اليمن بالحبر الغربي -
سلط موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الضوء على حصاد العلاقات الأمريكية السعودية لعام 2022، واصفاً إياه بأنه “غير ذكي” ويعبر عن مصالح أحادية الجانب.
وأضاف أن الخبراء يرون أن العلاقات، التي استندت على مدى العقود السبعة الماضية إلى تبادل النفط مقابل الأمن، كانت فريدة من نوعها هذا العام، وأحادية الجانب إلى حدٍّ كبير؛ حيث حصلت السعودية على تنازلات كبيرة من الولايات المتحدة.
ومنذ أن تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، كانت هناك عدة نقاط أثرت سلباً في العلاقة، بالإضافة إلى مؤشرات متزايدة بشأن تأكيد السعودية على مصالحها الخاصة خارج إطار الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وإزاء ذلك، اتخذت الإدارة الأمريكية خطوات عديدة لإرضاء السعودية، بينما رفضت المملكة الطلبات الأمريكية زيادة إنتاج النفط.
وفي السياق، قال الباحث السياسي والناشط الحقوقي السعودي عبد الله العودة، نجل الداعية الإسلامي المعتقل سلمان العودة: “ما يشعر به ابن سلمان حتى الآن هو أنه يتمتع بحصانة قانونية، ولديه حصانة سياسية، وله حماية عسكرية من الولايات المتحدة. كل ذلك مقابل لا شيء، مجرد استخدام النفط كرافعة ضد الأمريكيين”.
لكن التمنع السعودي في العلاقات مع الولايات المتحدة شمل ملفات أخرى، بينها الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ لم تنضم إلى إدانة موسكو، بل حافظت على موقف حيادي.
وفي هذا الإطار، قال جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة دول الخليج للاستشارات والتحليلات: “كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية متوترة جداً طوال عام 2022. فموقف الرياض، المحايد نسبياً تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، أزعج واشنطن، التي كانت تود أن ترى المملكة تنحاز إلى الغرب ضد موسكو”.
وقالت إيلين لايبسون، مديرة برنامج الأمن الدولي بجامعة “جورج ميسون”، إن العلاقات الأمريكية مع دول الخليج تمر “بلحظة من الاحتكاك الحاد”، مضيفة: “وذلك مستمد إلى حدٍّ كبير من المطالبة المكثفة من الدول الغربية بأن يشارك الجميع في عزل روسيا، وفي بعض دول الخليج لم يتم ذلك بشكل جيد”.
وإزاء ذلك لم تقابل السياسة السعودية سوى بتنازل أمريكي؛ ففي تموز/ يوليو الماضي زار الرئيس جو بايدن السعودية في رحلة قال نشطاء حقوقيون سعوديون إنها “خيانة لوعود الرئيس الأمريكي في حملته الانتخابية”.
وظلت صورة بايدن وهو يصافح ابن سلمان محفورة في الأذهان في ظل محاولة الإدارة الأمريكية إصلاح العلاقات مع الرياض ومنع المملكة من الانجراف أكثر نحو روسيا والصين، حسبما يرى كافييرو.

وأدت زيارة بايدن إلى توقيع اتفاقية بشأن شبكات اتصالات الجيلين الخامس والسادس في السعودية، ووافقت الرياض على فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية المدنية “الإسرائيلية”، مقابل السيطرة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر. كما تم تمديد الهدنة في اليمن لمدة شهرين آخرين، حتى انتهت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ومع ذلك، غادر بايدن جدة دون اتفاق بشأن تعزيز إنتاج النفط أو تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، رغم كونهما هدفين رئيسين للزيارة.
وبعد فترة وجيزة من انتهاء الزيارة، حكم القضاء السعودي على مواطن أمريكي بالسجن 16 عاماً، إضافة إلى أحكام بالسجن لمدة عقود على عدة نشطاء سعوديين في المملكة.
ولذا يرى كافييرو أن “زيارة بايدن إلى جدة ساهمت كثيراً في إعادة تأهيل ولي العهد بعد خاشقجي في نظر القوى الغربية”.
