نشوان دماج / لا ميديا -
يتجاوز الإجرام في مدينة تعز وباقي المدن المحتلة كل التوصيفات التي يمكن أن تتيحها اللغة. لكن عصابات الخونج ومرتزقة الاحتلال يتيحونها بكل سهولة ويسر، بل ودون أن يكلفهم ذلك سوى أن يوجهوا بنادقهم ويتركوها هي تتحدث عما هم عليه من خسة وانحطاط ونذالة وجبن ورخص بلا حدود. وطالما أنهم كذلك فإجرامهم هو أيضا بلا حدود. وأن تُقتل افتهان المشهري وسط الشارع وبتلك الطريقة البشعة من قبل عصابات الإجرام الخونجية التي تأمر وتنهى وتفعل ما تشاء بحماية ومباركة من قيادات وجهات تقول عن نفسها إنها أمنية وعسكرية، أمر ليس بمستغرب على الإطلاق ولا يمكن أن يشكل حرجا أو يحرك ذرة خجل عند كائنات تجردت عن كل مروءة. فهم مجرد مأجورين مرتزقة عند مأجورين ومرتزقة أمثالهم.
أحدثت جريمة القتل التي ارتكبتها عصابة تابعة لخونج التحالف في مدينة تعز المحتلة، الأربعاء المنصرم، بحق مديرة صندوق النظافة في المدينة افتهان المشهرى، صدمة كبرى في الشارع اليمني بعد أن وصل الإجرام بمرتزقة الاحتلال إلى استهداف امرأة عزلاء وإمطارها بوابل من الرصاص في جولة سنان وسط المدينة، ثم يلوذون بالفرار دون أن يعترض طريقهم أحد.
الجريمة لم تكسر فقط أعراف اليمن وتقاليده التي تحرّم استهداف النساء، بل كشفت عن حجم الإجرام الذي يتمتع به المرتزقة وفصائلهم المسلحة التي هي عبارة عن عصابات وبلاطجة يحكمون المدينة، وعن الفشل الأمني الصارخ والممنهج الذي سمح لهم بتحويل تعز إلى مسرح للاغتيالات والقتل.
ومثلما أن جريمة اغتيال افتهان المشهري ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لضحايا الاغتيالات التي تنفذها عناصر إجرامية منخرطة في وحدات عسكرية تابعة لخونج التحالف في تعز، فإن تلك الجريمة جاءت تتويجا لسلسلة من الاعتداءات وعمليات الابتزاز التي مورست ضدها من قبل تلك العصابات بل ومن قبل سلطات الارتزاق نفسها التي تحميهم وتدافع عنهم.

افتهان المشهري تكشف قتلتها
وذاك ما كشف عنه التسجيل الصوتي للضحية افتهان المشهري قبل أيام من مقتلها وهي تتحدث عن الابتزاز الذي مورس طيلة سنوات من قبل العصابة التي قتلتها والتي يأتي على رأسها المدعو جسار المخلافي بعد أن استوطن مبنى صندوق النظافة وراح يستقدم بلاطجته إلى المبنى تحت زعم حراسته، لينتهي المطاف بقيامهم بإغلاق المبنى وطرد الموظفين، وتوجيه تهديد واضح بأنه إذا لم تستجب المشهري لمطالبهم فإنهم سيقومون بقتلها.
المشهري أوضحت أن شخصا يدعى «جسار المخلافي» هو المتستر على أخد البلاطجة الذين قام هو باستقدامهم إلى المبنى، وأن ذلك الشخص بدأ بافتعال المشاكل وتهديد العاملين وإشهار السلاح بعد اتفاق بتولي المخلافي حراسة مبنى المكتب.
وتضيف المشهري أنه عندما قامت بإبلاغ سلطات الارتزاق بما يحدث تحركت حملة «أمنية» ليقوم «مدير الأمن» عن طريق أحد أقاربه بإبلاغ العصابة بالفرار، وبالتالي إدارة الأمن نفسها متواطئة مع القتلة.

المجرم جسار
المجرم جسار أحمد قاسم المخلافي، وهو ابن عم القيادي الخونجي المرتزق حمود سعيد قاسم المخلافي، وكان ينتحل منصب مدير مكتب التربية والتعليم في شرعب السلام التابع لحكومة الفنادق، وورد اسمه في سياق اتهامات متعلقة بمحاولة فرض إتاوات وابتزاز تحت مسمى «حق حماية» وباستخدام التهديد بالسلاح.
بتاريخ 18 آب/ أغسطس الماضي، وجهت المشهري رسالة رسمية إلى سلطات الارتزاق في تعز، أكدت فيها تعرضها لتهديدات بالتصفية من قبل نفس العصابة، وعن ابتزازات وصلت حد التعسف ضد صندوق النظافة وموظفيه، إلا أن تلك السلطات لم تقم بتقديم أي حماية لهم ولم تتعامل مع التهديدات سوى بالمزيد من التواطؤ سامحة للقتلة بالتمادي وتنفيذ جريمتهم الآثمة لكونها متورطة في قضايا مالية متعلقة بالصندوق.
وتؤكد الوثيقة أن سلطات الارتزاق المحلية والأمنية كانت على علم مسبق بهوية ونوايا العصابة التي قامت باغتيال المشهري، حيث سبق لها أن اقتحمت مقر إدارة الصندوق، وأغلقته بالقوة، وهددت المشهري بالقتل، وبالتالي كان لدى الجهات علم تام بهوية أولئك الأشخاص، ولم تتعامل مع تلك التهديدات بالجدية المطلوبة، مما أتاح للعصابة الفرصة لتنفيذ جريمتها في وضح النهار وإفراغ أكثر من 20 طلقة نارية في رأس الضحية بعد اعتراض طريقها.
كما تؤكد أن تلك الجهات متورطة في الجريمة بشكل مباشر، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول مدى علاقتها بالعصابات المنتشرة في كل أنحاء المدينة.

