«لا» 21 السياسي -
تذهب متكئاّ على وجعك، وبعد أيام من الحجز والانتظار، تدخل سوق المتعة. شقتان مفتوحتان على بعض فيهما مختبر وكشافة تلفزيون وغرفة الطبيب وسكرتارية ومصلى متر في متر وثلاث غرف انتظار واسعة... طبعاً المبنى يقع بعد جولة 45 في شارع تعز، وهو أشهر أماكن المسالخ البشرية على الإطلاق.
هرج ومرج وأكوام بشرية فوق بعض وتأوهات وآهات ونشادر وديتول تملأ المكان، وترى الناس سكارى ليدفعوا أموالاّ لقتلهم! تنتظر متألماً دورك في الموت، تحجز لتموت. خارج المبنى لا يوجد موقف للسيارات، وداخل المبنى لا يوجد موقف للإنسانية. صحت من الوجع فأشار لي عجوز كان يقف بجانبي: بحبحْ جيبك لتدخل! أخبرته أني دفعت ثمن دخول سينما الزومبي هذه، فضحك وأومأ إلى السكرتيرة الممتلئة التي تمر بين حين وآخر وتصرخ في المرضى: هدوء، نظام!
دخلت أخيراً بعد أن دفعت حق «بنت هادي» مضطراً من الوجع والانتظار، لأجد هذا الذي جعلته الزحمة والدعاية من أهم أدعياء علاج المسالك جالساً فوق مكتبه وحوله أربعة او خمسة مرضى يحدثهم جميعاً؛ فالدخول هنا جماعي والمعاينة بالكم. كتب لي ورقة صغيرة إلى مختبره وكشافته، لأنتظر ساعات أخرى حتى أدخل ليسألني: كيف الحال؟! كدت أجيبه لولا أن قاطعني بضربي بكفه اليمنى على كليتي اليسرى متمتماً: آهاه! ثم أخذ في تسجيل قائمة طويلة من صفحتين بالمشتريات المطلوب شراؤها من صيدليته مبيناً لي: هذه لأسبوع!
أومأت له برأسي أن نعم، وخرجت اشتريت بضاعته من متجره واستخدمتها لأسبوع، وحين عدت ولا تحسن في حالتي كنت قد أعددت له خطبة عصماء، وبعد أن زاحمت العشرات من المنتظرين للدخول وما إن شرعت بإلقاء خطبتي: يا (ن. أ)...! حتى عاجلني: حالتك مش تخصصي، شوف لك غيري ولا تضيع وقتي، زبائني مليان وفي الانتظار!
لعنة الله عليك والملائكة أجمعين أنت وكل أمثالك وجميع من سمح لك بممارسة الطب ومن جعلك تجمع أمام باب غرفتك خمسين حالة أنتريشن وعشر حالات سكسكة!