عادل شلي / لا ميديا -
يعتبر حصن عفار بمديرية كحلان عفار محافظة حجة من أجمل وأعظم الحصون بالمحافظة إن لم يكن على مستوى اليمن. وقد تفرد على كل الحصون فإذا قلت إنه لا ند له ولا شبيه فلا أغالي. فهو مكون من عدد من الحصون انتظمت على جيد جبل العرقة أو ما كان يطلق عليه اسم «ميتك» قديماً و»عفار» منذ القرون المتأخرة إلى الآن.
**
يمتد جبل عفار من الجنوب إلى الشمال، ويصعد إليه من مغربة عفار من أعلى طريق قطابة ومن خلف جدار المدرسة المبنية في مغربة عفار.
وأول ما يقابلك أثناء الصعود هو ما تبقى من أحجار سور الحصن وأحجار ضخمة رصت بشكل دائري هي ما تبقى من أساسات نوب الحراسة المتوزعة في أماكن تم اختيارها بعناية على طول جدار الحصن الأمامي الذي يحيط به من جهة الجنوب والغرب وتتجه شمالا.
وتصعد للحصن من درجات معلقة على سور الحصن الثاني فتصعد عبرها إلى الأعلى لتجد نفسك على حامية جامع الحصن، والذي شيدت أساساته بأحجار مصقولة بعناية فائقة رغم كبر حجمها. وإلى الجنوب منها بركة كبيرة في غاية الجمال والروعة.
فتصعد إلى باب الجامع الكبير الذي تنتصب دعاماته المصقولة في أربعة صفوف، وفي كل صف أربع دعامات ليكون مجموعها 16 دعامة تسند العقود الحجرية التي تحمل خشب سقف الجامع.
وتحيط بقبلته آيات قرآنية، وله باب جنوبي وسدت بقية أبوابه ونوافذه بالأحجار ويرتفع سقفه بحوالي أربعة أمتار.
أما البركة التي تقع إلى الجنوب من الجامع فهي آية في الحسن والجمال حيث يزيد حجم مدماك البناء الخارجي للبركة عن مترين وينزل إليها عبر مدرج يهبط باتجاه الجنوب بجواره مطاهير مستورة، ولا توجد لها فتحات باتجاه البركة ومساحة البركة حوالي 12 مترا في 16 مترا وارتفاعها حوالي 5 أمتار.
ويشكل جدارها الخارجي وجدار حامية الجامع السور الداخلي للحصن، وإلى الشرق من البركة والجامع تتوزع البيوت التي مازال بعضها قائما ويسكنها عدد من أهالي المنطقة والكثير من المباني المهدمة التي لم يتبق منها إلا أساساتها ويستخدمها الأهالي كمكب لمخلفات أبقارهم ومواشيهم.
وبجوار الجامع للأعلى بقايا قضاض يدل على أنه كان هناك سقايا وبرك صغيرة. ويقع إلى الأعلى من الجامع الكبير جامعان صغيران، أحدهما مساحته حوالي 7×4 أمتار، والآخر أصغر منه يقع إلى جواره من جهة الغرب، وعلى بابه الجنوبي تم بناء جدار سميك، ولولا أن قبلته بارزة للخارج لما فطن العابر لوجوده.
وأما الجامع المفتوح وتقع قبلته إلى جوار قبلة الجامع المغلق فتزين سقفه أخشاب منجورة بعناية فائقة ويوجد بأعلاه لوح مكتوب عليه تاريخ الانتهاء من بنائه “يوم الأحد شهر (...) لسنة إحدى عشر لتسع مائة من هجرة النبي صلوات الله عليه وآله”. وفي لوح آخر البسملة وآية “لمسجد أسس على التقوى...”، بينما اللوح الثالث لم نتمكن من قراءته.
**
صعدنا للأعلى باتجاه الشمال حيث قابلنا جبل عال في أعلاه أسوار الحصن الثاني والذي اتجهنا شمالا من أسفل المنحدر عبر طريق غير معبدة تقع أسفل المنحدر الصخري الذي يقع عليه جدار سور مدخل الحصن، وصعدنا للأعلى لنجد أمامنا صخرتين تسدان الطريق خلفهما انهيار صخري من الجبل الذي شيد بأعلاه جدار السور الحامي للحصن الثاني.
