واشنطـن:ضغط القتال ضد الحوثيين تسبب بسلسلة أعطال خطيرة للبحرية الأميركية
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
في الوقت الذي تتراكم فيه تقارير الاستخبارات ودوائر الأمن القومي الأمريكية حول ما تصفه بـ"تنامي قوة صنعاء"، لا سيما عقب معركة البحر الأحمر، يبدو أن صناع القرار في واشنطن لا يدركون أن اعترافهم المتكرر بهذه القوة لم يعد مجرد تقييم عسكري، بل وثيقة إقرار بهزيمة مشروع السيطرة على البحر الأحمر بعد ثلاثة عقود من الهيمنة الأمريكية المباشرة.
ففي جديد هذه الاعترافات كشفت تقارير تحقيقية جديدة صدرت في واشنطن، أن المعركة البحرية التي خاضتها القوات الأمريكية ضد القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، ألحقت خسائر فادحة في السفن والأفراد.
التقارير الصادرة عن البحرية الأمريكية، أمس الأول الخميس، حول سلسلة الحوادث البحرية البارزة والمكلفة خلال الحملة التي قادتها واشنطن ضد صنعاء، أكدت أن "ضغوط قتال الحوثيين في اليمن، كانت عاملاً رئيسياً في سلسلة من هذه الحوادث الخطيرة التي تعرضت لها البحرية الأمريكية". واصفة هذه المعركة بأنها "الأشد كثافة التي واجهتها الخدمة العسكرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية".
وتغطي التقارير الأربعة جانباً من الخسائر التي تعرضت لها البحرية الأمريكية خلال الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2024م الى أيار/ مايو 2025م، بينما كانت حاملة الطائرات يو إس إس هاري ترومان والسفن الحربية المرافقة لها، مُكلفة بتنفيذ ضربات جوية وبحرية على اليمن، لموقف صنعاء من العدوان الصهيوني على غزة، وتركزت التحقيقات في الحوادث التي تسببت بخسارة ثلاث طائرات من طراز إف/إيه-18 سوبر هورنت، والاصطدام بين ترومان وسفينة تجارية.
وأفادت وكالة "أستوشيتد برس" الأمريكية بأن "التقارير مجتمعة تُصوِّر حاملة طائراتٍ لم تُعرَّض لهجماتٍ صاروخيةٍ مُنتظمةٍ أرهقت الطاقم فحسب، بل تَعرَّضت أيضًا لضغوطٍ تشغيليةٍ أخرى ضغطت على كبار القادة لدرجةٍ جعلت قبطان السفينة وملاحها يُعانيان من قلة النوم"، مشيرة إلى أنه وفي بعض الحالات، "تسبب القتال العنيف في فقدان الطاقم حسهم بالهدف".
وأوضحت بأن أحد التقارير وجد أن "العمليات القتالية المكثفة أدت إلى خدر بين أفراد الطاقم وفقد بعض البحارة رؤية الغرض من دورهم في المهمة".
رد فعل أسرع من المتوقع
معهد البحرية الأمريكية نشر تقريراً موجزاً عن تلك التحقيقات، لافتاً إلى أن مسؤولين عسكريين أمريكيين "أكدوا في اتصال مع الصحفيين يوم الخميس، على وتيرة العمليات العالية في البحر الأحمر، حيث تعرض البحارة مرارا وتكراراً لنيران الطائرات المسيرة والصواريخ اليمنية".
نتائج التحقيقات تطرقت إلى أول معركة تخوضها حاملات الطائرات "ترومان" مع قوات صنعاء، وذلك في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2024م، والتي نتج عنها إسقاط طائرة من طراز إف/ إيه-18 سوبر هورنت.
وجاء في التقرير "في ذلك السبت، طارت موجات من طائرات سوبر هورنيت من حاملة الطائرات هاري إس ترومان إلى اليمن لضرب أهداف الحوثيين بينما كانت الغواصات جيتيسبيرج، ستاوت، ويو إس إس جيسون دونهام (DDG-109)، ويو إس إس سوليفان (DDG-68) ومجموعة من طائرات سوبر هورنيت الدفاعية المضادة للطائرات تعمل بالقرب من حاملة الطائرات".
