استطلاع: بشرى الغيلي / لا ميديا -
عيد الأضحى شعيرة دينية تأتي بعد ركنٍ عظيم، الحج، وشُرعت الأضحية للفرح بهذه الشعيرة ومع مرور السنوات تناسى الناس القصد من العيد، وقد لا يأتي العيد في موعده ولا يطرق الأبواب بثيابِ زاهية، أو صناديق هدايا أنيقة بل يأتي على استحياء، كضيفٍ يعرف ضيق مضيفه، يحتفل الناس بما تيسّر، بقدرٍ على موقدٍ مكسور، بثوبٍ تم كيّه عشرات المرات، وفي خلفية المشهد يسطع نجم عيد آخر يتقدم من شاشات ومنصات التواصل، لا تنحر فيه الأضاحي بقدر ما تنحر فيه النوايا بفرحةٍ مشوشة ومن يسمون بـ(وسطاء العمل الإنساني) غير الرسميين الذين بثوا روح الإحباط وشوشوا بهجة العيد واختصروا طقوسه في لحوم توزع، وسفح صور الكرامة أمام الكاميرات، وهناك نماذج تحفظ للناسِ كرامتهم من خلال ما رصدته صحيفة (لا) في هذا الاستطلاع كالمبادرات في بعض الحارات، والعيد الذي تصنعه الأمهات والآباء رغم كل الأوجاع، وبعض الجهات الرسمية التي تحفظ للناس كرامتهم ولازالت الدنيا في خير.. ورصدت (لا) الحقيقة من زوايا إيجابية يتم تناولها لأول مرة وكانت مغيّبة بسبب (الوسطاء) الذين جعلوا العيد موسما للتسول، وبعض من لا يظهرون الحقيقة كما هي ويظهرون العكس.. كونوا مع السياق لتعرفوا أكثر.

تمسّك ريفي بعادة تربية الأضاحي
في الأرياف يحرص المواطنون على تربية الأضاحي في المنزل مع اقتراب عيد الأضحى، فهي عادة متجذرة في حياتهم وجزء من هويتهم الريفية.. وقال عبدالله البخيتي (ناشط اجتماعي)، لصحيفة (لا): "نحرص كل عام على اختيار الأضحية بعناية، ونرعاها بأنفسنا طوال الفترة السابقة للعيد، نشعر ببركة خاصة عندما نراها تكبر أمام أعيننا، وهذا يعزز من ارتباطنا بها ويمنح الذبح في يوم العيد طابعًا روحانيًا مختلفًا، نذبحها في البيت، وبهذا نضمن جودتها ونظافتها ونشعر بالرضا التام عن هذه الشعيرة".
حورية رسام (ربة بيت) هي الأخرى تتفق مع الرأي السابق، وتؤكد أنه "رغم تغيّر الأحوال وصعوبة الظروف، لايزال غالبية الناس يفضلون تربية الأضاحي في البيت كلما كان ذلك ممكنًا".
وتضيف: "حين تربي الكبش بنفسك، تشعر أن للأضحية معنى أعمق، فهي ليست مجرد ذبيحة بل جزء من حياتك اليومية قبل العيد، هذه العادة تمنحنا شعورًا بالطمأنينة، لأننا نعرف مصدر الأضحية ونضمن توزيع لحمها بشكل صحيح على المستحقين، هذه الممارسة وسيلة للحفاظ على قيمنا وتقاليدنا في العطاء والتراحم، ونحرص على نقلها للأجيال القادمة".

جهود لدعم المستحقين
تحرص هيئة الزكاة بشكل دائم على توفير الأضاحي لمئات آلالاف من الأسر المتعففة، وتخفيف الأعباء عنها في الأعياد ويتم ذلك عبر برامجها المعلن عنها في صفحاتها تضمن وصول الأضاحي إلى مستحقيها، رغم أن العدد أكبر، لكنها جهود تخفف عن معاناة المعوزين. وهناك الكثير من المؤسسات والجهات التي تساهم في تعميق التكافل ونشر الفرح للجميع، من تلك المؤسسات، مؤسسة بنيان ومشروع اللحوم والأضاحي حيث أعلن توزيع 41 طنا من اللحوم على 41 ألف أسرة، وبواقع أكثر من 262 ألف مستفيد، والأجمل أن التوزيع يتم يدًا بيد إلى منازل الأسر.
الملفت أن هذا التوزيع يحفظ كرامة المستفيدين، بدلا من استغلالهم والتشهير بهم من قبل الوسطاء غير الإنسانيين.

