أبريل لونغلي آلي-  مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية
ترجمة خاصة:إياد الشرفي / لا ميديا -
في السادس من أيار/ مايو، وخلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، زعم الرئيس دونالد ترامب ببساطة أن الحوثيين "لا يريدون مواصلة القتال"، وأن الولايات المتحدة "ستلتزم بوعدهم" و"توقف القصف". وأكد وزير الخارجية العماني، بدر بن حمد البوسعيدي، في منصة (X)، أن بلاده توسطت في اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثيين، والذي اتفق فيه الجانبان على عدم استهداف بعضهما البعض.
ورغم هجمات الحوثيين الفعّالة للغاية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر واستمرار هجماتهم على إسرائيل، فإن الاتفاق لا يقيد صراحةً أعمال الحوثيين ضد أي دولة أخرى غير الولايات المتحدة. ومن اللافت للنظر غياب إسرائيل والسفن "المرتبطة بإسرائيل" عن الاتفاق - وهو مصطلح تبناه الحوثيون على نطاق واسع في الماضي. الأمر المحير في إعلان البيت الأبيض هو أن موقف الحوثيين لم يتغير بشكل أساسي منذ أن بدأت إدارة ترامب حملتها الجوية المتصاعدة في 15 آذار/ مارس. ظاهرياً، تم إطلاق عملية "الراكب الخشن" -كما كانت تسمى الحملة الأمريكية- لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر وإعادة إرساء الردع ضد إيران ووكلائها.
عندما بدأت العملية، كان الحوثيون يستهدفون إسرائيل صراحةً، وكذلك السفن المرتبطة بإسرائيل - وإن لم يكن السفن الأمريكية، وقالوا إنهم سيواصلون القيام بذلك حتى تنهي إسرائيل حربها في غزة. منذ بداية الحملة الأمريكية، أوضح قادة الحوثيين أنه إذا أوقفت واشنطن القصف فإنهم سيتوقفون عن مهاجمة السفن الأمريكية لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر.
بعد أن أعلن ترامب اتفاق 6 أيار/ مايو، كرر المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، هذا الموقف. بعبارة أخرى: بعد عملية عسكرية أمريكية كلفت أكثر من ملياري دولار، ويُفترض أنها كان لها تأثير بعيد المدى على القدرات العسكرية للحوثيين، لم يُسهم وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين إلا في ترسيخ موقفهم الأصلي. ورغم ادعاء ترامب أن الحوثيين "استسلموا"، إلا أن الجماعة لا تزال تسيطر على السلطة، ووصفت الاتفاق بأنه "انتصار لليمن".
بالنسبة لإدارة ترامب، وفّر وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملة كانت تزداد صعوبة. لم يكن القصف مكلفاً للغاية فحسب، بل أثار أيضاً مخاوف لدى صانعي السياسات في واشنطن من أن الولايات المتحدة قد تنزلق إلى حرب أخرى لا تنتهي في الشرق الأوسط. لا شك أن هذا السيناريو كان مدعوماً من جيه دي فانس، نائب الرئيس، وأعضاء الإدارة الأكثر ميلاً إلى الانعزالية الجديدة، والذين كانوا متشككين في المغامرة العسكرية الأمريكية منذ البداية.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه النهاية الوخيمة سيعقبها استراحة كافية تُمكّن إدارة ترامب من التبرّؤ من مشكلة الحوثيين. ولكن إذا تجاهل ترامب هجماتهم المستمرة على إسرائيل، فهناك ما يدعو للاعتقاد بأن الحوثيين سيتجنبون -في الوقت الحالي- مهاجمة الأصول الأمريكية.
من شبه المؤكد أن الحوثيين كانوا سيصمدون، حتى لو استمرت حملة القصف الأمريكية، وأن انتهاء المعركة يحمل لهم في طياته العديد من المزايا. يمكن لقادة الجماعة الآن الشعور بأنهم خاضوا مواجهةً مباشرة مع قوة عظمى وانتصروا، وأنهم سيتخلصون من الضغط الذي فرضه عليهم القصف الأمريكي. يمكنهم أيضاً التركيز على إسرائيل، التي تشن حملتها الجوية العقابية رداً على ضربات الحوثيين، بما في ذلك ضربة صاروخية باليستية قرب مطار بن غوريون في تل أبيب في أوائل أيار/ مايو.
