عادل بشر / لا ميديا -
يشكل العدوان «الإسرائيلي» الأخير على العاصمة صنعاء، والذي أسفر عنه استشهاد رئيس الحكومة أحمد غالب الرهوي وعدد من رفاقه الوزراء، منعطفاً خطيراً في مسار الحرب الدائرة بين صنعاء و»تل أبيب».
فجريمة استهداف مبنى مدني يجتمع فيه الوزراء العاملون في المجالات المدنية، لم يكن مجرد عدوان دموي عابر، بل هو إعلان صريح عن دخول المعركة اليمنية مع الكيان الصهيوني مرحلة غير مسبوقة، حيث أرادت «إسرائيل» كسر اليمن وردع عملياته المساندة للشعب الفلسطيني؛ لكنها -وفقاً لمحللين- أيقظت وحشاً لا يعرف التراجع، ووحدت صفوف الشعب اليمني مع قيادته ومؤسسته العسكرية والأمنية، في خارطة السيادة اليمنية، أكثر مما كان سابقاً.
ورغم ما روجته الصحافة الصهيونية وتصريحات مسؤولي حكومة نتنياهو من أن استهداف حكومة صنعاء «ضربة نوعية موجعة» قد تُضعف القدرات القيادية لصنعاء، ما قد يساهم في إضعاف الموقف اليمني المساند للشعب الفلسطيني، إلا أن الواقع السياسي والعسكري أظهر العكس، فخطاب سيد الجهاد والمقاومة، السيد عبدالملك الحوثي، أمس، والقيادات السياسية والعسكرية، أمس الأول، جاءت حاسمة: المسار العسكري في استهداف «إسرائيل» مستمر، بل ومتسارع، ودماء الشهداء ستكون جحيماً للعدو.
في المقابل، يرى خبراء أن العدو الصهيوني أراد توجيه ضربة «كاسرة»؛ لكنه كشف عجزه وهشاشته؛ فاغتيال وزراء مدنيين في قلب العاصمة صنعاء لا يغير المعادلة العسكرية، بل يفضح عقلية انتقامية مأزومة. وبخلاف ما أراد العدو تصويره، ظهر ارتباكه جلياً، في قراراته، أمس، بنقل اجتماعات حكومته و»الكابينت» إلى مواقع محصنة وسرية، خوفاً من الرد اليمني، الأمر الذي يفضح حقيقة «إسرائيل المرتجفة» أكثر مما يبرهن على قوتها.
وذكرت وسائل إعلام صهيونية، بينها «إذاعة جيش الاحتلال» و«القناة 12»، أمس، أن «تم إخطار الوزراء بنقل اجتماعات الحكومة والمجلس السياسي الأمني المصغر إلى مكان محصن وسري قبل وقت قصير من انعقادها»، مشيرة إلى أنه تم حظر نشر مكان الاجتماعات، خشية من تسرب المعلومة إلى القوات المسلحة اليمنية.

العدو بين الاستعداد والقلق
التقارير الصهيونية، من «جيروزاليم بوست» و«معاريف» و«يديعوت أحرونوت»، أجمعت على أن «جيش الاحتلال» يستعد لرد يمني محتمل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، وأن «تل أبيب» تأخذ تهديدات صنعاء على محمل الجد.
وأشار مسؤولون في «سلاح الجو الإسرائيلي» إلى أن اليمنيين يمتلكون قدرات إنتاج مستقلة لتصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار، ولا يُعرف حجم الترسانة العسكرية لصنعاء وعدد منصات إطلاق الصواريخ، لافتين إلى أن القدرات العسكرية اليمنية تستطيع تحدي أنظمة الكشف والدفاع الجوي الصهيوني.
وأفاد الاعلام الصهيوني بأن «جيش الاحتلال عزز بعض وحداته استعداداً للرد القادم من اليمن».
هذا الاعتراف الضمني بقدرات اليمن العسكرية -سواء في التصنيع المحلي أو الدعم الخارجي- يثبت أن الاحتلال يُدرك أن اغتيال الرهوي ورفاقه الوزراء لن يُضعف صنعاء، بل وضع العدو أمام استحقاق مواجهة غير متوقعة من ساحة جديدة، كانت حتى سنوات قريبة خارج حساباتها الأمنية.