وتمكنا من المرور من تحت الصخرتين ونحن منحنون لنجد أمامنا طريقا مرصوفة بأحجار مصقولة لنصعد منها ونعبر جدار سور الحصن الذي شيدت أساساته بأحجار كبيرة ومازالت أحجار أساسات نوبه الكبيرة والدائرية شاهدة على عظمة من شيدوها.
ووجدنا أمامنا تحت المنحدر الصخري جدارا فيه فتحات يشبه الحود، فأخبرنا أحد الأهالي أنه كان سجناً.
ووجدنا أمامنا طريقا تؤدي إلى الجهة الشمالية من الجبل حيث أسوار ومباني الحصون الشمالية ودرج يصعد جنوبا رصت أحجاره بعناية فائقة، وفي أعلاه النوب الداخلية والخارجية لبوابة الحصن، فعبرنا منها جنوبا لنجد أنفسنا أمام ساحة صغيرة إلى الغرب منها أحجار وأساسات المباني الغربية المهدمة، وللشرق منها بركة جميلة لها ذات الشكل نصف الدائري ومدرج يهبط للأسفل من الجنوب الشرقي وحمامات مستورة بأعلاها عقود مقوسة تمت تغطية سقفها بالقضاض.
وبجوارها باتجاه الشرق جامع مساحته حوالي 6×6 أمتار، له باب غربي وجنوبه ساحة يطل من يقف بحافتها على مباني الحصن الأول الذي تحدثنا عن أبرز مكوناته ليتضح لنا من الأعلى كثرة مبانيه.
وإلى الشمال من البركة والمسجد جدار مرتفع شيد على صخور الجبل التي تتجه للأعلى ليفصل بين هذا الحصن والحصن الذي يقع في أعلى قمة الجبل، ويتم الصعود إليه عبر درج رصت أحجاره المصقولة بعناية فائقة تشي عن أهمية ومكانة سكان أعلى حصون “ميتك”.

تخريب وحفر عشوائي
وقبل أن نصعد إليه نعرج إلى الجامع الذي هالنا ما تعرض له من الهدم والتخريب والحفر العشوائي في أرضيته وجدرانه بشكل موجع.
صعدنا الدرج المتجهة شمالا نحو أعلى الحصون وأكثرها منعة والمسمى “تاج العروس”، وكنا كلما ارتفعنا للأعلى وجدنا زيادة بديعة وفنا لا يضاهى في صقل الأحجار، وأمام البوابة التي لم يتبق إلا أساساتها ومرادمها الصقيلة البديعة وجدنا أنفسنا في ساحة مفتوحة ارتصت أساسات الدور المخربة على جانبيها، ووسط كل دار كومة من الأحجار المنهارة، وإلى الجنوب من أساسات الدور الغربية بركة صغيرة امتدت معاول العبث والبحث عن الأوهام إلى جدرانها بالحفر والتشويه وحفر أرضية الغرفة الشمالية المحاذية للبركة، وإلقاء عدد كبير من أحجارها إلى البركة، ووجدنا حفرا وعبثا بأرضية الغرفة التي تقع إلى الشمال من البركة.
وفي الساحة يوجد العديد من فتحات مدافن الحبوب التي نالها من الحفر والعبث الكثير، وإلى الأمام باتجاه الشمال حيث تقع قمة الجبل التي شيدت فيها درة الحصون، وجدنا آثار القضاض الدال على وجود بركة دائرية. صعدنا للأعلى ووجدنا آثار التخريب، وأنها لم تسلم من أيدي العابثين.
وإلى الشمال منها هاوية تفصل قمة الجبل الذي شيد عليه حصن “تاج العروس” ومبانيه، وشاهدنا ما تبقى من آثار البناء الذي كان بأعلاه، فاستغربنا واندهشنا من الطريقة التي وصلت بها الأحجار إلى تلك القمة الشاهقة قبل أن نسأل عن العبقري الذي بناها.
وعلى الجانب الغربي من قمة الجبل شيدت برك مستطيلة غاية في الجمال والروعة بشكل مستطيل لتوفر لمن في حصن “تاج العروس” ما يحتاجون إليه من المياه.
وتساءلت عن آثار القضاض والبركة ومصدر المياه التي تغذيها، وكانت الإجابة بأنها ربما كانت تأتيها المياه من سطوح الدور التي كانت مشيدة على جانبي الساحة وشمالها وتغذي بقية البرك، وقد وجدت في الكمية الهائلة من الأحجار المنهارة ما يعزز ذلك.