الأهم من ذلك، أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من المستبعد جداً أن تدعم واشنطن هجوماً برياً ضد الحوثيين من قِبل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهي مليشيات منقسمة داخلياً من الفصائل المناهضة للحوثيين، وتسيطر على الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد. إلى جانب القوة الجوية، يُمكن القول بأن مثل هذا الهجوم هو الوسيلة الأكثر فاعلية للضغط على الجماعة وإضعاف قبضتها على السلطة، مع أنه ينطوي على مخاطر كبيرة.
كانت إدارة ترامب مُحقة في محاولتها إيجاد مخرج من حملة جوية متزايدة التكلفة ومفتوحة النهاية؛ لكن الخيار الذي اختارته قد يُسبب ضرراً أكثر من نفعه. ما لم تُنسّق واشنطن بسرعة مع حلفائها في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية، في جهد أوسع نطاقاً للحفاظ على الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي على الحوثيين، ستواصل الجماعة إحداث الفوضى في اليمن وفي جميع أنحاء المنطقة. هناك بديل أفضل: من خلال دعم الأمم المتحدة ووسطاء آخرين مثل عُمان، يُمكن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وخارجها الدفع نحو تسوية سياسية أوسع في اليمن، تسوية يُمكن أن تُقيد قدرات الحوثيين العسكرية وطموحاتهم. قد يبدو هذا عبئاً ثقيلاً؛ لكنه سيكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة من البديل. في غياب مثل هذه الجهود، سيستعيد الحوثيون عافيتهم ويعيدون تنظيم صفوفهم، وقد يشكلون قريباً التهديد الأمني نفسه الذي أشعل فتيل حملة إدارة ترامب في المقام الأول.

رحلة شاقة
بدأت الولايات المتحدة بضرب الحوثيين في عهد الرئيس جو بايدن، الذي شن حملة محدودة من الغارات الجوية في كانون الثاني/ يناير 2024 للرد على هجمات الجماعة على سفن الشحن في البحر الأحمر، وتحديداً على هجومها على سفينة حربية أمريكية. سعت إدارة بايدن إلى استراتيجية مدروسة: كان الهدف هو الرد على هجمات الحوثيين دون تصعيد الصراع أو التسبب في خسائر في صفوف المدنيين أو إثارة تصعيد إقليمي أكبر مع إيران. على النقيض من ذلك، كان ترامب أكثر عدوانية، حيث انتقد بايدن بشدة لرده "الضعيف للغاية" على التهديد الحوثي. ومن المرجح أيضاً أن تكون إدارته قد شجعت بسبب ضعف إيران بشكل كبير، حيث تدهورت قواتها المتحالفة في غزة ولبنان وسورية بشكل كبير على مدى العام الماضي بسبب حرب إسرائيل مع حماس وحزب الله وسقوط نظام الأسد.
مع ذلك، كان حجم الحملة غير متوقع. تُعدّ عملية "راف رايدر" أكبر وأكثر التدخلات العسكرية تكلفةً لإدارة ترامب حتى الآن؛ فقد شملت أكثر من 1000 ضربة جوية ضد مجموعة واسعة من الأهداف الحوثية، بما في ذلك مستودعات الأسلحة، ومراكز القيادة والتحكم، وأنظمة الدفاع الجوي، والبنية التحتية الحيوية، وقادة الحوثيين. ولتنفيذ هذه العملية الطموحة، نشرت الإدارة مجموعتين هجوميتين لحاملات الطائرات، وطائرات بدون طيار من طراز (MQ-9 Reaper)، وقاذفات (B-2 Stealth)، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي من طراز (Patriot وTHAAD).

