الإذاعة ساحرة الجماهير.. تعدد وانتشار في زمن قياسي
حصيلة زمن العدوان أكثر من 20 إذاعة.. هل نهضت بالدور؟


للإذاعة عشاقها منذُ ظهور أول بث إذاعي عام 1906م؛ وتعد الإذاعة أهم الوسائل الصوتية المسموعة، وتسمى الإذاعة (الراديو) التي يرجع أصلها إلى الكلمة اللاتينية (راديوس)، وتعني نصف قطر. التسمية تنطبق على الإرسال الإذاعي، حيث تبث الموجات الكهرومغناطيسية مع تضمين الموجات الصوتية عبر الغلاف الجوي، على هيئة دوائر.. وخلال فترة العدوان انتشرت الكثير من الإذاعات تحت مسميات كبيرة وكثيرة، فمنها من كرّست رسالتها لمناهضة العدوان، وكوَّنت جبهة بحد ذاتها لا تختلف عن جبهة الأبطال في ميدان الوغى، وقاسمت المستمع همومه وأوجاعه لحظةً بلحظة.. ومنها ما تخصص في نشر التراث اليمني، ومنها ما جمع الميزتين معاً، ومنها التي تدور في حلقة مفرغة، ولم تستطع تحديد ماذا تريد بالضبط؟
(لا) التقت بعض مسؤولي تلك الإذاعات ومن تعاونوا معها بإيصال ماهية أهدافهم حول الإنشاء، والغاية منها في ظل تعدد ملحوظ وملفت..
انتشار في زمن قياسي..
تعتبر الإذاعة ساحرة الجماهير، فرغم وجود مغريات الشاشة الصغيرة، إلا أن الإذاعة ظلت محافظة على خصوصيتها، وعلى متابعيها في كل مكان وزمان، ومن هذا المنطلق تعددت وتنوّعت في الأهداف والمضامين، فخلال فترة العدوان انتشرت الكثير من الإذاعات إلى جانب إذاعة صنعاء الأم، ووصلت إلى ما يقارب الـ20 إذاعة كحصيلة أولية، والعدد في تزايد حتى تحرير هذه المادة.. ومن تلك الإذاعات التي اشتهرت واستوطنت قلوب جماهيرها إذاعة (يمن FM) التي كانت بداية نشأتها 2/12/2012م، كهدف اجتماعي، ثقافي، ترفيهي، سياسي، كما حدد هدفها من بداية البث الذي يصل إلى أكثر من محافظة، عبر تردد (النايل سات)، بل وتصل إلى الدول العربية كما قال المختصون بالإذاعة، إضافة إلى إذاعة (صوت الشعب) التي تأسست في منتصف 2015م، كجبهة إعلامية في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، ومنذ انطلاقتها عملت على أن تكون الإذاعة الرائدة، حيث تعتبر الوحيدة التي تغطي ما يقارب 18 محافظة من صعدة شمالاً إلى عدن جنوباً، ومن الحديدة غرباً إلى مأرب شرقاً، بالإضافة إلى تغطية نجران وجيزان وعسير داخل السعودية، حسب المختصين بالإذاعة، كذلك إذاعة (سام FM) إذاعة الحكمة اليمانية.. فبعد مرور أقل من عام على إطلاق بثها التجريبي من قلب العاصمة صنعاء، ظهيرة يوم القدس العالمي الموافق 28 رمضان 1435هـ / 25 يوليو 2014م، دشنت إذاعة ثورة (21 سبتمبر) (سام إف إم) بثها الرسمي، إذاعة يمنية حرة متنوعة تسعى لإحياء الحكمة اليمانية في نفوس وعقول المجتمع؛ لتستعيد معه السعادة لليمن السعيد من خلال النشاط الإعلامي التوعوي في أوساط المجتمع، وملامسة واقعه، وتناول قضاياه بأسلوب فني وعصري ممتع..
ومن الإذاعات الفنية المتخصصة (يمن ميوزك)، التي تأسست في 1 يناير 2014م في إطار العاصمة صنعاء، ثم توسع البث ليشمل 13 محافظة يمنية، لكن مع منتصف 2015م قصف العدوان أبراج الإذاعة في عيبان منطقة أظفار، حسب المختصين في الإذاعة، فعاودت البث ضمن نطاق أمانة العاصمة. ومن الإذاعات الفنية أيضاً (إيرام إف إم)، وحسب مختصي الإذاعة تأسست لتكون إذاعة ترفيهية بالدرجة الأولى تتضمن موسيقى يمنية، بالإضافة إلى برامج اجتماعية قصيرة ومنوعة، كما هو الحال في برنامج (روح وربشة)، والأخبار الكوميدية، وبرنامج (هدار وداوية)، وحسب ما يؤكد مديرها فإنها مستقلة وغير سياسية، كل ذلك بطابع ومحتوى يمني نابع من رؤية مؤسسوها لتعزيز الانتماء للهوية الوطنية.
ومن الإذاعات الثقافية (بانوراما إف إم)، التي تأسست مطلع 2016، وانطلق بثها عبر الأثير في 17/4/2016، وحسب المختصين بالإذاعة، فإن الهدف من إنشاء إذاعة (بانوراما إف إم يمن) في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، والضغوط الحالية على المواطن، هو التركيز على البرامج الثقافية والاجتماعية والصحية، وبرامج موجهة لشريحة ذوي الإعاقة، من خلال باقة برامجية تهدف إلى تثقيف المستمع بالدرجة الأولى، وكذلك البرامج الاجتماعية التي تلامس واقع المجتمع وطرحها وإيجاد الحلول للمشاكل التي تواجه الحياة اليومية..
كذلك إذاعة (وطن) لسان حال وزارة الداخلية، والتي تأسست قبل أشهر، لتكون حلقة وصل بين المواطن والمسؤول الأمني، إضافة إلى إذاعات كثيرة لم نجد تجاوباً من مسؤوليها كإذاعة (صوت اليمن)، والبعض الآخر حديثة النشأة.

