تقرير / لا ميديا -
يواصل العدو الصهيوني تنفيذ سياسته القائمة على القتل المتعمد والإبادة البطيئة بحق الفلسطينيين، ضارباً عرض الحائط باتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025. ويوم أمس، وثّقت المستشفيات في قطاع غزة استشهاد سبعة فلسطينيين في مدينة غزة وشمال القطاع، في سلسلة جرائم تعبّر عن ذهنية الاحتلال، التي لا ترى في الفلسطينيين سوى أهداف مباحة للقتل.
الغارات والقصف والرصاص لم تتوقف. وارتقى ثلاثة شهداء وثلاثة جرحى في منطقة العطاطرة ببيت لاهيا، فيما استُشهد اثنان في حي الزيتون، وتعرض شاب في جباليا للقتل المباشر برصاص قوات الاحتلال. وكعادتها، حاولت قوات الاحتلال تغليف جرائمها برواية جاهزة مدفوعة بنزعة استعمارية متغولة، معلنةً قتل ثلاثة شبان بزعم تجاوز «الخط الأصفر»؛ وهو الادعاء الذي باتت تستخدمه لتبرير القتل الميداني ومصادرة حياة الفلسطينيين وكأنها لا شيء.
ومع هذه الجرائم، ترتفع الحصيلة البشرية لخروقات الاحتلال منذ إعلان وقف إطلاق النار إلى 367 شهيداً و953 جريحاً، بينما تستمر حصيلة الإبادة التي ينفذها العدو الصهيوني منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 في الارتفاع لتتجاوز 70,354 شهيداً و171,030 مصاباً. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل دليل على مشروع إبادة هدفه كسر المجتمع الفلسطيني بالكامل.
ولا يكتفي الاحتلال بسفك الدماء، بل يمضي في تدمير ما تبقى من القطاع عبر قصف جوي ومدفعي ونسف ممنهج للمنازل، كما حدث في حي الشجاعية الذي تحوّل إلى ركام.
الأمم المتحدة قدّرت تكلفة إعادة إعمار غزة بـ70 مليار دولار، لكن الاحتلال يعمل يومياً على تكريس واقع يجعل هذه التكلفة في ازدياد، في تطبيق مباشر لسياسة العدو الصهيوني الخبيثة لجعل قطاع غزة غير صالح للعيش.

الضفة الغربية مسرح مفتوح لجرائم الاحتلال
في الضفة الغربية المحتلة، يتكرر المشهد ذاته من الجريمة الصهيونية. أمس السبت، تحولت جنين وسلفيت والخليل ورام الله والقدس إلى مسرح مفتوح لجرائم الاحتلال واقتحاماته. ففي عرابة، واجهت المقاومة قوة صهيونية بعبوة محلية، فيما مارس جنود الاحتلال أبشع أشكال التعذيب بحق ثلاثة شبان من قراوة بني حسان قرب حاجز أريحا، حيث تعرض الشبان للضرب والتنكيل، في دليل على أن الاحتلال يمارس نزعة انتقامية بحتة.
وفي الخليل ورام الله والقدس، نفذ الاحتلال اعتقالات وتنكيلاً داخل المنازل، بما في ذلك تقييد وتعصيب أعين مواطنين. وفي مادما جنوب نابلس، أدى إطلاق الغاز السام بشكل كثيف إلى إصابة رضيع عمره 20 يوماً بالاختناق، في مشهد يلخص حقيقة هذا الكيان: قوة عسكرية مسعورة تستخدم العنف بلا سقف ضد أصغر البشر وأضعفهم.

دنبوع رام الله يقطع رواتب المقاومين
في شؤون الضفة الغربية المحتلة ذاتها، تصاعدت حالة الغضب الشعبي بعد أن أقدمت سلطة عباس على قطع رواتب أكثر من 12 ألف جريح من جرحى الانتفاضة، عقب أشهر من قطع رواتب الشهداء والأسرى، في خطوة قرئت فلسطينياً على نطاق واسع كعملية تجريف وطني تنفذها القيادة الرسمية نفسها ضدّ الفئة التي دفعت أثمان المواجهة مع الاحتلال الصهيوني. الجرحى يصفون القرار بأنه «طعنة سياسية» مُوجهة من الداخل، وأن سلطة عباس لم تعد سوى ذراع لتنفيذ إرادة واشنطن و»تل أبيب»، بعدما قبلت -طوعاً لا قسراً- تحويل قضية الشهداء والأسرى والجرحى إلى ملف إداري بلا قيمة وطنية.
ووفق المصادر الفلسطينية فإن نقل ملف الجرحى من مظلة منظمة التحرير إلى مؤسسة «التمكين الاقتصادي»، لم يكن -وفق الجرحى- إصلاحاً مالياً ولا إعادة هيكلة، بل عملية تجريد ممنهجة للجرحى من صفتهم النضالية. فالسلطة لم تكتفِ بقطع الرواتب، بل وأجبرت الجرحى على ملء استمارات وُصفت بأنها «مهينة ومتعمدة لإذلالهم»، الأمر الذي اعتبره الجرحى محاولة لوضعهم في خانة «المحتاجين» بدلاً من موقعهم الطبيعي كحاضنة شرعية للنضال الفلسطيني.
ووفق جرحى فلسطينيين فإن سلطة عباس -بتجاهلها الكامل لاحتجاجاتهم واعتصاماتهم- أثبتت أنها في موقع التضاد مع شعبها، وأنها تتعامل مع من قدّموا دماءهم كعبء مالي لا كركيزة وطنية.
وما يزيد الأمر سوءاً أن البنوك ترفض فتح حسابات للجرحى بحجة «المخاطر الأمنية»، والمؤسسات الرسمية تغلق أبوابها في وجوههم، بينما يكتفي مسؤولو سلطة عباس بإرسال موظف لاستلام المطالب دون أي التزام أو قرار. هذا السلوك، كما يقول ممثلو الجرحى، يعكس قيادة انفصلت عن مجتمعها وانخرطت في تلبية متطلبات أمريكا وأوروبا والعدو الصهيوني، والثمن هو سحق الفئات التي ناضلت ضد الاحتلال والتي صنعت شرعية سلطة عباس.
ووفق المصادر الفلسطينية فإن الجرحى، ومنهم معاقون ومبتورو الأطراف ويعيلون أسراً كبيرة، دون رواتب منذ ثلاثة أشهر. ويرى الفلسطينيون أن الجرحى، الذين شكّلوا خط الدفاع الأول عن القضية، أصبحوا اليوم بلا دخل، بلا رعاية، وبلا مكانة؛ لأن السلطة -كما يقولون- اختارت الاصطفاف مع شروط الخارج ضدّ دماء الداخل.
يُذكر أن سلطة عباس أصدرت مطلع العام الجاري مرسوماً، يقضي بـ»إلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى، والشهداء، والجرحى».