تقرير: دنيا حسين فرحان / لا ميديا -
الأوضاع الاقتصادية هي المتحكم الأول في حياتنا، فلا يمكن للمواطنين العيش إذا لم تتوفر لهم أبسط مقومات العيش السوي: الغذاء والماء والمأوى، وهو ما يبحثون عنه في الأزقة والشوارع والأعمال الحكومية والخاصة... فكيف ستكون الأوضاع بخير إذا كان هناك خلل في اقتصاد البلاد وتلاعب كبير بسعر العملات وهبوط العملة المحلية، الذي يؤدي إلى زيادة الأسعار بين كل ساعة وأخرى.
الأحداث الأخيرة وتسارعها، خاصة على صعيد الاقتصاد، كانت ومازالت تهدد حياة المواطنين كل يوم، فكل شيء أصبح في غلاء فاحش، وأصبح أبسط ما يحلمون به لا يمكن تحقيقه، وقد يصل بهم الحال للاقتتال من أجل الحصول على لقمة العيش.
ومع الغلاء الفاحش، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في حياة المواطنين؟ هذا ما نحاول التعرض له في هذا التقرير.

أساس الأزمة
ما من حديث يدور بين المواطنين في عدن هذه الأيام إلا عن سعر العملات، وخاصة الدولار والريال السعودي، وكم قيمتهما بالريال اليمني. ونجد تهافتاً كبيراً على محلات الصرافة في مختلف مديريات محافظة عدن، لبيع أو شراء العملات. وهناك من يعتبر هذا مكسباً كبيراً له ويعود عليه بالفائدة، وهناك من يخسر كثيرا ويتحسر من سوء وضعه وحياته كلما ارتفع سعر العملات.
الغريب في الأمر أن سعر الدولار والريال السعودي يزداد بين كل ساعة وأخرى، في مقابل تدهور العملة المحلية، وبحسب أسعار الصرف هذه الأيام؛ فالدولار الواحد يعادل أكثر من 1350 ريالاً يمنياً، بينما الريال السعودي تجاوز سقف الـ350 ريالاً يمنياً، وهذا ما تسبب باستياء وقلق المواطنين، خصوصاً وأن رواتبهم لم تعد تكفي لشراء «الراشن» من المواد الغذائية، فقيمة الكيس الأرز تفوق 45 ألف ريال، فإذا كان راتبه أقل من ذلك فكيف سيتمكن من شراء بقية المستلزمات؟! وكيف سيستطيع شراء احتياجات أسرته وأطفاله؟! وكيف سيدفع إيجار منزله؟! وكيف سيكمل الشهر وقد انتهى راتبه في أوله؟!

غضب وانزعاج شعبي
بالتأكيد أصبح المواطن اليوم لا يفكر بشيء إلا لقمة العيش، خاصة وأن سقف طموحاته توقف هنا، بعد جملة المشاكل والأزمات التي تلاحقه من كل اتجاه، فتارة يشكو من سوء الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، وتارة أخرى يشكو من أزمات البترول والغاز وغيرها من الأشياء الكثيرة التي لا يعرف لها نهاية.
حاله اليوم أصبح أصعب، خاصة بعد ارتفاع أسعار كل شيء، بدءاً بالمواد الغذائية الأساسية والملابس وأغلب البضائع والأشياء التي يحتاجها، وفي كل مرة يزداد فيها سعر صرف العملات تهبط العملة المحلية وترتفع الأسعار التي يتجرعها المواطنون دون أي رحمة.
كل ذلك خلق موجة كبيرة من الغضب، خاصة في ظل غياب الرقابة وضبط الأسعار، فنلاحظ أن لكل محل أو مصرف سعراً مختلفاً، ولا توجد هناك ضوابط أو قوانين صارمة بحق المخالفين. وإن كان هناك محاولات لضبط الأسعار من قبل الجهات المعنية، فإنها تكون بشكل حملات مؤقتة ونزول ميداني يستمر لفترة فقط، ولا نجد بعدها متابعات أو إجراءات صارمة بحق المخالفين، وهذا ما يجعل التجار يغالون في الأسعار بشكل جنوني، مستغلين الفجوة الحاصلة والأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد.

رواتب حقيرة لا تسمن ولا تغني من جوع
عندما نسمع عن رواتب الموظفين في قطاعات الدولة، خاصة المهمة، كالتعليم والصحة وغيرهما، نجد أنها رواتب ضئيلة جداً مقارنة بالوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الموظفون اليوم في ظل غلاء الأسعار وارتفاعها يوماً بعد يوم، فاليوم أصبحت أسعار كل الأشياء مرتفعة جداً، لقمة العيش والمواد الغذائية وإيجارات المنازل، وحتى أبسط الأغراض أصبحت اليوم صعبة المنال على المواطنين، ولا يعرفون إليها سبيلا. ونجد أن هناك رواتب 30 ألف ريال فقط، فهل يعقل أن مبلغاً كهذا يسمى راتباً لتلبية احتياجات أسرة متوسطة أو حتى قليلة العدد؟! وكيف سيفي بالغرض إذا كان الشخص لديه أسرة وأولاد ومسؤوليات ويأتي موسم المدرسة ورمضان والأعياد ولا تتمكن كثير من الأسر من أن تجد حاجيات وأغراض المنزل ومتطلبات أبنائها؟! فمن المسؤول عن كل ذلك؟! ولماذا لم نشهد منذ أعوام طويلة زيادة في الرواتب بحيث يتمكن المواطنون من مجاراة الوضع الصعب وزيادة الأسعار التي تحيط بهم وتكاد تخنقهم يوما بعد يوم؟!

