حاوره:أنور عون / لا ميديا -
أخلاق، مهارة، أدب، تواضع، كفاءة، وخبرة ميدانية. صفات مجتمعة في الكابتن سعيد العرشي، نجم أهلي صنعاء والمنتخب الوطني سابقا، بشهادة بعض نجوم جيله. هو لا يقل عن الأساطير عبدالعزيز القاضي، سالم عبدالرحمن، عبدالله الروضي... وغيرهم. توقف عن اللعب قبل 44 عاماً ولا يزال اسمه في قلوب وذاكرة عشاق الأهلي. كفاءته التدريبية يفترض أن تضعه في مكانة تدريبية عالية يفيد من خلالها الكرة اليمنية، لكن لا كرامة لنبي في قومه.
بعد عناء البحث عنه، لأنه لا يميل للضجيج الإعلامي منذ كان لاعباً، أجرينا معه هذا الحوار.

ذكريات الطفولة
أخذته في البداية إلى طفولته، كيف أحب الكرة؟ ومن قاده إلى الأهلي؟ سرح قليلاً واسترجع ملعب الأهلي الذي كان أمام المؤسسة الاقتصادية بباب اليمن قبل أن تمنحه وزارة الأشغال مقره الحالي:
- كنت صغيراً في فترة الستينيات ألعب الكرة مع زملائي في الحارة، ثم وجدت نفسي ألعب مع براعم الأهلي المقسم (أ، ب، ج) وكنت في الفئة الدنيا (أ)، وحين أصبحت في الفئة الأكبر (ج) كان معي يحيى جلاعم، محمد حجيرة، حسين الأهجري، وآخرون. من هنا بدأت حكايتي مع الكرة.

نجومية مع نادي النجم
 في تلك الفترة كانت الحواري تزخر بأندية عملاقة تقارع الأندية الرسمية الكبيرة، منها نادي النجم. ما حكاية نادي النجم الذي قيل إنك كنت أبرز نجومه؟
- وأنا في ناشئي الأهلي ومتألق جداً توقفت عن اللعب مع النادي لأسباب لا داعي لذكرها، واتجهت إلى نادي النجم، وكان ذائع الصيت، ولعب معي مجموعة من لاعبي الأهلي، وتألقنا بصورة ملفتة وقدمنا أروع وأمتع المباريات. كنا فريقاً لا يقهر؛ لكن في عز سطوع النجم جاء قرار محزن بإلغاء الأندية الصغيرة وضم نجومها للأندية الكبيرة، فعدت مع زملائي إلى الأهلي ولعبت مباشرة في الفريق الأول، وكان يضم: علي حمامي، جلاعم، صالح الوسع، حسين الأهجري، وتوالت المواسم المليئة بالتألق والبطولات والمنافسات القوية.

مواسم لا تنسى
استرسل الكابتن سعيد في ذكرياته وسرد قصصاً من الوهج والمنافسات والنجوم والجمهور:
- أتدري أن أجمل فترات الكرة في بلادنا هي فترة السبعينيات، وربما شيء يسير من الثمانينيات؟! لأن تلك الفترة شهدت عمالقة في الكرة، لاعبين من العيار الثقيل لو تواجدوا في هذه المرحلة لاحترفوا في أفضل الأندية العربية، أمثال: علي الورقي وجواد محسن وشكيب البشيري وعادل مقيدح في الشعب صنعاء، عبدالرحمن إسحاق ونصر الجرادي وأحمد سعد العذري وقائد الشرجبي وعبدالله الروضي وعلي الأشول في وحدة صنعاء، عبدالعزيز القاضي ويحيى فارع في أهلي تعز، مضر السقاف وفاروق عبده قائد ومحمد علي شكري في الطليعة، محمد بشير وعبده راشد ومحمد الجهمي ومحمد سلطان في الحديدة، علي حمامي ويحيى جلاعم والأهجري ومحمد حجيرة، وفي المجد شويت هيبتي ومحمد الآنسي وحاتم هبة وجمال حمدي... ياااااه! أسماء عملاقة، في شعب إب أيضا كان هناك نجوم كبار لا تسعفني الذاكرة لسردهم. في الحراسة حدث ولا حرج: يحيى الظرافي أسد في عرينه، محمد الشفق حارس متفرد، وعبدالملك فوز أخطبوط... كل هؤلاء النجوم وغيرهم كثر جذبوا الجمهور بصورة لا يمكن تخيلها، الملعب يمتلئ من العاشرة صباحاً، فتجد المباريات مثيرة إلى أبعد الدرجات، مواسم خالدة من الصعب نسيانها.