عيد الروح.. وليس اللحم
يرى علي العلفي (ناشط) أن العيد في صنعاء لا يُقاس بالأضحية، بل بروح الفرح ولمّة العائلة، كأب يعتبر مسؤوليته إشعال البهجة في عيون أطفاله، حتى إن غابت الأضحية، يؤمن بأن الفرحة الحقيقية تبدأ من بعد صلاة العيد، بزيارة الأقارب وتوزيع العيدية، ولعب الآباء مع أولادهم؛ كبارًا وصغارًا، لخلق ذكريات تدوم، ويؤكد أن ما يُعكر صفو العيد للأطفال هو انشغال الآباء عنهم، لا غياب الأضحية.

طائرات ورقية
يتحدث بروحٍ عملية ومرحة، ماجد القدسي (مهندس سيارات)، ويقول إن العيد في تعز مناسبة للبهجة رغم الظروف في حال غابت الأضحية، يعوّضها مع زوجته بتحضيرات منزلية مثل حلويات العيد والشاي العدني، والخروج مع الأطفال لإطلاق الطائرات الورقية وممارسة الألعاب الشعبية، يشرح لأبنائه أن الأضحية عبادة، لكن الفرح هو جوهر العيد، ناصحًا الجميع بالحفاظ على القلوب الصافية والابتسامات الصادقة طوال اليوم.

وسطاء إنسانيون.. أم لصوص الفرح؟
مع اقتراب أي عيدٍ تتصاعد الحملات الإنسانية والإغاثية التي يقودها عدد من النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مشاهد تختلط فيها النوايا الحسنة بالرسائل غير المحسوبة، لكن هل تؤثر هذه الحملات على وجدان الناس وفرحتهم بالعيد؟ وهل تسهم أحيانًا -بقصد أو دون قصد- في خلق مشاعر الحزن أو البلبلة بدلًا من تعزيز الفرح والتكافل؟
عبدالرحمن الأهدل (قاضٍ شرعي) يرى أن بعض نشطاء العمل الإنساني، سواء بدافع حسن النية أو نتيجة سوء تقدير، يُسهمون بشكل مباشر في إطفاء بهجة العيد ونزعها من قلوب الناس.
يضيف الأهدل: "عندما يركّز هؤلاء على نشر صور اللحم والمحرومين والمساعدات، فإنهم يختزلون العيد في قطعة لحم، بينما العيد أوسع من ذلك بكثير، العيد ليس مجرد وليمة، إنه شعور روحاني، لحظة اجتماع عائلي، تبادل تهان، زيارات ومحبة، حين يُصوَّر الناس وكأنهم محرومون إذا لم يأكلوا اللحم، فهم يُرسخون في نفوس الآخرين شعورًا بالنقص والشفقة، وهذا يُفرغ العيد من معانيه الأصيلة، الأضحية سنة مؤكدة، لكنها ليست شرطًا للفرح ولا معيارًا للبهجة".
ويختم الأهدل: "ما يفعله البعض هو تحويل العيد إلى مهرجان للمساعدات، مما يُلقي بظلال من الحزن على المجتمع ويُغيّب الجانب الروحاني والاجتماعي الحقيقي للعيد".
كما تعبّر نجوى سنان (ممثلة) عن استيائها من تركيز بعض نشطاء العمل الإنساني على الجانب السلبي في العيد، معتبرة أن ذلك يُساهم في نشر الحزن وتشويش الأجواء، وتقول: "أصبح العيد لدى البعض مناسبة لعرض صور الفقر والعوز بشكل مبالغ فيه، مما يُحول يوم الفرح إلى ساحة للمقارنات المؤلمة، صحيح هناك من يحتاج، ولكن لا يجب أن نُغرق الناس بالسلبية في يوم يُفترض أن يكون للبهجة والتقارب، العيد ليس مشروطًا باللحم، بل بروح الفرح والشكر والمحبة".

استغلال منظم..!
يرى الدكتور صالح الضبياني (أكاديمي) أن عيد الأضحى الذي كان رمزًا للفرح والتكافل، بات يشهد تحولات مقلقة بفعل استغلال منظم، يسهم في تجريده من معانيه الأصيلة.
ويلقي الضبياني المسؤولية على جهتين رئيسيتين، الأولى: بعض نشطاء العمل الإنساني ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، ممن حولوا الأضاحي إلى محتوى استعراضي يخلق المقارنات ويغذّي الشعور بالنقص، لاسيما لدى من لا يستطيعون الأضحية، ويشير إلى أن التركيز على التوثيق والترويج غالبًا ما يأتي على حساب الجوهر، حيث تُصرف الأموال على الحملات بدلاً من إيصال الفرح الحقيقي للمحتاجين. والثانية: الإعلانات التجارية المكثفة التي تستثمر العيد لتسويق اللحوم والكباش الفاخرة، ما يعزز ربط العيد بالاستهلاك ويحوّله إلى سباق اجتماعي، يُشعر الكثيرين بالعجز أو الفشل.
وأكد الضبياني أن "هذا التحالف غير المعلن بين بعض العاملين في المجال الخيري وبعض التجار يسهم في طمس فرحة العيد، ويستبدل القناعة بالقلق، والروحانية بالمظاهر".