رجع الصدى..
ولأن الإذاعات جمهورها متعدد في كل مكان، فهناك من يحملُ معه مذياعه الصغير أينما اتجه، والبعض يستخدمه كتطبيق على جهازه المحمول.. وما إن تمر بمكان ما حتى تسمع كل واحد مع الموجة التي يفضلها.. بالباص، والسيارة، والموتورات، وربات البيوت.. والكثير من جمهور الإذاعات، فكل له رؤيته حولها.. يقول بداية علي الحداء (موظف): خلال ظهور هذه الإذاعات هناك من تبنّت تكوين جبهة لمواجهة الإعلام الخارجي الكاذب والمزيف للحقائق، وهذا واجب الإعلام المحلي بشقيه الرسمي والخاص، كون المرحلة مرحلة جهاد، ولا مانع من وجود إذاعات تعالج قضايا الحياة المختلفة، التي تسير الحياة بشكل أقرب للحياة الطبيعية.. ويضيف: اللوم كل اللوم على إذاعات اتخذت مبدأ الحياد في مسيرتها، وكأنها لا تبث من وطنها اليمن. وهنا وجب على الدولة أن تضع موجّهات تسيّر هذه الإذاعات، وذلك خدمةً للمعركة التي يخوضها الوطن.
إن (كثرة الانتشار تخلق تنافساً، وكل حسب توجهه، وما يريد إيصاله للجمهور المستهدف)، بحسب ما قالته سامية حُميد (موظفة). أما أميرة الزوبة فترى من زاوية محتلفة: العديد من الإذاعات تسعى لتلبية حاجات الشعب. وحسب تعبيرها فإنها مع استمرارية المنافسة طالما هي تسعى لخدمة المجتمع.
تختلف مع سابقيها الإعلامية بشرى العشيري التي تقول: يلاحظ في هذه الفترة أن الإذاعات أصبحت كغثاء السيل بلا فائدة، وتلبي سياسات مالكيها فقط، وهناك إذاعات مسؤولة وترتقي بالفعل لتلبية طموحات المستمع اليمني، ولكنها قليلة بل نادرة.. وإذاعات أخرى تؤدي رسالتها كونها ذات استقلالية تامة، لكن الغالبية تؤدي مصالحها وسياساتها فقط. وصنف آخر بعيدة عن الهدف، وهناك إذاعات جيدة في إيصال أهدافها، بل وتتميز جداً برسالتها.

لماذا خفت وهج إذاعة صنعاء؟
إذاعة صنعاء (الإذاعة الأم) انحصر دورها في برنامج إذاعي واحد (يمن الصمود)، وهو ما جعل جمهورها الكبير يتساءل: أين برامجها؟ لماذا اختفت معظمها؟ والسؤال الأكثر مرارة خفوت وهجها، وكذلك أبرز مذيعيها... طرحت (لا) هذه التساؤلات على الأستاذ مطيع الفقيه، مدير البرامج في الإذاعة، الذي أوضح أن اقتصار إذاعة صنعاء فقط على (يمن الصمود) لسببين: الأول الحاجة الماسة لتقليص أعداد الطواقم في الإذاعة لتفادي غارات طائرات العدوان، كون إذاعة صنعاء أحد الأهداف المحتملة لها.. ويضيف: كنا نتنقل سرياً بشكل دائم، وهذا التنقل السري يحتاج أعداداً قليلة جداً. والسبب الآخر هو توقف مصروفات الباب الثاني المتعددة والكبيرة، واستبدلت بها وزارة المالية مصرفاً واحداً وضئيلاً تحت مسمى (مصرف الطوارئ) الذي تم تخفيضه تدريجياً ولم يعد يتجاوز اليوم 5% من مصروفات الباب الثاني.