**
نزلنا من قمة حصن “تاج العروس” لنتجه للحصون الشمالية، وقابلنا ما تبقى من الأحجار الضخمة والسور والنوب لندخل من المكان الذي يشي بأنه كان بوابة في ما مضى لنجد أنفسنا أمام ساحة جنوبية واسعة وجامع كبير تقع للشمال منه بركة للماء، وإلى الغرب منه بركة واسعة شبه دائرية لها مدرج بديع وحمامات مستورة ولها جدار عدني يتجاوز سمك مدماكه حوالي 5 أمتار.
وتعتبر من أجمل وأكبر البرك التي شاهدناها في الحصون، وأمامها من جهة الشمال الغربي بناء مخفي يظهر منه عقد بديع لا ندري أين بوابته وما استخداماته، والمساحة بين البرك والجامع مليئة بالقبور من مختلف العصور والديانات.
ووجدنا معاول الهدم والعبث قد امتدت بشكل كبير إلى أرضية وجدران الجامع، وأبرز ما يميز الجامع هو كبر حجمه ووجود بناء مرتفع بوسط سقفه بشكل مربع مما يوحي بأنه كان في أعلاه قبة تقادم عليها الدهر فبليت وتهدمت وعجز من خلفهم عن إعادتها إلى ما كانت عليه.
ويشير الهيكل الضخم للجامع والقبة التي تعلوه إلى أنها بنيت في عهد الأتراك أو أنها آخر ما تبقى من الآثار الحميرية القديمة، ويعزز ذلك أن قبلة الجامع تمت إضافتها من الخارج إلى القبور الموجودة بجوار الجامع وبعضها يعود لديانات قديمة.
ونمط البناء في الجامع الكبير في الجهة الشمالية يشبه إلى حد كبير نمط البناء التركي هو وبقية الجوامع في الجهة الجنوبية.
وبقاء هذه المباني بهيئتها وعدم هدمها يعزز فرضية أن آخر سلسلة الهدم والتخريب الذي تعرضت له حصون عفار كان على يد الأتراك الذين تركوا مبانيهم المتمثلة في المساجد لثقتهم بأن اليمنيين يحترمون دور العبادة ولن يتعرضوا لها بسوء.
وفي أعلى التبة الشمالية توجد مباني الحصن الذي يطل على الساحة من جهة الشمال، والذي وجدنا فيه أساسات للعديد من المباني التي كانت تستخدم للسكن وخزن الحبوب، وحجم أحد المرادم التي تعلو أبواب البيوت تجاوز عرضه المتر وطوله حوالي 180 سم، مما يظهر قوة المباني وعظمتها، كما وجدنا بناء مرتفعا من الأرض وكله مغطى بالقضاض ويوجد في سقفه العديد من الفتحات التي تشبه فتحات مدافن الحبوب، وفي أسفلها العقود التي تحمل السقف وربما يكون مخصصا لمياه الشرب، والتي كانت تصب إليه من سطوح المباني الضخمة بجنوب الحصن، وربما يكون شونة بداخلها مدافن ظاهرة لخزن الحبوب.
وللحصن سور قوي يحيط به من كل الجهات وفي أطرافه الشرقية والغربية نوبتان مازالت أحجار النوبة الغربية ظاهرة، وله مدرج من أقصى الشرق يهبط باتجاه الغرب إلى ساحة السد الواسعة، والتي مازالت آثار المباني بجهتها الشرقية ومساحة السد حوالي 70×20 مترا، وينحدر من الشرق للغرب بانحدار الساحة، ومقسم إلى ثلاثة أقسام، وقد أخبرني أحد الأهالي أنه كان مقسوما إلى قسمين، والقسم الثالث تم استحداثه وتصب المياه إليه من جهة الساحة، ويقع مصب دخول المياه من وسط السد، ومخرجه إذا فاضت المياه في أقصى الشمال الشرقي.
وهناك بناء في أقصى شرق السد، أخبرنا أحد الأهالي أنه كان عبارة عن نوبة حراسة للسد، ويوجد في طرف السد من جهة الجنوب مبنى صغير أخبرنا أحد الأهالي أنه كان خزانا مخصصا لمياه الشرب. ويفترض أن تكون بوابة السد بينه وبين النوبة.