رحلة البحث عن منزل
مع كل ارتفاع في أسعار الصرف لا يكون هناك سوى ضحية واحدة، وهو المواطن، الذي أصبحت نبضات قلبه تقاس بالارتفاع والهبوط مع الأسعار التي لم تعرف الثبات منذ وقت طويل.
ومع الأسف اكتسح ارتفاع الأسعار كل شيء: المواد الغذائية والدواء، وحتى المنازل لم تسلم من هذا، فنجد اليوم أن كل المواطنين، خاصة من يبحثون عن منازل للإيجار لا يجدونها بسهولة، بل يبحثون أياما وأياما، وأحيانا شهوراً حتى يجدوا منزلا يؤوي الأسرة في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
لكن عندما يكون إيجار هذا المأوى بعملة غير العملة المحلية المتعارف عليها، وإنما بالريال السعودي والدولار، فإن هذا يعد نوعاً من الابتزاز والاستغلال التام للمواطن المسكين الذي لا حول له ولا قوة سوى القبول بهذا الوضع والبقاء في دوامة البحث عن المنزل إلى أجل غير مسمى.

موضة الدولار والسعودي
لكل وقت عادات غريبة تحصل فيه، وموضة هذا الوقت هو أن المنازل أصبحت تؤجر إما بالدولار أو الريال السعودي، وأصحابها لا يتنازلون عما حددوه من سعر، حتى لو كان المنزل صغيراً! وكم هي المناطق والمديريات التي نسمع وبصورة يومية أن إيجاراتها أصبحت بالعملة الصعبة بدلا من الريال اليمني الذي لم يعد له قيمة، بحسب قول بعض ملاك المنازل، وأضافوا أنه: «لم يعد مجدياً ولا ترجى منه أي منفعة بسبب هبوط قيمته بشكل يومي، إن لم يكن بين دقيقة وأخرى، وذلك مقابل بقية العملات».

استغلال دون رحمة
في ظل هذا الارتفاع الواضح في أسعار المنازل يبقى مالكو العقارات في موقف قوي، وهم من يحددون السعر الذي يرونه مناسباً لمتطلباتهم وأطماعهم، فنجد أن منزلاً صغيراً يتكون من غرفة أو غرفتين إيجاره مرتفع جداً، ولا يتنازل صاحب المنزل عن سقف الإيجار الذي يحدده.
كل هذا دليل واضح على استغلال من قبل هؤلاء الملاك للمواطنين، وهم يدركون تماما أن الوضع صعب وأن الظروف التي يعيشونها سيئة للغاية؛ ولكن لا يرحمون أبدا ويواصلون هذا الاستغلال ولا يجدون من يوقفهم أو يحاسبهم، بل يجدون مواطنين مضطرين للقبول بهذه الأسعار، نظراً لانعدام خياراتهم.

النازحون عمقوا الجراح
ومع موجة النزوح التي شهدتها محافظة عدن من محافظات أخرى، خاصة من تعز والحديدة، بسبب الحرب، أصبحت عملية إيجاد منزل للإيجار من الأمور الصعبة التي تتطلب وقتاً وجهداً حتى من قبل سكان المدينة نفسها، فكثيرون يبحثون حاليا عن منازل، لكنهم لا يجدونها بسهولة، بسبب كثرة القاطنين في المدينة وقلة المنازل المعروضة للإيجار، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لصعوبة الحصول على المنازل.

المغتربون رفعوا الإيجارات
مما يرى المواطنون في عدن أنها أسباب هذا الارتفاع في الإيجارات، نجد المغتربين والأسر القادمة من السعودية، الذين يأتون ولديهم مال بالريال السعودي، وقادرين على استئجار منازل بإيجارات مرتفعة، وهم من يسكنون حالياً معظم المنازل، خاصة الجديدة والحديثة البناء أو تلك التي تتواجد في الأماكن والمناطق التي تحوي وحدات سكنية أو شققاً، وهذا ما فاقم جشع وطمع ملاك العقارات فرفعوا الإيجارات أو تمسكوا بتأجير عقاراتهم بالدولار والريال السعودي.
وأخيراً، يبقى الوضع على ما هو عليه ويظل المواطنون مترقبين لما ستحمله لهم الأيام القادمة من تطورات على الصعيدين السياسي والاقتصادي ومتوجسين من حدوث ارتفاع آخر في الأسعار، ويبقى الغلاء هو سيد الموقف في جميع الحالات، فكيف سيتمكنون من العيش في هذا الوضع الكارثي دون أن يكون لديهم دخل كبير أو حتى وطن آمن يعيشون فيه؟!