تقليص عدد المذيعين
يصل إجمالي عدد مذيعات إذاعة صنعاء ومذيعيها إلى 60 شخصاً تقريباً، بينما المتواجدون الآن أقل من ذلك بكثير.. ويبرر الفقيه بالقول: كان لابد من التقليص للسبب المذكور آنفاً، في بداية الأمر كنا نقوم بالمناوبة بين جميع الطواقم على 4 فترات (يمن الصمود) في اليوم الواحد، وكان الجميع تقريباً يعملون إلا من أخذ إجازة بملء إرادته لأسباب أمنية أو سياسية. لكننا مع الوقت ومع استمرار تقليص مصرف الطوارئ، اضطررنا إلى تقليص عدد الفترات اليومية إلى فترتين فقط، وتركنا الأمر اختيارياً.. ولأن (البعض) اختفوا مما جعل المتابعين يتساءلون عن سبب اختفائهم.. وهو ما يوضحه الفقيه بالقول: بالفعل كان لابد من اختفاء عدد من المذيعين، وكذلك زملاء في الإدارات والأقسام الأخرى.. وكلهم زملاؤنا وإخوتنا، ونكن لهم كل حب وتقدير واحترام.. وأؤكد لكم أن الأمر كان ولا يزال اختيارياً منذ البداية حتى هذه اللحظة، ونرحب بكل من يرغب بالعودة واستئناف عمله. وقد تم ذلك بالفعل، وعاد مجموعة للعمل بعد توقفهم.

لم تفقد بريقها
ولأن المستمع يرى تراجعاً ملحوظاً وخفوتاً في وهج إذاعة صنعاء، يؤكد الفقيه: لم تفقد - يوماً - وهجها وبريقها، بل مازالت محتفظة بذلك البريق. ومن يعتقد أنها فقدت جزءاً من جمهورها فهو مخطئ، لأنها حقيقة اكتسبت جمهوراً جديداً يساوي أضعاف ما فقدته، وبإمكانكم عمل الاستبيانات الميدانية للتأكد. أما بالنسبة لفقد جمهورها في بعض المحافظات، فالسبب يعود لاستهداف العدوان محطات الإذاعة في تلك المحافظات، فكان غيابنا عنها إجبارياً.