وجنوب غرب السد يقع مبنى الجامع وإلى الشرق منه باتجاه الشمال تقع عدد من فتحات التهوية التي تشبه فتحات مخازن الحبوب، والتي ربما كانت تستخدم لتصريف المياه الفائضة من السد، بينما أخبرنا أحد أبناء المنطقة أنها كانت تستخدم كسراديب تمتد من الحصن الذي يقع بالقمة الجنوبية وتتجه نزولا إلى خارج الحصن من جهة الشمال، وإن تلك الفتحات لتهوية الأنفاق والسراديب.
ويصل ارتفاع شبكة الأنفاق والسراديب إلى طول قامة، حسب وصف أحد الأهالي.
ويقع إلى الشمال من السد آثار العديد من المباني، ويقع جدار سور الحصن الشمالي إلى الغرب من السد.
**
ومما سبق يتضح لنا الآتي:
ـ أننا أمام حصن نادر وفريد وقل أن يكون له شبيه في الحصون.
فحصن “ميتك” أو “عفار” أو “العرقة” مكون من العديد من الحصون، وإذا سقط أي من حصونه انتقل سكانه إلى حصن آخر، مما يبرز أهميته وصعوبة سقوطه.
كما أن سقوط أي حصن منه لن يؤثر على سكانه وسهولة انتقالهم إلى الحصن الذي يليه والتصدي للغزاة وطردهم من الحصن الذي قاموا بإسقاطه من خلال شبكة السراديب والأنفاق التي يمكنهم التسلل عبرها ومفاجأة الغزاة من حيث لا يعلمون، الأمر الذي جعل من مهمة سقوطه والسيطرة عليه من أي قوة دخيلة شبه مستحيلة.
ـ وبسبب منعة الحصن وتحصينه استعصى إسقاطه على أي غاز مهما كانت قوته وأي جزء منه يسقط تكون تكلفة إسقاطه صعبة جدا والضحايا والخسائر باهظة.
إضافة إلى استحالة السيطرة عليه لفترة طويلة، وذلك لسهولة استعادته من قبل أصحابه مما يجعل حجم الخسائر التي مني بها الغزاة لإسقاطه تذهب سدى. الأمر الذي جعل من مهمة إسقاطه والسيطرة عليه شبه مستحيلة والتفكير فيها ضربا من الجنون.
وأمام هذا التحدي الصعب لم يعد لدى الطامعين في بسط نفوذهم على المنطقة سوى إسقاط أي حصن من حصونه وخرابه وتدميره، وذلك لاستحالة السيطرة عليه.
ولهذا لم يتعرض للخراب والدمار حصن من حصون اليمن كما تعرضت له حصون هذا الحصن المنيع، الأمر الذي يوضح لنا سبب وجود الأحجار الضخمة الباقية في أساسات المباني وصغر حجمها كلما ارتفع البناء، وذلك أن عملية الهدم تصل إلى حد أساسات المباني.
وعندما كان يشعر من قاموا بخرابه بأهميته الاستراتيجية فإنهم يشرعون في إعادة بنائه ليستفيدوا من مزاياه لترسيخ سلطاتهم فيقومون بإعادة البناء بشكل أفضل مما كان عليه من السابق، لأن أي تقصير في إعادته كما كان عليه في السابق وأفضل، سيعكس عنهم وعن قوتهم صورة سلبية، وهذا يوضح لنا سبب الإبداع والعناية الفائقة بتقليم أحجاره.
تعاقبت على الحصن وأجزائه الكثير من الخبرات والدول والتجارب حتى صار بهذا النمط النادر والمزايا الفريدة.
بقاء المساجد ودور العبادة واحترامها يمثل عرفا يمنيا أصيلا يحترمه اليمنيون في كل صراعاتهم وهذا سر بقاء المساجد في كل أجزاء الحصن وعدم هدمها كبقية المباني.
مازالت الآثار الحميرية في أجزاء من الحصن مثل أساسات الأسوار وجدار السد والجدران الخارجية للبرك المستطيلة بغرب حصن “تاج العروس”.
النمط المعماري الفريد لبرك المياه بالحصن يمثل ظاهرة فريدة تستوجب دراستها من قبل المختصين.
العدد الكبير للبرك وخزانات المياه والسد يستوجب من السلطة المحلية إصلاحها وترميمها واستثمار قيمة المياه في إصلاح مباني الحصن والحفاظ عليه وتكليف أكثر من حارس للحصن وضبط معاول الهدم والتخريب.