مسار الإسناد مستمر
سيد الجهاد والمقاومة، السيد عبدالملك الحوثي، في خطابه عصر أمس، لم يترك أي مساحة للغموض، مؤكداً أن المسار العسكري المساند لغزة وكسر هيبة الاحتلال مستمر وتصاعدي.
وأوضح أن كل قائمة الشهداء الذين استهدفهم العدو الصهيوني، الخميس الفائت، هي من الوزراء العاملين في المجالات المدنية، وهو ما يضاف إلى رصيد «إسرائيل» الإجرامي في المنطقة.
وأشار إلى أن «الجريمة الصهيونية تؤكد أهمية الموقف اليمني الواعي المستبصر المستند إلى الثوابت والقيم والأخلاق الإنسانية والدينية، وهو موقف مسؤول بكل ما تعنيه الكلمة»، محذراً من أن «العدو الإسرائيلي المتوحش المجرم يشكل خطراً على الأمة بكلها».
وشدد السيد القائد على أن المسار اليمني في إسناد الشعب الفلسطيني، في كل المجالات، عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وسواء بالصواريخ والطائرات المسيّرة أو بالحظر البحري، هو «مسار مستمر وثابت وتصاعدي».

صنعاء تماسكت.. «تل أبيب» ترتجف
وكان المجلس السياسي الأعلى قد أعلن، أمس الأول السبت، استشهاد رئيس الحكومة أحمد غالب الرهوي، وعدد من الوزراء، في العدوان الصهيوني على صنعاء الخميس الماضي.
وتوعد رئيس المجلس، مهدي المشاط، العدو «الإسرائيلي» بالثأر لجريمة الاغتيال، قائلاً في كلمة نعي له: «أقول للصهاينة: ثأرنا لا يبيت، وتنتظركم أيام سوداوية بما جنته أيدي حكومتكم القذرة الغادرة». كما خاطب أهالي غزة بالقول: «الموقف هو الموقف، وسيظل حتى وقف العدوان ورفع الحصار عنكم، مهما بلغ حجم التحدي».
وأصدر المشاط قراراً بتكليف محمد مفتاح القيام بأعمال رئيس مجلس الوزراء.
بدوره، أكد وزير الدفاع، اللواء الركن محمد العاطفي، جاهزية القوات المسلحة على المستويات كافة لمواجهة العدو الصهيوني المدعوم أميركياً، فيما قال رئيس أركان القوات المسلحة اليمنية، اللواء الركن محمد الغماري، إن استهداف الاحتلال «الإسرائيلي» للأحياء المدنية في العاصمة صنعاء لن يمر دون عقاب.
ويرى خبراء أن صنعاء تمكنت من امتصاص الصدمة في وقت وجيز لم يتوقعه كيان الاحتلال؛ فعلى المستوى السياسي، تماسكت المؤسسات في صنعاء سريعاً عبر تكليف رئيس وزراء بديل، ما أسقط رهان «تل أبيب» على إحداث فراغ سياسي.
وعسكرياً، رفعت وحدات الجيش والأمن جاهزيتها وأعلنت بوضوح أن الرد قادم، وأن «إسرائيل» ستدفع ثمناً باهظاً. وعلى المستوى الشعبي فإن الدماء ستوحد الصف أكثر وتعزز الالتفاف حول القيادة والقوات المسلحة والتفويض بالاستمرار في خيار المقاومة وإسناد غزة.
ويجمع الخبراء على أن «إسرائيل» باستهدافها قادة صنعاء المدنيين إنما أطلقت صفارة بداية مرحلة جديدة من الحرب، عنوانها: اليمن لا يُكسر، و»إسرائيل» لم تعد في مأمن.