«لا» 21 السياسي -
 «أحمد الشرع» يرى أن السعودية والإمارات وقطر نماذج حققت نجاحات كبيرة، عكس مصر والعراق اللذين أشار إليهما «الشرع» باستخفاف «شيك» جداً؛ إنهم يعني لهم نجاحات و»كده»، لكنها لا ترتقي لدول الخليج الثلاث المذكورة!
«الشرع» ينافق الإمارات، أشر دول المنطقة قاطبة والتي حتى استهانت به واعتقلت أحد رجالاته وهو عصام البويضاني، ويثني على السعودية، ويرى أن قطر، التي لا تعدو أن تكون سوى مستعمرة أمريكية في المنطقة، نموذجاً للريادة والنجاح! هذا هو المحزن فعلاً. دعك من المقارنة مع مصر والعراق، وكلاهما خصم لدود لـ«الشرع» في المنطقة ولا يتوقع أن يقول الرجل كلمة جيدة بحقهما أصلاً.
هذا تحديداً يخبرك عن النمط الذي يميل إليه المسؤول السوري. طبيعي أن يعجب «الشرع» بالنموذج القطري. الرجل نفسه تعرض للضرب على يد العبريين (بدل المرة عشراً)، واحتلوا أرضه في أربع نقاط حيوية في جبل الشيخ والقنيطرة، ثم توغل العدو داخل بلاده حتى اقترب من العاصمة لمسافة 20كم... ولم يفتح «الشرع» فمه بحرف واحد، بل وخرج مسؤولوه، من أكثرهم تفاهة وهو محافظ دمشق وحتى وزير خارجيته، يستحلفون العدو ألا يضربهم، لأن «سورية الشرع» لا تحمل للكيان أي عداء. لماذا يستغرب المرء -إذن- من إعجاب «أحمد الشرع» بقطر، وهي التي يهرول أميرها صوب أمريكا بعد ضربه من العدو، فيحلبه الأمريكيون من جديد لإقامة قاعدة عسكرية قطرية داخل أمريكا نفسها؟! الميول واضحة، وتزداد مع السعودية. هل مقياس التقدم عند «الشرع» هو الرياض؟! بلد تنشط فيه ملايين العمالة الأجنبية لتنقذ مواطناً كسولاً لا يمتلك التأهيل العلمي والمهني واليدوي الكافي لبناء وطنه، رغم أن تعداد سكان المملكة يجاوز 30 مليوناً، فيأتي المصري ليبني والسوداني ليدرس والبنغالي لينظف والأمريكي ليخطط...
السعودية هي فردوس «الشرع» المفقود! يا رجل، دولة يدخلها مليارا دولار يومياً ولا تستطيع حتى اللحظة صناعة مواطن يتولى كل شيء من الألف للياء! لا تستطيع صناعة جيش وطني يحمي حدودها، فتدفع الجزية لترامب مرتين في ولايتين مجموعهما يتخطى تريليون دولار! دولة تمتلك فوائض مالية لم يمتلكها بشر على وجه الكون، ولم نرَ منها عالِماً فذاً أو أديباً جذلاً أو مهندساً سامقاً أو أي حاجة والسلام، فراحت تعمل «موسم الرياض»، وبرضه تجيب مصريين يغنوا ويمثلوا، عشان لو اعتمدوا على مواطنيهم السعوديين سيفشل! «الشرع» معجب بالموسم، وإلا بمشروع «نيوم» الفاشل، وإلا بصفقات الأسلحة الأمريكية، وإلا النجاح العسكري الباهر وصواريخ الحوثي تدك مصافي النفط ومنشآت تكرير البترول وتصل للمطارات السعودية قبل سنوات، وهو الحوثي نفسه الذي حاصرته السعودية تسع سنوات، فآلمها بضرباته أضعاف ما أوجعته؟!
