بين بيوغرافية «اليدومي» وأوتوبيوغرافية «إخوان اليمن» توازي سيرورة تنقص من اكتمالها تفاصيل سوداء تختبئ بين شقوق الأقبية الضيقة، وتقاطع صيرورة تنغص اعتمالها عناوين صفراء تتخفى خلف بروق البروبغاندا العريضة. وبين سيرة «العزي» -كما يسميه إخوانجيي الكُتّاب- ومسيرة حزب «الإصلاح» -كما يسمي تنظيم الخونج قانونُ الأحزاب- خيط مكاني متعرج داخل تضاريس خريطة التآمرات، وخط زماني متدرج بين دهاليز خارطة المؤامرات. اليدومي، الذي يشغل رسمياً منصب رئيس الهيئة العليا للإصلاح منذ بداية العام 2008، كان يشغل في حقيقة الأمر ذلك الموقع فعلياً منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وإن بتسمية أخرى سرية تنظيمية إنما غير حزبية معلنة. وكان وظل في الوقت ذاته يحظى بكل صلاحيات «المرشد العام» لإخوان اليمن منذ عقود، برغم كل الحديث المتواتر إخوانجياً عن أن ياسين عبدالعزيز هو من كان وما يزال المرشد.
40 عاما واليدومي يدير دوائر التنظيم ويدور مع دوران نظام الوصاية كعميلٍ من داخل انتظام التبعية، ويستدير -حين يُؤمر- كتابعٍ من خارج منظومة العمالة. إنه ابن الوصاية وكبير خدامها المُطّوعين، وهو ولد النظام وبِكرُ عبيده المطيعين.
لم يكن اليدومي -كما يرّوج عنه- مجرد جندي في أقبية الاستجواب المتوحش، أو مجرد ضابط لا غير في غرف التعذيب الوحشي، أو مسؤول أمني عن الإخفاء القسري فقط، بل هو قبل ذلك وبعده عضو وظيفي عامل غير خامل في نظام الوصاية، وترس صلب وبدون قلب في قلب ماكينة طحن جسد مشروع يمني وطني لم يُقَم، وضرس كلب في آلة عجن بقايا عظام دولة لم تقم، وعِرس حرب في فرن خبز سلافات أحلام وطن لم يستقم. لقد كان واستمر وما يزال ناباً مصفراً ونابياً يغرسه فك الوصاية في ظهر اليمن النازف دماً وألماً وحلماً وسلاماً.
من مُرافقٍ لمحمد خميس وصاحبٍ لغالب القمش وصالح سميع في جهاز الأمن السياسي أواخر السبعينيات، إلى صاحب امتياز صحيفة «صحوة» خونج اليمن منتصف الثمانينيات. نُقِل اليدومي وانتقل من أداء المهام القذرة في مطاردة الأحلام إلى تنفيذ الأعمال الوسخة في مصادرة الأقلام، ومن مخبرٍ جهري للاستخبارات السعودية إلى متخابرٍ علني مع المخابرات الأمريكية، ومن سوطٍ بيد الجارة الأُمية إلى صوتٍ في فم السفارة الأممية، ومن مقعدٍ خلفي في نظام الوصاية المحلي قفز اليدومي إلى كرسيٍ متقدم في تنظيم العمالة الدولي.
من تحت قبع الشيخ «الأحمر» أخرج اليدومي رأسه الشمولية -بعد وحدة العام 1990- من رئاسة التحرير وألبسها عمامة الإرشاد والتنظير، وأدخل يده اليمنى جيب جنوب النظام بعد حرب 1994، وأقسم بيده اليسرى بحياة رأس النظام في انتخابات رئاسة 1999 ليعود ويسحب نصفها السفلي في انتخابات رئاسة 2006، ثم نصفها الأسفل في ثورة العام 2011.
قبيل التوقيع على «اتفاقية جدة» 2000 التي بموجبها باع نظام الوصاية ثلث الأراضي اليمنية لتاجر البندقية السعودي، قدم اليدومي دراسة جيوسياسية تاريخية معززة بالوثائق والخرائط والمراسلات والاتفاقيات -أعدها وأعطاها له القيادي البارز في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يوسف ندى- للشيخ عبدالله الأحمر ليسلمها بدوره لرأس النظام حينها علي عبدالله صالح، لدفعه أكثر باتجاه توقيع الاتفاقية. اعتبر عفاش تلك الدراسة بمثابة هدية، فيما عدّها اليدومي قربان ولاء شخصي متجدد، بينما رأى فيها التنظيم الدولي مبادرة حسن نية باتجاه الرياض ومبايعة إخوانية جديدة لبني سعود بعد عشر سنوات من العقاب السعودي للتنظيم جراء موقفه في تأييد الغزو العراقي للكويت.
بالمناسبة، بعد تسمية الرياض حركة الإخوان حركة إرهابية، خرج اليدومي، في 13 مارس 2016، ببيان رسمي يتبرأ فيه من تنظيم الإخوان وينفي أي علاقة لحزب الإصلاح بالتنظيم، حالفاً أغلظ الأيمان للسعوديين بأنه وباقي الإصلاحيين لا ولم ولن يكونوا يوماً ما إخوانجيون أبداً.
كان لليدومي دور أساسي في إفشال ثورة 2011، في سياق تنفيذ خطة احتواء الثوار وحبكة الالتواء على الثورة، وبما أسفر عنه استعادة توزيع كراسي سلطة الوصاية الموسيقية بين مكونات نظام العمالة من جديد، واستبعاد شباب الثورة وأهدافها من المشهد السياسي برمته، وبما أعاد اليمن إلى حالة الارتهان مجدداً، وهي الحالة التي تفاقمت ظواهرها اللاوطنية أكثر من ذي قبل وأحالت البلد إلى مستعمرة يحكمها حكام البند السابع ويتقاسمها سفراء الدول العشر ويُراد تقسيمها إلى كانتونات ما قبل الوطنية.
في المقابل، دفعت حالة الوصاية المتجددة تلك اليمنيين إلى معاودة البحث عن وسيلة للخروج من تحت تلك العباءة السوداء، لينجحوا في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014 ليس فقط في الخروج، بل وفي تمزيق عباءة الوصاية والتبعية والعمالة المظلمة وللأبد.
بعد ستة أشهرٍ من فشل مراوغات اليدومي وباقي رموز نظام الوصاية للالتفاف على الثورة أُعلن العدوان الكوني على اليمن. وكان اليدومي أول من أصدر بيان تأييد ودعم ومباركة للعدوان. وكان أيضاً أشهر من بكى وتباكى جهاراً نهاراً متوسلاً أرباب نعمته مواصلة الحرب واستمرار الحصار، لينتهي به الحال اليوم منتهي الصلاحية، وأن يكون أخيراً أمثولة هوانٍ وأنموذج مهانة!