استطلاع وتصوير: مارش الحسام / لا ميديا -
يحتضن ميدان التحرير بصنعاء كل يوم خميس على مدى العام ومنذ ما يقارب أربعة أعوام، سوقا لأصناف مختلفة من السلع والمنتجات المحلية أو المصنعة بأيد يمنية خالصة، لأسر منتجة تحدت العدوان والحصار الاقتصادي وتغلبت عليه بوسائل جديدة.
في الوقت الذي يستعد فيه سوق الخميس لاستبقال السنة الرابعة لعيد ميلاده، صحيفة “لا” استبقت هذه المناسبة من خلال جولة استطلاعية لرصد تجربة الأسر المنتجة منذ ما يقارب 4 أعوام، وهل استوعب السوق طموح مشاريعهم أم أنه ليس إلا مجرد إلهاء أسبوعي.

رسالة صمود
كإحدى وسائل الصمود والتحدي بوجه العدوان وبمبادرة من مؤسسة بنيان التنموية تم في العام 2019 افتتاح السوق لاحتضان الأسر المنتجة عبر منفذ بيعي هام يقام كل خميس، ويعول عليه تخفيز إنتاج الأسر وتحويل مخرجات المزارعين إلى مواد مصنعة عبر الأسر المنتجة بهدف تحسين سبل العيش لهذه الأسر، وصولا إلى إحداث اكتفاء ذاتي من المنتجات المحلية، في رسالة بأن الشعب اليمني قادر على أن يصنع تنمية ذاتية محلية.

صمود من نوع آخر
كان يراهن على السوق أن يكون محطة للانطلاق بالأسر المنتجة إلى طور الأسر الاستثمارية، وذلك باعتباره رسالة صمود وتحد للعدوان.
وخلال هذه الجولة الاستطلاعية وجدنا صمودا من نوع آخر؛ إذ إن الأسر المنتجة مازالت صامدة في السوق منذ افتتاحه، حتى إن مشاريعها الصغيرة صامدة دون أن تكبر، وكان الصمود هنا يعني الاستمرارية في مزاولة نشاطها وممارسة روتينها الأسبوعي في السوق، بينما الصمود الحقيقي هو الارتقاء بنشاطها وتحدي الصعوبات ومساعدة الأسر التي قهرت القهر في الوقوف على رجليها وتمكينها من دخول عالم المال والأعمال وتوسيع مشاريعها وأنشطتها التجارية.

نافذة أمل
رغم محدودية النشاط التجاري فيه واقتصار التسوق فيه على يوم في الأسبوع، إلا أنه مازال يمثل نافذة أمل لطموح لم يتحقق بعد، ومقصدا لكثير من الأسر المنتجة التى باتت تترقب يوم الخميس ليس لتحقيق أحلامها وإنما لتحقيق مقاصدها النسبية في تسويق منتجاتها في سوق الخميس الأسبوعي باعتباره أهم الفرص التسويقية التى تمكنها من عرض وبيع منتجاتها لسد ضروريات الحاجة دون تمكين مشاريعها من اجتياز سد الضروريات.

لوحة فنية
يشكل سوق الخميس بتنوع منتجاته لوحة فنية تجمع بين عراقة الماضي وروح الحاضر، باعتباره تجمعا حيويا لعرض منتجات وصناعات محلية متعددة، وما تجود به الأرض اليمنية من منتجات ذات جودة عالية ونكهات خاصة، ومشغولات يدوية تبرز أصالتها وجودتها ومنتجات حرفية صممت باحترافية عالية.
ويحتوي السوق على عدة أقسام تشمل المطرزات والاكسسوار والحلويات والمعجنات والمنظفات والبخور والعطور، وأنواعا من العسل والسمن البلدي ومنتجات زراعية وأخرى مصنعة من المواد الخام المحلية، ومنتجات حرفية، إضافة إلى قسم خاص بمنتجات نزيلات الإصلاحية المركزية بأمانة العاصمة (السجن المركزي).

فرصة لا تفي بالغرض
إحدى بائعات الحلويات والمعجنات تقول إن السوق فرصتها الوحيدة لبيع منتجاتها التى تقوم بتحضيرها كل يوم أربعاء لعرضها في السوق الذي لا يلبي كل طموحها باعتباره أسبوعيا.
ولفتت إلى أنها تطمح إلى زيادة إنتاجها وتوسيع تجارتها، مطالبة الجهات المعنية بتحويله إلى سوق يومي يتيح لها ولغيرها مضاعفة إنتاجهن وبيعها بشكل يومي.
وأضافت أنها تمكث في البيت بانتظار سوق الخميس بفارغ الصبر لتسويق منتجاتها للحصول بشكل أسبوعي على هامش ربح، أحيانا لا يغطي تكلفة المواصلات، وحسب وصفها «أسبوع لك وأسبوع عليك».
وتابعت: «مشروعي من الصعب أن ينهض إلى المستوى المطلوب والذي أطمح إليه، ولك أن تتخيل مطعما أو محل حلويات أو كافتيريا تفتح أبوابها يوما واحدا بالأسبوع، وباقي الأيام مغلق، ما هي النتيجة التي سيصل إليها هذا المطعم أو الكافتيريا، أعتقد الإجابة معروفة. وهذه هي المشكلة التي أواجهها، المشكلة الثانية أن الحلويات والأطعمة التي أبيعها فترة صلاحيتها قصيرة لا تصمد لأسبوع، بمعنى إذا لم أتمكن من بيعها يوم الخميس فإن مصيرها التلف، لذا أقوم بتوزيع الكميات المتبقية على المحتاجين أو الجيران، ليس لدي فرصة لبيعها في اليوم التالي، وبانعدام هذه الفرصة صرت أقوم بتحضير عدد محدود من الأطباق المخصصة للبيع ليوم واحد فقط».
«ع.أ» إحدى المشاركات في السوق منذ افتتاحه، تعرض منتجات أو مستحضرات أغلبها تخص بنات جنسها، خيمتها مشبعة بخليط من الروارئح الزكية مصدرها أنواع مختلفة من البخور المتداخلة مع روائح العطور النسائية، وخلطات الطيب المخصصة لذات الجنس.
تقول إنها اكتسبت مهارة طباخة البخور وتحضير العطور وخلطات الطيب النسائية كالأخضرين ولبن العصفور وغيرها من المستحضرات، قبل أكثر من عشر سنوات. وحاولت مبكرا إطلاق مشروعها ودخول مرحلة الإنتاج والتسويق ولكنها توقفت بعد تجربة فاشلة سببها عائق التسويق الذي كان يثير حولها الشك والريبة والقيل والقال، حسب تعبيرها.
وتلفت الى أنها كانت تجد صعوبة بالغة في تسويق منتجاتها الخاصة بالنساء حتى على مستوى حارتها، فضلا عن تجرع الإهانات من الحارات المجاورة.
وتضيف: «منتجاتي خاصة بالنساء، إمكانياتي لا تسمح لي بتحمل تكاليف افتتاح محل تجاري، ولم يكن أمامي سوى أن أطرق أبواب المنازل لأعرض على ربات البيوت منتجاتي وكما يقول المثل اللي ما يعرفك ما يقدرك، تجرعت كثيرا من الإهانات، وكثير من البيوت كانت تغلق أبوابها في وجهي دون أن يتاح لي التعريف بمنتجاتي ويرفضن إدخالي، بل يتخوفن مني ومن زجاجات العطر التي أعرضها للبيع، وربما هن معذورات طالما وهناك شائعات وقصص كثيرة لا أعلم صحتها من عدمها حول الزوار الغرباء.. منها أن فتيات يطرقن أبواب البيوت، يدعين أنهن يبعن منتجات وعطورا ويستخدمن بخاخا مخدرا على شكل عطر لتخدير الضحية من أجل سرقة البيت».
وتتابع: «بعدها توقفت عن العمل ولم أكن أستطيع تحمل مزيد من الإهانات على أبواب البيوت التي كانت توصد بوجهي ونظرات الشك والريبة التي كانوا يرمقونني بها قبل إغلاق الأبواب بوجهي».

ليلة القدر
وتستطرد: «بعد ست سنوات من التوقف عن العمل، تم افتتاح سوق الخميس وكان بالنسبة لي أشبه بليلة القدر، وعاودت نشاطي من خلال هذا الملاذ الوحيد الذي يتيح لي كل يوم خميس تسويق منتجاتي والترويج لها من خلال عرض العينات على الزبائن لتجربة المنتج والتأكد من جودته ورائحته، كثيرون لا يفضلون شراء منتج يجهلونه، وإنما الشراء بعد تجربة المنتج والذي سبق أن نال إعجابهم».