وأضاف "بعد إطلاق حزمة الضربات مباشرة تقريبًا، كان هناك رد فعل حوثي أسرع من المتوقع، مما أدى إلى استهداف واسع النطاق لطائرات التحالف المتاحة للتهديدات المحمولة جوًا". مشيراً إلى أن قوات صنعاء أطلقت "موجات من الطائرات المسيرة المضادة للسفن والطائرات الهجومية أحادية الاتجاه لساعات"، وتكللت تلك المعركة بسقوط طائرة سوبر هورنت، نتيجة ما وصفه التقرير بنيران صديقة عندما فشل الطراد جيتيسبيرغ تمييز طائرتين من ذات الطراز أثناء عودتهما للدفاع عن حاملة الطائرات فأطلق عليهما صاروخين ما أدى إلى إسقاط إحداها.
ويأتي هذا الاعتراف تأكيداً لما كانت القوات المسلحة اليمنية قد كشفته في بيان صادر عنها، حينها، من أنها نفذت هجمات معقدة بالطائرات المسيرة والصواريخ المضادة للسفن استهدفت من خلالها حاملة الطائرات، واستمرت المعركة لتسع ساعات تكللت بالتصدي للهجوم الأمريكي وإفشال جزء كبير من مخطط واسع للعدوان على اليمن وإجبار حاملة الطائرات على الفرار إلى شمال البحر الأحمر.
وفي اعتراف آخر، أوضحت تقارير التحقيقات تعرض حاملة الطائرات "ترومان" لخطر اقتراب صاروخ يمني منها بدرجة كبيرة، وذلك في هجوم بتاريخ 28 نيسان 2025م، الأمر الذي دفع ترومان إلى الانعطاف بسرعة فائقة هرباً من الصاروخ مما أدى إلى "انزلاق" مقاتلة سوبر هورنت وجرار السحب من سطح الحاملة وسقوطهما في البحر.
أما الطائرة الثالثة من ذات الطراز فقد سقطت بتاريخ 6 أيار/ مايو، أثناء محاولتها الهبوط على متن حاملة الطائرات، بحسب نتائج التحقيقات.
وفي السياق ذكر موقع "ذا وار زون" العسكري الأمريكي ضمن تناولاته لهذه النتائج أن مسؤولا أمريكيا أخبرهم أنه لم يتم العثور على أي من طائرات سوبر هورنت الثلاث.
وبحسب التقارير فقد "لاحظ المحققون أن الأفراد واجهوا صعوبة في تحقيق التوازن بين متطلبات الصيانة ومتطلبات التشغيل ومتطلبات الدفاع عن الهجمات اليمنية" وأن "العديد من الأفراد حددوا وتيرة التشغيل باعتبارها واحدا من التحديات الأكثر أهمية للبحارة المكلفين بصيانة المعدات".
جرس إنذار
وتعليقاً على ذلك نقلت "أسوشيتد برس" عن برادلي مارتن، الباحث البارز في مجال السياسات في مؤسسة راند والكابتن المتقاعد في البحرية الأمريكية، القول "إن الحوادث التي وقعت مع حاملة الطائرات ترومان كانت بمثابة جرس إنذار للبحرية بشأن متطلبات المعركة ومخاطر الإفراط في تحميل السفن وطاقمها".
وأضاف أن "الرسالة الواضحة من هذا الانتشار هي أن البحرية ليست مستعدة للتعامل مع حقيقة القتال الممتد"، موضحاً أن حاملة الطائرات ترومان "كانت بوضوح عند نقطة حيث كانت تعمل على حافة خشنة".
في المحصلة يرى مراقبون أن هذه التقارير الأمريكية تشير بوضوح إلى أن قدرات صنعاء البحرية والصاروخية دخلت مرحلة "فرض قواعد اشتباك"، وهو توصيف لا تستخدمه واشنطن إلا عندما تعترف بأنها فقدت هامش المبادرة. فصنعاء، كما توضح التقارير الأمريكية نفسها، لم تطور قدراتها عبر منظومات غربية، بل عبر هندسة ذاتية، وتجريب ميداني، وتراكُم خبرات انتُزعت من حرب طويلة لم تستطع فيها واشنطن وحلفاؤها شراء النصر.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا