منذ الحرب العالمية الثانية، وبخاصة في أعقاب نهاية الحرب الباردة، تحاول الولايات المتحدة، بكل قوتها الاقتصادية والعسكرية، تصدير قيمها القائمة على الأيديولوجية مثل ما تسمى «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» من خلال التسلل الثقافي، سعياً للهيمنة على عقول الناس في دول أخرى.
إن ممارسة الهيمنة الثقافية هذه التي تقوم بها واشنطن تقوض استقلال الثقافات الأخرى، وتعوق التبادلات بين الثقافات في جميع أنحاء العالم، وتشكل تهديدا خطيرا للسلام والتنمية في العالم.
وعلق الباحث السياسي والمؤرخ الأمريكي الألماني المولد هانز جي. مورغنثاو، ذات مرة، بالقول إن «الإمبريالية الثقافية هي الأكثر دهاء، وإذا لاقت نجاحاً بمفردها، فهي أنجح السياسات الإمبريالية، إذ لا تهدف إلى احتلال الأراضي أو السيطرة على الحياة الاقتصادية، بل إلى غزو عقول الرجال والسيطرة عليها كأداة لتغيير علاقات القوة بين دولتين»، في توضيح للمنطق الكامن وراء كون الولايات المتحدة متعصبة للتوسع الثقافي.
وتحاول الولايات المتحدة دائماً بيع قيمها وأساليب حياتها إلى ثقافات أخرى من خلال وسائل الإعلام والكتب والأفلام والمنشورات الأخرى، فضلاً عن تمويل ما تسمى المنظمات الثقافية غير الربحية، وذلك لتشكيل رأي عام وسرد تهيمن عليه الثقافة الأمريكية.
وقد لخص الباحث الأمريكي جون يما بأن سلاح أمريكا الحقيقي هو آلة الأحلام في هوليوود، ومصنع الصور في شارع ماديسون، وخطوط إنتاج ماتيل وكوكا كولا.
وأثناء الترويج للقيم الأمريكية والسعي إلى فرض الهيمنة الثقافية، كان العم سام يشيطن تاريخ البلدان غير الغربية وثقافاتها وأنظمتها الاجتماعية في محاولة لسحق ثقتها الذاتية في ثقافاتها.
على سبيل المثال، خلال «الثورات الملونة» التي حدثت في بعض دول منطقة أوراسيا على مدى السنوات الماضية، تلاعبت واشنطن بوسائل الإعلام المحلية لتضخيم المصاعب الاجتماعية والاقتصادية في تلك البلدان من أجل جعل الشباب يفقدون الثقة في مجتمعاتهم، ويتحولون إلى تبني القيم الأمريكية.
ومن أجل نشر القيم الموالية لأمريكا، كانت الولايات المتحدة مصممة على السعي وراء الهيمنة العالمية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.
وكان الباحث السياسي الأمريكي جوزيف ناي ذكر في مقال نُشر في مجلة «فورين بوليسي» عام 1990، أن السؤال الحاسم بالنسبة للولايات المتحدة الآن ليس ما إذا كانت قد بدأت القرن الـ21 «كقوة عظمى لديها أكبر إمدادات من الموارد، ولكن إلى أي مدى ستكون قادرة على التحكم في البيئة السياسية ودفع الدول الأخرى إلى فعل ما تريد».
في الوقت الحاضر، مع التطور السريع للإنترنت، أصبحت استراتيجية الهيمنة الثقافية الأمريكية أكثر خطورة وتدميراً، ويجب على العالم أن يكون أكثر يقظة.
ويتعين على الدول في جميع أنحاء العالم أن تدرك حقيقة أن طبيعة ترويج واشنطن للديمقراطية والحرية على الأسلوب الأمريكي هو هوسها للهيمنة على العالم.
وفي نهاية المطاف، تحتاج الدول في جميع أنحاء العالم إلى بناء ثقتها الثقافية الذاتية وتعزيز التفاعلات الثقافية الدولية من أجل هزيمة مؤامرة واشنطن للهيمنة الثقافية وترك روح الاحترام المتبادل والتعلم المتبادل تسود.

* وكالة «شينخوا» الصينية