فرق بلا مدربين
استطرد العرشي قائلاً:
- تخيلوا ذلك المستوى وتلك النجومية والمباريات المبهرة، ونحن نلعب بلا مدربين! كل الفرق لم يكن لديها مدربون مؤهلون. كنت ألعب وأدرب فريقي بنفسي، لا يوجد معنا أبسط الإمكانيات، حتى المباريات العالمية والعربية لا نشاهدها؛ أين؟! وكيف نشاهدها؟!

حكايتي مع المنتخبات
- بدأت حكايتي مع المنتخبات مع تشكيل منتخبات المحافظات، نخوض فيها منافسات قوية مع منتخبات تعز، إب، الحديدة... وكانت الإثارة فيها تصل أوجها. وفي إحدى المرات تم استضافة منتخب ليبيا، وأيضا لعبنا بطولة مع تعز والحديدة وعدن، وكانت البطولة الأقوى والأجمل.
خارجياً مثلت الوطن في العديد من المناسبات، في كأس فلسطين بليبيا، وهي أول مشاركة نلعب فيها على ملاعب عشبية، لسنا متعودين عليها، لأننا متعودون على ملاعبنا المتصحرة المليئة بالحجارة الصغيرة. وأيضاً لم يكن لدينا مدربون، إلى أن تم الاستعانة بالمدرب الكبير علي صالح عباد، الذي كان يدرس في مصر وسبق له اللعب في ناشئي الزمالك، ولقبوه بخليفة علي محسن مريسي، ثم لعبنا مباريات تجريبية قوية، منها أمام المنتخب الصيني القوي ذهاباً وإياباً.

التدريب عشقي ولكن...!
يعد سعيد العرشي موسوعة تدريبية، إلا أنه لم يستفد منه كما يجب، لأنه لا يملك وسائل التسلق والتملق واللعب من تحت الطاولة. عن ذلك يقول:
- اعتزلت عام 1980. ولأني أعشق التدريب منذ كنت لاعباً اتجهت لتدريب قطاع الأشبال في الأهلي، وحرصت على تأهيل نفسي بدورات في تونس ثم البرازيل، وحرصت على أداء واجبي بالوجه الأمثل. لكن لم أستمر في التدريب لأني لم أجد الدعم الكافي والتشجيع المستمر.
من الوهلة الأولى في مجال التدريب كنت أحمل طموحا كبيرا لرفد الكرة اليمنية بالمواهب وصقلها، وعملت برامج وخططاً في كيفية اختيار الموهبة ورعايتها وصقلها بصورة سليمة ممنهجة، وحرصت على وضع الأولوية في الكشف الطبي، فمهما كانت الموهبة متميزة لا يجب قبول صاحبها ما لم يتجاوز الفحص الطبي بنجاح، فهناك من يعاني أمراضا خطيرة وبمجرد أن يتدرب ويتعرض لحمل تدريبي ثقيل ينتهي. وقد صادفت مثلها حالات واكتشفت مواهب مصابة بأمراض واللعب يؤثر في صحتهم بشكل سلبي وخطير. باختصار التدريب علم وأمانة ويجب أن نكون عند تحمل المسؤولية أو نترك العمل.

ندرة المواهب أم غزارتها؟ !
 ماذا عن انتشار المواهب اليوم مقارنة بجيلكم؟
- كانت المواهب أيامنا غير عادية، رغم ظروفنا التي شرحتها سابقاً؛ لكن المواهب الآن موجودة ومتوفرة، فقط تحتاج دعما واهتماما وصقلا وبناء متدرجا بشكل صحيح، فمثلاً عندي مواهب تأتي للتدرب، بعضهم يحضر للتدرب وليس معه حق الغداء، ولكي أحافظ على استمراره أعطيه من جيبي. ومن هنا تجد أن مواهب تضيع في المهد لأنها لا تجد الرعاية والدعم والاهتمام، وكم مواهب كبيرة ضاعت علينا؟!
 ممكن توضح أكثر من أجل المحافظة على المواهب؟
- المسؤولية تقع على عاتق القائمين على الرياضة، بمن فيهم إدارات الأندية. لا بد من توفير مدربين على مستوى عال من التأهيل والخبرة للفئات العمرية الدنيا، مثل المدرسة، إذا وفرت مدرسين كبارا للمرحلة الأساسية ستبني جيلا متعلما على أساس متين. لا بد من عمل استراتيجيات ممنهجة للعمل في قطاع الناشئين، فهو الأهم. والوزارة والاتحاد يجب أن يتحملوا المسؤولية أيضاً في ذلك.