لا يزال موقف الحوثيين ثابتاً
إلى جانب التصعيد الكبير للغارات الجوية، صعّدت الإدارة الأمريكية أيضاً الضغط الاقتصادي والسياسي. في آذار/ مارس، أعادت تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ما يُعرّضهم لعقوبات اقتصادية ودبلوماسية شديدة. أدى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية إلى خنق النظام المصرفي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وتقييد قدرته على استيراد الوقود، وجعل تنفيذ بنود اتفاق مقترح تدعمه الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، والذي كان قيد التفاوض قبل بدء هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مستحيلاً. كان من شأن تنفيذ هذا الاتفاق، الذي يدعمه حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية لتحديد ترتيبات تقاسم السلطة في اليمن. كما وعد بفوائد اقتصادية كبيرة، بما في ذلك آلية لدفع جميع رواتب موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ونظراً لمحدودية موارد اليمن، كان هذا سيتطلب دعماً مالياً خارجياً كبيراً، لكن تصنيف واشنطن للمنظمة الإرهابية الأجنبية جرّم التحويلات المالية إلى الحوثيين، ما جعل هذا العنصر غير قابل للتطبيق.
قبل وقف إطلاق النار في 6 أيار/ مايو، عززت الضربات أيضاً توقعات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بإمكانية حصولها على دعم أمريكي وإقليمي لهجوم بري جديد لاستعادة الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون. ضغط مسؤولو الحكومة اليمنية بشدة على واشنطن للحصول على الدعم، مدركين أن الفرصة سانحة لهم، ومدركين أنه إذا لم يستغلوا الفرصة، فسيتمكن الحوثيون من استغلال "انتصارهم" المتمثل في الصمود في وجه حملة عسكرية أمريكية لتعزيز مواقعهم. كان التهديد بشن عملية برية مثيراً لقلق عميق لدى قادة الحوثيين الذين يصفون أي معارضين محليين بأنهم عملاء للعدوان الإسرائيلي - الأمريكي.

اختبار التحمل
لكن حملة الضغط التي شنها ترامب كانت لها حدود، وفي غضون أسابيع قليلة بدأت تتقهقر. قصفت القوات الأمريكية أهدافاً حوثية بشكل شبه يومي، بكميات هائلة من الذخائر، وزعم البنتاغون أنه قتل كبار قادة الحوثيين. مع ذلك، لا توجد أدلة تُذكر على تصفية أعضاء من الهيكل القيادي الأعلى للجماعة؛ فدائرتها الداخلية سليمة تماماً. ومن المهم أيضاً أن قدرة الجماعة على ضرب أهداف أمريكية وإسرائيلية لا يبدو أنها قد تراجعت بشكل كبير. من جانبهم، استطاع الحوثيون إسقاط ما لا يقل عن سبع طائرات أمريكية مسيّرة من طراز "ريبر"، تبلغ تكلفة كل منها حوالى 30 مليون دولار، منذ آذار/ مارس. في 28 نيسان/ أبريل، فُقدت طائرة مقاتلة أمريكية بقيمة 60 مليون دولار في البحر عندما انعطفت حاملتها بشكل حاد لتجنب نيران الحوثيين. في أوائل أيار/ مايو، تمكن صاروخ للحوثيين أيضاً من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بضربته قرب مطار تل أبيب، ما أثار رد فعل عنيفاً من إسرائيل.

مكاسب تكتيكية أمريكية بتكلفة باهظة ومخاطر جسيمة
 باختصار، كانت المكاسب التكتيكية الأمريكية تأتي بتكلفة متزايدة ومخاطر جسيمة. وإن استمرار العمليات قد يؤدي الى احتمال مقتل أفراد من الخدمة الأمريكية - وهو سيناريو من شأنه أن يجر واشنطن بشكل شبه مؤكد إلى الصراع. كما كانت الولايات المتحدة تستهلك الذخائر بمعدل ينذر بالخطر. كانت وزارة الدفاع تكافح بالفعل لمواكبة الطلب على الأسلحة، بعد أن تأثرت بالتزامات الولايات المتحدة السابقة تجاه إسرائيل وأوكرانيا، بالإضافة إلى ضربات إدارة بايدن ضد الحوثيين والجهود الأمريكية للدفاع عن إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية المباشرة. أعرب بعض المسؤولين الأمريكيين عن قلقهم من أن العدد الهائل للأسلحة بعيدة المدى المستخدمة ضد الحوثيين، ونقل كتيبة دفاع جوي من طراز باتريوت، كلف الميزانية الأمريكية الكثير.