مبادرة تكافل الأضاحي في الحارات
مع اقتراب عيد الأضحى برزت في إحدى حارات الستين الجنوبي بصنعاء مبادرة مجتمعية متميزة تهدف إلى تنظيم توزيع الأضاحي بشكل متسلسل وعادل بين سكان الحي، مما رسخ روح التكافل والتعاون وسهّل على الجميع أداء سنة الأضحية بطمأنينة ومشاركة مجتمعية نادرة.

توزيع متسلسل يضمن العدالة
يقول الحاج علي السراجي (شخصية اجتماعية) عن مبادرة توزيع الأضاحي في الحارة قبل العيد بأيام: "يجلس الشباب مع أهل الحارة ونرتب كل شيء، اللي يذبح عند جامع الحارة، يُقسم لحمه لثلاثة بيوت جنبه، وبعده، البيت الثالث هذا اللي استلم، إذا عليه ذبيحة، يذبح ويدي للثلاثة اللي بعده، وهكذا، تمشي البركة بيت بيت، والحارة كلها تكتمل، هذه الطريقة سهّلت علينا كثير، وما عاد في حرمان لأحد، والحمد لله، الناس فرحانين بها".
الحاج علي يرى أن هذا الأسلوب أعاد للعيد روحه، وحقق عدالة توزيع دون إحراج أو تمييز، حيث تنتقل بركة اللحم من بيت إلى آخر بسلاسة.
فيما تؤكد فاطمة الآنسي (ممرضة) حديث السراجي، بالقول: "الكشوفات المعدة مسبقا يعرف الجميع بها ويُلزم الكل، مما يضمن وصول الأضحية لمستحقيها".
ويختم هذه الجزئية التي تعكس طيبة أبناء المجتمع الواحد في التكافل أحمد الصيفي (إمام جامع): "كل ذلك مُدون في كشوفات تُعد قبل العيد عشان ما يحدث مطامعة واستيلاء من قبل الميسورين والمتسولين، ويعرف كل بيت متى دوره في الذبح، ومن أين سيستلم نصيبه من الأضحية، هذه الطريقة غيّرت نظرة الناس للعيد، وجعلت منه مناسبة للتكافل الفعلي، وراكنين آمنين على أضحيتهم بطيبة نفس وأمانة، وصار الجميع يشارك بفرحة العيد".

فوارق أسعار صادمة..!
أثناء تحرير هذا الاستطلاع اطلعت المحررة على استطلاعات تنقل صورة غير واقعية من خلال المبالغة عن أسعار المواشي في مناطق جغرافيا السيادة الوطنية وزرع الإحباط لدى المواطنين، بينما الحقيقة عكس ذلك من خلال من تنقلوا بين أسواق المواشي في تعز نفسها كنموذج كما تحدث لـ(لا) عبدالرحيم الشرعبي (إمام جامع)، وعبّر عن استيائه الشديد من الفارق الكبير في أسعار الأضاحي بين مناطق المحافظة نفسها. واصفًا الوضع بأنه صادم ومُحزن، وأوضح أنه خلال تنقله بين مناطق خاضعة لحكومة المرتزقة لاحظ ارتفاعًا غير منطقي في الأسعار، حيث تبدأ من 200 ألف ريال وتصل إلى 300 ألف ريال، وقد تتجاوز في بعض الحالات المليون ريال بعملة المرتزقة.
وأضاف أن هذه الأسعار تجعل من الأضحية عبئًا ثقيلًا على معظم المواطنين، متسائلًا: "من أين للناس بهذه المبالغ في ظل الظروف المعيشية الصعبة؟".
بالمقابل، أشار إلى أن الأسعار في مناطق تعز الواقعة ضمن السيادة الوطنية "أكثر معقولية وتراعي وضع الناس، حيث يمكن شراء أضحية بسعر يبدأ من 50 ألف ريال".
واختتم بقوله إن هذا التفاوت الكبير يُفقد الكثيرين بهجة العيد، ويجعل الأضحية حكرًا على الميسورين، وهو أمر "يؤلم ويبعث على التساؤل".

فرحة دون أضحية
في ختام هذا الاستطلاع يقول عبدالله عبدالرحمن (رب أسرة): "إن وجدت الأضحية فالحمد لله وذلك نعمة من الله، وإن لم يستطع المواطن فالله سبحانه وتعالى قد عفا عنه وقد ضحى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المهم أن الشخص المستطيع لا يماطل ويضحي، ومن لم يستطع فليعش فرحة العيد مع أسرته، لأن العيد شعيرة المسلمين بعد ركن الحج الأعظم يوم عرفة، فالاحتفاء بالعيد من فهمنا لهذا الركن العظيم، وإظهار فرحة العيد واجب ديني حثنا عليه ديننا مهما كانت الظروف".