برنامج الموهوبين.. والتوقف
 عمل الكابتن سعيد مع النونو والزريقي وطنطن والحواني في برنامج الموهوبين التابع لوزارة الشباب ثم تعرقل العمل. ما أسباب ذلك؟
- وضعنا خططا واستراتيجية بدقة متناهية، وعملت لأكثر من سنتين، وحصلنا على نتائج جيدة؛ لكن العمل توقف لظروف مالية يمر بها صندوق النشء، وهذه هي المشكلة التي سبق وتحدثت عنها.
دعم المواهب يجب ألا يتوقف، إذا أردنا أن نوجد لاعبين لمستقبل الكرة اليمنية.

أفضل إدارة وصفقات المحترفين
 ما رأيك في الصفقات المضروبة والعقود المبرمة للاعبين المحترفين؟ ومن أفضل إدارة مرت على أهلي صنعاء؟
- للأسف اختيار المحترفين مشكلة حقيقية. عقود لا توازي حجم عطاء اللاعب داخل الملعب. بعض الأندية تجلب صفقات بالجملة ولا تستفيد من هذه الصفقات، والسبب السمسرة فيها. وسأربط هذه الإجابة بسؤالك عن أفضل إدارة مرت على الأهلي، فإدارة ناصر الطهيف وعبدالملك عقبة ومحمد حجيرة هي الأفضل، هؤلاء صنعوا مجد الأهلي، لأنهم كانوا كباتن. ناصر الطهيف الأنجح إدارياً كان لاعباً. وبشكل أوضح على إدارة الأندية اختيار لاعبين سابقين ليقودوها مع رجال أعمال وشخصيات اعتبارية للدعم وليس للتدخل في شؤون الكرة.

الأهلي x الأهلي
 لكل لاعب مباراة أو موسم لا ينسى. ماذا في جعبة سعيد العرشي؟
- مواسم عديدة، مباريات معينة، لكن تظل مباراتنا أمام أهلي تعز في منتصف السبعينيات في ذاكرتي. هذه المباراة كانت على كأس الشيخ زايد بن سلطان وتزامنت مع زيارته لمدينة تعز، وامتلأ ملعب الشهداء، ذكورا وإناثا، وفزنا 3 ـ 1, وأذكر أن حارس أهلي تعز كان عبدالله عتيق رحمه الله. وأهم ما هو عالق في ذاكرتي عن هذه المباراة سفرنا من صنعاء، خرجنا في السادسة صباحاً ومررنا بذمار إلى معسكر العمالقة لنأخذ لاعبينا يحيى جلاعم وصالح الوسع ومحمد زبارة وعبدالله مقبل وأحمد الآنسي. أخذناهم وسافرنا ووصلنا تعز الساعة 12 ليلاً. تخيل بقينا ندهف الباص طول الطريق، وبعد كل هذا التعب والتأخير رقد كل الفريق في غرفة واحدة، ورغم ذلك فزنا في اليوم التالي أمام حشد جماهيري كبير جداً ملأ ملعب الشهداء.
أيضاً مباراة أخرى لاتزال في ذاكرتي أمام شعب صنعاء على درع فلسطين، وفزنا 2 ـ 1. مباراة ثقيلة، كل فريق مرصع بالنجوم، الملعب ممتلئ، حاول الحكم تأخير انطلاق المباراة انتظاراً للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي؛ لكن الرئيس الحمدي أرسل مندوبه موجهاً بعدم انتظاره. بدأنا اللعب، وبين الشوطين نزل الحمدي لمصافحتنا... مباريات لا تنسى أبداً، ميزها الجمهور ونجومية اللاعبين بصورة لا يمكن أن تتخيلها.

نادم
وهو يسرد ذكرياته لمحنا في صوته نبرات حزن وملامح حسرة... فسألناه: هل ندمت على لعبك؟
- (أطلق تنهيدة) نعم، ندمت، فلم أنل ما يوازي لعبي وتضحياتي. أخذت الكرة مني مستقبلي العلمي والعملي. لو كنت واصلت دراستي العليا لكنت في موقع أفضل، ولهذا منعت أولادي من اللعب وطلبت منهم الاهتمام بدراستهم، رغم أن فيهم من كان موهوباً. تجربتي المرة تكفي، والحمد لله استوعبوا كلامي.
 في الختام، ماذا تحب أن تقول؟
- شكراً لك أخي العزيز والمعذرة لأني أتعبتكم كل هذه الفترة، فأنا لست من هواة اللقاءات منذ كنت لاعباً. وشكراً لصحيفتكم "لا" الغراء.