رد الاعتبار
وعن تجربتها في السوق على مدى أربع سنوات، تقول: «السوق حقق لي الكثير، يلبي احتياجاتي الضرورية، ولكنه لم يحقق طموحي، ولم ينهض مشروعي إلى المستوى الذي أطمح إليه، ولكن يكفي أنه رد لي الاعتبار، من كانوا بالأمس يغلقون أبوابهم بوجهي، صاروا يأتون إلي وأعرض عليهم منتجاتي وأنا مرفوعة الرأس».

شمعة
في إحدى زوايا سوق الخميس يقف عمر الأكوع وسط خيمة صغيرة، يعرض فيها بضاعته المتواضعة في الكم والنوع والتى قام بتخضيرها من مواد طبيعية لمن يهمهم أمر العناية بالبشرة والشعر ودرء مشاكلهما.
ما يعرضه عمر هي ثلاثة أصناف فقط، كمية لا باس بها من الصوابين الجلدية المختلفة الأنواع، وعدد محدود جدا من الشامبوهات ومثلها من الزيوت الطبيعية وبمعدل عبوتين للنوع الواحد.
بالرغم من أن منتجاته محدودة إلا أن الرجل اختار أن يعرضها بطريقة مميزة، فهي مرتبة بشكل متقن، بل اختار أيضاً أن يبيعها بطريقة مميزة، فالابتسامة لا تغيب عن وجهه وهو يقدم تشكيلته لزوار خيمته في سوق الخميس.
عمر خفيف الظل وبأسلوب راق يعرف بمنتجاته ويشرح خصائصها ومكوناتها، راسما البسمة على وجوه كل زائري خيمتة سواء بدافع فضول الاستطلاع وهم الأغلبية، أو من القلة القليلة التي تزوره بدافع الحاجة إلى شراء منتج يحقق غرضا في نفسها. وبثقة يعرض عمر منتجاته للزائرين حتى لا يترددوا في اقتناء صابون للعناية بالبشرة أو لإزالة التصبغات الجلدية بـ500 أو 600 ريال، أو لإقناع زبون بشراء زيت مستحضر من الطبيعة أو شامبو لمنع تساقط الشعر أو لإطالته، بـ1200 أو 1500ريال.
«خبرتي واسعة وإمكانياتي محدودة»، بهذه العبارة يبرر عمر محدودية منتجاته وقلتها والتى لا تتناسب مع خبرته الواسعة في هذا المجال. ويضيف: «لدي خبرة واسعة في تحضير الشامبوهات والصوابين والزيوت والمستحضرات التجميلية والصحية والتى تضاهي ما تستورده الأسواق اليمنية ولكن إمكانياتي لا تسمح ليس لدي رأسمال، بل إن بعض المنتجات بحاجة إلى معامل متطورة أو مصانع».
ويتابع: «إمكانياتي الحالية تتيح لي تحضير تشكلية مختلفة من الصوابين، صوابين بالحبة السوداء وصوابين باللوز، وأخرى أقوم بتحضيرها من خليط من المواد الطبيعية سواء منها ما هو لأغراض تجميلية وللنظافة الشخصية ومنها ما هو لأغراض صحية كعلاج للحساسية أو البهق وغيرها من مشاكل الجلد. لدي شامبو خاص بالأطفال صحي لا يؤذي العين ينافس ما هو موجود بالسوق. أيضاً أحضر زيوتا طبيعية وشامبوهات للعناية بالشعر ولحل مشاكله».
ويقول عمر: «أنا أحترم عملي، منتجاتي مجربة ولا أدعي لها ما ليس لها، أعطي ضمانة للزبون وبإمكانه رد البضاعة، واسترداد أمواله إذا لم يحصل على نتيجة».
وعن سبب ثقته المطلقة بمنتجه، يقول: «منتجاتي أقوم بتحضيرها بنفسي وبدقة من مواد طبيعية ثبت علميا وأثبتت التجارب فائدتها لهذا الشيء أو ذاك، لا أكتفي بذاك فحسب بل آخذ اعتبارات أخرى، ما إذا كان الجلد دهنيا أو جافا أو الشعر جعدا أو حريريا، فمثلا إذا طلب الشخص صابونا للحساسية فلا بد أن أفحص جلده ما إذا كان جافا أو دهنيا وأختار صابونة الحساسية بما يتناسب مع بشرته لتحقيق الفائدة العلاجية، وبالمثل بالنسبة للزيوت أو الشامبو المخصص لإطالة الشعر أو منع تساقطه، لهذا الغرض عملت مستحضرات للشعر الحريري وأخرى للجعد».
وعن تحربته في السوق، يقول: «شيء أفضل من لا شيء، وكما يقول المثل أن تشعل شمعة خير من أن تبقى في الظلام.. لا يوجد لدي بديل ولا حتى إمكانيات للترويج لمنتجاتي، التى بحاجة إلى دعم وحملة إعلامية وملصقات وترويج على الميديا».