لكن التمنع السعودي لم ينتهِ عند هذا الحد؛ فقد تصاعدت التوترات إلى درجة أعلى بحلول تشرين الأول/ أكتوبر، عندما قررت المملكة و”أوبك +”، التي تقودها روسيا، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً.
قوبل قرار “أوبك +” بالغضب في واشنطن؛ حيث يبحث المسؤولون والمشرعون الأمريكيون السبل التي يمكن بواسطتها لواشنطن تفكيك هذا التكتل النفطي أو استخدام النفوذ الأمريكي ضد السعودية لتحييدها عن هذه الخطوة.
وقدمت مجموعة من المشرعين تشريعات لوقف كل الدعم العسكري للسعودية، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي السياق، قال عضو الكونجرس، رو خانا: “نحتاج إلى أن نكون صارمين، وأن نوقف على الفور جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية. دعونا نستخدم نفوذنا”.
ومع ذلك، لم يؤدِّ الغضب الأمريكي إلى اتخاذ أي إجراءات ملموسة. ومع انخفاض أسعار الغاز في الولايات المتحدة بشكل كبير، قال المسؤولون إن الغضب الأمريكي الأول بشأن قرار “أوبك +” قد هدأ.
وطوال الوقت، تمتعت السعودية بزيادة كبيرة في الإيرادات من مبيعات النفط هذا العام. والبلد الخليجي في طريقه لمضاهاة رقمه القياسي لعام 2012 فيما يتعلق بتلك الإيرادات، والتي بلغت 337 مليار دولار، وفقاً لوكالة “بلومبرج”.
وبينما استمرت العلاقة بالتوتر، استمرت إدارة بايدن في اتخاذ خطوات ساعدت في تمكين ابن سلمان، بما في ذلك خطوة تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عندما قدمت الإدارة الأمريكية وثيقة قضائية تفيد بأن ولي العهد السعودي يتمتع بحصانة دبلوماسية من الدعوى المرفوعة ضده بشأن مقتل خاشقجي.
وعندما حاول السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز طرح تصويت على قرار صلاحيات حرب اليمن، الذي كان من شأنه أن ينهي تماماً الدعم الأمريكي لجهود الحرب التي يبذلها التحالف الذي تقوده السعودية، تدخّل البيت الأبيض في اللحظة الأخيرة لإقناع المشرّعين بعدم التصويت لمشروع القانون، وفي النهاية سحب ساندرز المقترح.
وبينما أثارت تدخلات إدارة بايدن غضب نشطاء حقوق الإنسان، الذين حاولوا استخدام أي وسيلة ممكنة لمحاسبة المملكة على انتهاكات حقوق الإنسان، يقول الخبراء السياسيون إن جميع التنازلات الممنوحة للرياض تمت دون أي فائدة ملموسة للولايات المتحدة.
ويرجح كافييرو أن تستمر العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية في العام المقبل قوية، رغم التوترات بينهما طوال العام الماضي، مشيراً إلى أن البلدين يمكنهما الاستمرار في التركيز على المصالح المشتركة، مثل مواجهة خصمهما المشترك: إيران.
وأضاف: “إذا أصبحت السياسة الخارجية لإيران عدوانية بشكل متزايد في المنطقة في عام 2023، فإن الأمر يستحق النظر في كيفية تعميق الولايات المتحدة والسعودية التنسيق الثنائي في مواجهة تهديد إيراني متزايد الخطورة”.
وبينما يتوقع كافييرو أن تظل العلاقة السعودية الأمريكية قوية في عام 2023، فإنه لا يزال يتوقع “أن تظل العلاقة بين إدارة بايدن والمملكة غير ودية تماماً”.
فيما يرى “العودة” أن استمرار تفكير الإدارة الأمريكية بشأن العلاقة مع السعودية يعني استمرار الواقع الحالي، وقال: “إذا كان لديك المهندسين أنفسهم الذين صمموا هذه العلاقة المختلة فستستمر على هذا النحو”، واصفاً النهج الأمريكي الحالي بأنه “قصير النظر”.

“ميدل إيست آي”