عادل بشر / لا ميديا -
يبدو أن تداعيات الهجمات اليمنية النوعية على العمق الصهيوني خلال معركة إسناد غزة، ستستمر في الأوساط العسكرية والأمنية والإعلامية «الإسرائيلية» إلى مدى غير قريب، ولن يستطيع الاحتلال أن يطوي صفحتها سريعاً. وفي كل مرة تتناول فيها التقارير العبرية، الرسمية وغير الرسمية، جانباً من تلك العمليات، يتأكد أن ما قامت به صنعاء لم يكن مجرد دعم رمزي لغزة، كما يحاول البعض تصويره، بل جبهة إسناد مكتملة الأركان، أعادت رسم توازنات القوة، وكشفت هشاشة ظلت «إسرائيل» تخفيها تحت ركام الدعاية العسكرية.
في جديد تلك التقارير، أعادت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أمس، تسليط الضوء على الهجوم اليمني الذي استهدف مطار «رامون» في مدينة أم الرشراش بفلسطين المحتلة مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، موضحة أنها لم تكن ضربة عابرة في سجل القصف المتصاعد حينها على العمق «الإسرائيلي»، بل لحظة كاشفة أفقدت المؤسسة العسكرية للاحتلال ما تبقى من يقينها بأن «الجبهة الداخلية» ستستطيع الصمود في حال اتسعت الحرب أو طال أمدها.
ونشرت الصحيفة اليمينية القريبة من دوائر الأمن الصهيوني، تقريراً بعنوان «مطار إسرائيل المنسي: مراقب الدولة يحذّر من تجاهل الأمن والسلامة في مطار رامون»، وصفت فيه الضربة اليمنية للمطار بأنها «هجوم موجع» كشف ما هو أبعد من ثغرة في محيط مطار تعده «إسرائيل» كبديل لمطار اللد «بن غوريون» النافذة الرئيسية للاحتلال على العالم.
ولعل أكثر ما يلفت في التقرير هو اعترافه الصريح بأن التحسن الأمني الذي قيل إنه جرى بعد تلك الضربة كان «غير كافٍ»، وأن المطار ما يزال «منسياً» من قبل الجهات الحكومية المعنية لدى الاحتلال. وهذه اللغة ليست مألوفة في الإعلام «الإسرائيلي» إلا عندما تكون الصدمة أكبر من قدرة المؤسسات على تغليفها.
وكانت القوات المسلحة اليمنية قد نفذت، في 7 أيلول/ سبتمبر 2025، عملية نوعية بعدد من الطائرات المُسيّرة، استهدفت مدينة أم الرشراش «إيلات»، وكان من نتائجها تحقيق ضربة مباشرة لمطار «رامون» بطائرة مُسيّرة تمكنت من اختراق منظومات الدفاعات الجوية والرادارات الصهيونية عالية التطور، والوصول إلى هدفها دون اكتشافها من قبل العدو.
وبحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» فقد أصدر ما يسمى بـ»مكتب مراقب الدولة ماتانياهو إنجلمان»، الثلاثاء الماضي، تقريراً حول هذه الضربة، بعد ثلاثة أشهر من حدوثها، منتقداً بشدة ما وصفه بـ«الثغرات الأمنية في المطار».
وأفاد التقرير بأن «هجوم الحوثيين في السابع من أيلول/ سبتمبر، استخدم أسلوب التحويل المعقد والمفاجأة لتحقيق النجاح».
وتعليقاً على ذلك، قال خبراء ومحللون «إسرائيليون» إن الهجوم لم يكن مجرد إصابة في صالة الركاب بمطار رامون، وإنما لقد فجّر هشاشة مكتومة حاولت «إسرائيل» إنكارها منذ الأيام الأولى لمعركة إسناد غزة، عندما بدأت مُسيّرات وصواريخ صنعاء تصل إلى عمق لم يكن أحد يتوقع أن يصبح ضمن نطاق الاشتباك. وأكدوا أن ما حدث في تلك الفترة من ضربات حاولت «تل أبيب» التقليل من شأنها، شكل أول دليل عملي على أن الجبهة الجنوبية للاحتلال ليست محمية كما يعتقد، وأن «المسافة الجغرافية» لم تعد درعاً يمكن الاحتماء بها.
ونقلت «جيروزاليم بوست» عن مسؤولين في جنوب فلسطين المحتلة أن «الهجوم على مطار رامون كان ناتجاً عن فقدان الموارد وقلة الاهتمام باليمن»، حدّ زعمهم.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن تقرير «مراقب الدولة» انتقد «سلطة المطار وشرطة إسرائيل ووزارة الصحة ونجمة داوود الحمراء، بسبب القصور في الاستعداد للرد على حدث يسفر عنه سقوط أعداد كبيرة من الضحايا»، موضحاً أن «شرطة الاحتلال فشلت في إنشاء آلية قيادة وتحكم وموظفين مخصصين لأمن مطار رامون، والتعامل مع أي حدث أمني أو أي حادث آخر -كما حدث في الضربة اليمنية- قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى».
في السياق ذاته تناولت وسائل عبرية أخرى التقرير ذاته، مشيرة في تعليقات لمحللين «إسرائيليين»، إلى أن ما جاء في تقرير «مراقب الدولة» يعكس حقيقة لا يمكن إخفاؤها، وهي أن الضربات اليمنية كانت مؤلمة، وتكنولوجيا الدفاعات المتطورة عجزت عن صدها، وفي بعض الأحيان عن اكتشافها، كما حدث في طائرة مطار رامون، وقبل ذلك الضربة التي استهدفت مطار اللد «بن غوريون» بصاروخ باليستي أصاب المطار مباشرة دون اعتراضه.
وقالوا إن «الهجوم على رامون يعيد إلى الواجهة سؤالاً أكبر، فإذا كان المطار الرئيسي والمطار الاحتياطي بهذه الدرجة من العجز، فكيف سيكون الوضع في حال استمرت الحرب على غزة وتصاعدت الهجمات اليمنية بشكل أقوى وبعدد أكثر من الصواريخ والطائرات المسيّرة؟! وكيف يمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يتحمّل ضربة في منشأة حيوية بينما مطارها البديل يصفه التقرير بأنه خاسر مالياً، ضعيف طبياً، ومنهك إدارياً؟!».
وبحسب المحللين فإن «رامون» و«بن غوريون» يبدوان اليوم كمرآة تعكس تناقضات السياسة الأمنية «الإسرائيلية»، بعد عامين من الاحتكاكات المتنوعة في الإقليم. منشأة أُنشئت لامتصاص الصدمات تحولت إلى نقطة تُظهر هشاشة البنية المؤسسية في مواجهة ضربات ذات دقة وتكتيك، وتكشف في الوقت نفسه أن إدارة التهديدات العابرة للحدود تتطلب استعداداً لا يرتبط بحجم الموقع أو أهميته الاقتصادية، بل بقدرته على الصمود في لحظة الاختبار.