نتائج مثمرة
أكد المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية، محمد المداني أن سوق الخميس حقق نتائج مثمرة، على مدى ما يقارب أربعة أعوام استطاع خلالها الوصول لكثير من الأذهان أن الأسر المنتجة قادرة على إنتاج منتجات متنوعة جديرة بثقة المستهلك.
ولفت إلى أن الهدف من إنشاء سوق الخميس لم يكن فقط بغرض تمكين الأسر من بيع منتجاتها، وإنما خلق قناعات مجتمعية بوجود منتجات يمنية متنوعة كبدائل أفضل تغني عن كثير من نظيراتها المستوردة، وذلك من خلال تشجيع الأسر المنتجة وتحفيز قدرتها الإنتاجية بإتاحة الفرصة أمامها لتسويق منتجاتها.

استراتيجية جديدة
وفي تصريح خاص لصحيفة «لا» كشف المداني عن استراتيجية تشغيلية تعتزم مؤسسة بنيان تنفيذها بالتعاون مع شركاء حكوميين والقطاع الخاص، وتشمل خططا تسويقية وأخرى مادية وبما يضمن للأسر المنتجة تسويق منتجاتها بشكل أوسع والارتقاء بها إلى معامل إنتاجية.

عمل مشترك
وأضاف: «سوق الخميس فكرة نمت وتطورت ونتمنى أن تستمر أكثر ليس عبر مؤسسة بنيان وحدها وإنما عبر شراكة حكومية ومجتمعية ومساهمة من القطاع الخاص، وهذا ما تقوم به بنيان التي حرصت على إشراك كثير من الجهات، من أجل دعم ومساعدة الأسر المنتجة على النهوض».
وعن تفاصيل استراتيجية التسويق المستقبلية وكذا الدعم المالي، يقول المداني: «في ما يخص التسويق، ستشهد المرحلة القادمة استحداث أسواق جديدة، وهناك تعاون مع أمانة العاصمة وقدمت عدد من الحدائق يتم دراستها وسيتم فتح الأسواق في تلك الأماكن ونتمنى من السلطات المحلية الإسراع في هذا الجانب، وهناك تعاون وتنسيق مع القطاع الخاص، وهناك اتفاق مبدئي في فتح نقاط بيع في عدد من المولات التجارية ومازال العمل جاريا ونبحث عن نقاط أخرى في بقية المولات، بحيث تستطيع الأسر المنتجة التواجد في أكثر من مكان، والانتشار الأكبر وضمان تسويق منتجاتها قرب متناول المستهليكين».

معامل إنتاجية
أما في مسألة دعم الأسر المنتجة ماديا، فيتحدث قائلا: «هناك دعم مادي للأسر المنتجة، يتمثل في قروض تقدمها أمانة العاصمة عبر الجمعيات وسيتم إقراض الأسر المنتجة الأموال لتطوير مشاريعها كمعامل من أجل أن تمتص ما تنتجه الأرياف من مواد خام وتحويلها إلى مواد صناعية تحويلية، وأيضاً من أجل سحب ما هو موجود في الأرياف وبيعه في السوق لخفض فاتورة الاستيراد أو أقل مما نحتاج».

الكرة في ملعب الأسر
الدعم المادي والقروض الميسرة غير الربوية للأسر المنتجة بادرة إيجابية، تفتح الباب لكثير من التساؤلات حول القروض، وهل يمكن أن تتحقق وفي حال تحققها هل تحقق القروض غرضها في الارتقاء بالأسر المنتجة إلى معامل إنتاجية، هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على المدير التفيذي لبنيان قبل إغلاق محضر استجوابه والذي بدوره ألقى الكرة في ملعب الأسر المنتجة، وقال: «الدور الآن بات على عاتق الأسر المنتجة لإكمال مشروعها والكرة الآن في ملعبها وعليها تحمل مسؤوليتها ومتابعة القروض من خلال جمعياتهم، ونحن في مؤسسة بنيان بجانب الجميع حتى نجاح هذا العمل أو المشروع الاستراتيجي».