ما هي قصة النجاح السعودية التي يُعجب بها «الشرع» فعلاً؟! ربما يروقه فعلاً أن الرياض هي فتاة واشنطن المدللة في المنطقة، كما يسعى كذلك لاسترضاء الأمريكيين بإنشاء برج ترامب... ربما!
طيب، يعني قطر رعتك من وقت أن كنت متمرداً، واحتضنتك مع الأتراك، وأهّلتك سياسياً، وصرفت عليك في إدلب عندما كانت الاحتجاجات تطالك، وكثّر ألف خيرها، نسّقت مع الأتراك مسألة انقضاضك على الأسد، وصمت المجتمع الدولي كله على صعودك، حتى العدو الذي يرصد كل نملة في الأرض وفراشة في الجو، ترك طائراتك المسيّرة تتجول على حدوده دون اعتراض... حتى وصلنا للنقطة التي تجلس فيها أنت قبالة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، ديفيد بترايوس، وتتكلمان بود، ونعلم جيداً أن الاستخبارات الأمريكية لا تنسى أعداءها، وتلاحقهم ولو بعد ألف عام، ونعلم كذلك معنى أنك تتناسى ثارها معك وتتقاسم معك الطاولة وتتبادلان معاً الضحكات... لقطر فضل إذن، وللسعودية كذلك، التي تتوسط لدى ترامب لرفع العقوبات عنك؛ لكن أتعجب بالإمارات يا رجل؟! طيب هي أذاقت العرب الويلات، وما الفاشر ببعيد، وما القطاع وأهله ببعيد، وما اليمن ببعيد... سامحني يا (...)؛ نسيت والله أنك التقيت مسؤولي «أبو مازن» بدلاً من أبطال القطاع، أنك تعادي اليمن وأبطاله في صنعاء، ويقيناً ليس للسوداني ثمن عندك.
لا مانع لدى «الشرع» من بيع مبادئه. يستأسد جداً على إيران وحزب الجنوب؛ لأن لديه ثأراً معهما، ويذهب مهرولاً إلى بوتين في الكرملين وروسيا نفسها هي التي أطالت عمر بشار الأسد 8 سنوات عندما تدخلت عسكرياً؛ ويتضايق جداً من العراق، ويطبع عادي مع الإمارات... الفلوس، الفلوس وفقط.
هنيئاً لـ»الشرع» بأصدقائه الجدد، أولئك الذين سيفتحون له التطبيع مع العدو من بابه الأضيق والأحقر كما يليق بالظرف التعيس الذي نعيشه. وصحيح، نافق مهما تنافق، وتملق مهما تملق، سيظل الشعب السوري أقرب ما يكون للمصري والعراقي، شعوب حية، لديها واقع مرتبك ومأزوم بحكم الجذر التاريخي والحضاري والجغرافي الممتد في سابع أرض، ومستحيل أن تقارن وبلادها مع دول لقيطة في قلب الزمن، لا تمتلك سوى أطنان من المليارات ومجتمع يفتقد صفات الاجتماع البشري الطبيعي، إلا من تقبيل يد الأمير وتبويس لحيته! ويا رب أدم على سورية نعمة الأمان، ووحد أرضها الممزقة تحت أقدام الأمريكي والتركي والعبري... ولا تقلق إذا لم تستقر الأمور في دمشق، عاصمتنا الثانية، وإن احتجت عاصمتك الأولى، القاهرة، ستجد كذلك الباب مفتوحاً لألف وألفين ومليون واثنين من أهالينا السوريين، نتقاسم قوتنا معهم، ونتزاحم عند أبواب مطاعمهم، نأكل مكدوسهم ويلونون حوائطنا، ونحلم معاً بعالم أفضل... وصحيح، لن تجد خليجياً واحداً يستقبلهم وقتها ولا يستقبلك؛ فكما تنكروا لك ولشعبك سابقاً، سيتنكرون ألف مرة لاحقاً. حينذاك لن يشفع لك عندهم أنك كنت تقبّل أقدامهم. ثق في ذلك.

عبده فايد
كاتب وناشط مصري