسة»، وبالتالي فإنه يتفاوت ويتأرجح.
وعزا ذلك الأمر إلى سببين: الأول هو مبدأ وجوب ولاية الحاكم وطاعته وعدم جواز الخروج على أمره، وهذا دفع بالصوفية تلقائياً لأن يكونوا إلى جانب معسكر الحاكم، مرجحا أن هذا جرّهم لأن يكونوا ضمن منظومته، وكثيراً ما استغلت السلطة ذلك وجعلتهم إحدى أدواتها ووظفتهم كأبواق لها من حين لآخر.
أما الثاني فيتمثل في مبدأ «المشيخة». والتمعن في تأريخ الحركات الصوفية ورموزها التي تحركت وخرجت لمقاومة الغزاة أو مناهضة الظلم، يوضح أن ذلك مردّه إلى موقف «الشيخ»، الذي ساهمت في تشكيله وصياغة خطابه طبيعة الظروف المحيطة به وبيئته المجتمعية وموروثها الثقافي العام وكوّنت رؤيته في إعادة ترتيب الأولويات لديه.