كوكتيل إذاعي
ما هي الأهداف التي تسعى إليها الإذاعات، خاصة في الفترة الراهنة التي يواجه فيها الوطن عدواناً بشعاً؟ هذا التساؤل حملته صحيفة (لا) إلى القائمين على عدد من الإذاعات المحلية للإجابة عليه...
البداية كانت مع قصي عبدالوهاب المؤيد، مدير عام إذاعة (إيرام إف إم)، الذي قال: برامج الإذاعة الغنائية اليمنية الأصيلة تبعث جواً من التفاؤل، وبالتالي تساعد في الحفاظ على الروح المعنوية عندما يكون اليمني في أمس الحاجة إليها. وهذا ما يؤكده جمهورنا من مختلف الفئات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل الـsms للإذاعة.
عارف عقبات الكميم، المدير التنفيذي لإذاعة (يمن ميوزك إف إم)، يقول: برامج الإذاعة ترفيهية في المقام الأول.. لا يوجد بالإذاعة برامج سياسية أو نشرات أخبار، ونعتمد في بثنا على الموسيقى بنسبة 70%، والمساحة المتبقية نتحرك فيها ضمن إطار البرامج المختلفة عن السائد الإذاعي.. لدينا برنامج (قفشة)، وهو برنامج مقالب إذاعية ينفذه الكوميديان توفيق الأضرعي وعبدالرحمن الجوبي، وبرنامج (سهر الليالي)، وهو سهرة مفتوحة تقدمها الزميلة أمل محمود، ويحظى البرنامج بمتابعة جمهور كبير، لدرجة أن عدد الرسائل التي تصل للبرنامج يتجاوز 2000 رسالة في الحلقة الواحدة. لدينا أيضاً برنامج (ويك آب)، وهو برنامج صباحي منوع تقدمه زميلتنا فاطمة محمد، وبرنامج (الدوامة)، وهو برنامج مسابقات أسبوعي، وبرنامج (بللللم)، وهو برنامج كوميدي فكاهي ساخر.. ولدينا كثير من البرامج القصيرة والفواصل البرامجية والمسلسلات الإذاعية التي تستمر على مدار البث.. نعتمد بخارطتنا على الكيف البرامجي بعيداً عن الحشو الذي لا يضيف لك بقدر ما يعبئ مساحة لا أكثر..
أما زيد الغرسي، إذاعة (صوت الشعب)، فيقول بأن أهداف الإذاعة تتمثل في: التصدي للعدوان الأمريكي السعودي إعلامياً، وفضح جرائمه، وكشف مؤامراته ضد أبناء الشعب اليمني، ومواجهة تضليله الإعلامي وشائعاته، والعمل على زيادة الوعي لدى أبناء الشعب اليمني في ما يتعلق بشؤون حياته سياسياً واقتصادياً ومعنوياً.
بينما حمود شرف، إذاعة (سام إف إم)، يوضح أن الإذاعة تهدف إلى: تعزيز أواصر الإخاء والتعايش والقبول بالآخر وفقاً لمبادئ المجتمع وقيمه الإسلامية والعربية والقبلية والإنسانية الأصيلة، إحياء روح التراث والموروث اليمني الإسلامي والحضاري الأصيل في نفوس وعقول المجتمع، الإسهام في رفع الوعي المدني والسياسي والحقوقي والثقافي والاجتماعي في أوساط المجتمع، والتعبئة العامة لمواجهة كل الأخطار التي تحدق باليمن أرضاً وإنساناً كشأن لا يتجزأ عن شأن جغرافية وشعوب أمتنا العربية والإسلامية.. ويلخص علي الرحبي، المدير التنفيذي لإذاعة (بانوراما إف إم)، دور الإذاعة في الإسهام في كل المناسبات الوطنية وتغطيها في برامج مفتوحة في مواجهة العدوان الذي يتعرض له يمننا الحبيب.. وكذلك نركز في كل برامجنا الاجتماعية على المواضيع المركزة على روح التعاون والتآخي والصمود والوقوف صفاً واحداً والتوحد في مواجهة الغزاة.
وفي نفس المضمار تقف إذاعة (يمن إف إم)، حيث يقول ماهر الحمادي: خارطتنا البرامجية منذ اليوم الأول في مواجهة العدوان على بلادنا، من خلال التغطيات المباشرة والبرامج الوطنية المختلفة بإشراف الإدارة وقسم الأخبار والبرامج السياسية، حيث كان ومازال لدينا مساحة جيدة لمواجهة العدوان سواء عبر النشرات الإخبارية اليومية (السبع) أو البرامج الوطنية، فعلى سبيل المثال برنامج (هنا اليمن) للزميل محمد الداهية منذ بداية العدوان، وحقق نجاحاً كبيراً، ولديه جمهور واسع النطاق، استطاع أن يترجم رسالته ويوصلها إلى شعوب العالم كالشعب الأمريكي والبريطاني والماليزي والفرنسي، من خلال رسالة البرنامج والتنسيق مع بعض المغتربين اليمنيين، واستغلال جميع مواقع التواصل الاجتماعي.

دليل عافية ولكن..!
يرى الدكتور علي العمار، رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام، أن انتشار الإذاعات يعد أمراً إيجابياً، غير أنه يستدرك: لكن ما هو موجود لدينا من إذاعات يعد سلبياً، باعتبار أن دورها الإعلامي سطحي في الوقت الراهن، فهي إما إذاعات تناقش تفاهات شبابية في الوقت الذي يعيش فيه الوطن أسوأ مراحله على مر التاريخ، فهناك عدوان خارجي وحصار مطبق على الشعب.. وشعب يعاني كل هذه الأحداث، دماء تسال وفقر مدقع والإذاعات تناقش تفاهات شبابية، وفي المقابل هناك إذاعات تعمل على إشعال الفتنة والتحريض الطائفي والمناطقي، وتعمل على تفتيت المجتمع.

منعطف أخير..
الإذاعة صديقة الجماهير، لذا يجب أن تكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها، حتى تحافظ على جمهورها.. وكذلك على الجهات المختصة في وزارة الإعلام أن تعمل على تحديد أسس وقيم وطنية لعمل هذه الإذاعات، حتى تقوم بدورها على أكمل وجه، لا تقع في مزالق العبث والفوضى، وكي تمضي نحو الرقي بعقلية المتابع، وهو ما تنتهجه القلة من تلك الإذاعات، بينما تستخف به البعض الآخر.