سبب الاغتيال
وبحسب مصادر مطلعة، فإن واحدا من الأسباب الرئيسية لجريمة مقتل افتهان المشهري هو أنها كانت تعمل على ملف مالي حساس يتعلق بإيرادات الصندوق، التي تتجاوز 300 مليون ريال شهرياً، وتُتهم جهات نافذة في سلطات الارتزاق المحلية والأمنية والعسكرية بالسيطرة عليها وتقاسمها خارج الأطر الرسمية.
ووفقاً للمصادر، فإن المشهري كانت على وشك استكمال تحقيق موسّع بشأن ما وُصف بـ»العبث بالإيرادات»، وشرعت في خطوات عملية تهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة وإعادتها إلى الحساب الرسمي للصندوق لدى البنك المركزي.
وأكدت أن الضحية المشهري كانت قد دخلت في صراعات مباشرة مع قيادات خونجية نافذة رفضت إجراءاتها، وتعرضت نتيجة لذلك لضغوط متكررة وتهديدات مستمرة بالقتل، حيث كانت اقتربت من إنهاء المراحل الأخيرة لكشف الجهات المتورطة وضمان تثبيت موارد الصندوق، ما جعلها في مرمى الاستهداف.

تظاهرات غاضبة
إلى ذلك، تشهد مدينة تعز المحتلة حالة احتقان غير مسبوقة، تنديدا بجريمة مقتل مديرة صندوق النظافة والتحسين، افتهان المشهري، وتحميل سلطات الارتزاق المسؤولية كاملة عن الانفلات الأمني وعجزها عن ملاحقة القتلة أو كشف خيوط الجريمة.
وشهدت شوارع تعز، أمس، تظاهرات جماهيرية غاضبة، شارك فيها الآلاف من أبناء المدينة مرددين الهتافات المطالبة بسرعة القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، ومؤكدين أن دماء المشهري لن تذهب هدرًا.
ورفع المتظاهرون لافتات وصورًا للمشهري، حملت شعارات تدعو إلى إنصافها ووضع حد لحوادث الاغتيالات والفوضى الأمنية التي تشهدها المدينة المحتلة.
وأطلق المتظاهرون هتافات من أمام مبنى سلطات الارتزاق من مثل (يا عصابة يا عصابة خليتوا تعز خرابة) مطالبين بإقالة المرتزق نبيل شمسان المنتحل منصب محافظ تعز والمرتزق خالد فاضل قائد محور تعز الخونجي والمرتزق منصور الأكحلي مدير الأمن، وجميع قيادات الخونج العسكرية والأمنية التي قامت بتحويل المدينة إلى وكر لعصاباتها الإجرامية.
كما طالبوا بكشف ملابسات الجريمة، ووقف مسلسل الانفلات الأمني الذي يعصف بالمدينة ويدفع ثمنه المواطنون والمدنيون، مؤكدين أن اغتيال افتهان المشهري هي جريمة بحق الإنسانية، واغتيالها لا يعني اغتيال امرأة فقط، وإنما اغتيال للمدينة وعمل إرهابي جبان يتنافى مع قيم اليمنيين وأخلاقهم الأصيلة، ولا يمت بصلة إلى تاريخهم.
ومن المتوقع أن تشهد المدينة صباح اليوم تظاهرة حاشدة كان قد دعا إليها ناشطون وحقوقيون مساء الجمعة للخروج في وجه القتلة والمجرمين الحقيقيين وطردهم من المدينة بكافة تشكيلاتهم ومكوناتهم.

إضراب لعمال النظافة
على الصعيد ذاته أعلن عمال النظافة بمدينة تعز المحتلة إضرابهم الكامل عن العمل تنديدا بالجريمة. واحتشد المئات من عمال النظافة أمام مقر ما يسمى حزب الإصلاح، ومقر سلطات الارتزاق في المدينة، ونصبوا الخيام وبدأوا اعتصاما مفتوحا.
وشوهد تكدس القمامة في عدد من شوارع مدينة تعز فيما اصطفت شاحنات النظافة في طابور طويل في شارع جمال عبدالناصر الواقع في قلب المدينة مما أدى لشل هذا الشريان الرئيسي أمام المارة والمركبات.
كما نفذت مئات النساء وقفة حاشدة أمام مبنى ما تسمى إدارة الأمن للمطالبة بسرعة القبض على المتهمين وتقديمهم للعدالة، وحملن سلطات الخونج المسؤولية عن التراخي في ضبط الجناة.
وخلال الوقفة الاحتجاجية، أكدت المحتجات أنهن لن يغادرن المكان حتى القبض على القتلة وكشف ملابسات الجريمة.