الخيال ليس ذلك الذي يعني إعادة ترتيب الواقع ليرتفع به أو بنا, وإنما ذلك الذي يسرد لنا تفاصيل حياتية عادية ببساطة ساحرة تجعل من العادي والبسيط سحراً. ذلك الذي يقودك في حواري وأزقة الواقع، وفي تفاصيل الأمكنة، لا ذلك الذي يطير بك على بساط الريح فوقها. 
تتضمن رواية (صنعائي) للروائية ناريد الكوكباني, ملامح لواقعية سحرية يمنية تتجلى في حكايات الجدات, وذكريات حميد عن طفولته وعن أبيه وجدته ونسائه, وتعلقه الروحي بأبيه وجدته, وموتهما الذي لا يحول دون تواصله معهما. عندما يخبر الطفل (حميد) جدته بأنه ما زال يقابل والده ويراه دائماً, تخبره جدته بأن يسلم عليه. وحدها من يصدقه، ووحدها من تعود بعد موتها لتستكمل له حكاياتها المدهشة كما اعتادت قبل موتها! 
تفتتح الرواية حكايات الواقعية السحرية بحكاية حجرة (المنظر) التي (تجعلك قريباً من (إل مقة) إلهك الأثير وقمرك المعبود). لتنثر بعدها عقد الحكايات التي يمتزج فيها التاريخ بالأسطورة والواقع بالخرافة. من هذه الحكايات: قصة الأمير الشاب مع جنية قصر غمدان التي ولدها أبوها من دُبره وفر فزعاً فربتها منذ ولادتها شجرة. وقصة الحب التي جمعت راغب التركي بحبيبته الصنعانية في (حارة الأبهر)، ثم اختفاؤه دون أن يعرف عنه أحد شيئاً. وقصة موت جدة حورية (التي أغرقتها جنية بركة الماء الكبيرة في القرية) قبل ولادة حورية بعامين. وقصة أشجار (مقشامة حارة القاسمي) التي (تمسك فروعها بالأطفال (الورشين) وتُلقي بهم إلى جوفها ولا تخرجهم إلا بعد أن يكونوا قد بالوا على سراويلهم وقطعوا وعداً بطاعة أمهاتهم). والخرافات (المقدسة) التي تروجها النساء عن قدسية الجامع الكبير, ثم الصورة السحرية التي ينتهي إليها (حميد) و(صبحية) في عيون الأطفال وكأنهما مخلوقان فضائيان! 
واقعية سحرية مطرزة بحكايات الجدات والأساطير, في توظيف مدهش يمزج بين الأسطورة والواقع. لكن التوظيف الأكثر إدهاشاً هو توظيف أسطورة (البُدات) , في شخصية حورية وحكايتها. تلك الحكاية التي جعلت منها (أسطورة لتلك (البدة) التي سكنت (بحر رجرج) وجعلت نسوة الحارة يخشين على أزواجهن منها).
تحولت حورية في أعين المحيطين بها من النساء إلى فتاة (مخاوية) مسكونة بالجن نظراً لجرأتها ولقيامها بأعمال منزلية تُعجز الكثيرات لدرجة جعلتهن يعتقدن أن الجن يساعدونها في تلك الأعمال. ثم تحولت (في نظرهم إلى (بدة) لا يريدون إيذاءها أو تناقل أفعالها, بل العيش معها بسلام.. حتى لا تحولهم إلى كائنات أخرى يمكن أن تكون أي شيء إلا أن تكون من البشر). 
الدلالة الأولى لاختفاء (حورية) تكمن في اسمها وصفاتها التي تجمعها بالحوريات. والحوريات يسكنّ البحار والمحيطات, مثلما أن (حورية) تعيش في حارة (بحر رجرج). أما الدلالة الثانية لاختفائها فرمزية: تحوّل حورية في نظر من حولها من امرأة إلى (بدة) كان بسبب قوتها وجرأتها وتحررها وتميزها عن بقية النساء بملابسها الملونة. وتحولها من (بدة) إلى امرأة عادية جاء مع تماهيها مع بقية النساء أو تلاشيها فيهن. اختفاؤها الغامض يأتي مع تحولها من امرأة متحررة تلبس الثياب الزاهية، إلى اتشاحها بالسواد. من تحولها من امرأة يمكن تمييزها عن بقية النساء، إلى واحدة تشبه الملايين في سواد ثيابها.
التحول طرأ على شخصية (حورية) مرتين: من امرأة (بدة), لأنها متحررة ومميزة وترتدي الملابس الملونة, ثم إلى امرأة مثلها مثل بقية النساء اللواتي لا يمكن تمييزهن عن بعضهن البعض. ما يدل على خضوعها للأمر الواقع أو مسايرتها له. وقد يدل على التأثر بالمد الوهابي, أكثر مما يدل على توبتها عن اقتراف (الخطيئة) مع حميد! وقد يكون هذا الخضوع أو الهروب بسبب شعورها بأنها تحولت إلى امرأة عابرة في قلب حميد، بعد أن كانت الساكنة الوحيدة فيه. وهي لا تقبل أن تكون امرأة عابرة. قالت تخاطب صبحية: 
(حميد أصبح لا يفرق بين امرأة عابرة بالفؤاد وامرأة ساكنة في الفؤاد. بعد أن عرفك (حميد) يريد تحويلي إلى عابرة, وهذا لن يكون أبداً! لن أقبل عبور (حميد) بعد أن عشت سكنه وسكينته). 
خروج (حورية) من حياة (حميد) يوازي خروجها من الحياة! وتحولها من (بدة) تلبس الملابس الزاهية إلى امرأة تتشح بالسواد، حولها إلى امرأة عابرة كغيرها من العابرات الكثيرات في حياته. هذا على الأقل ما فهمته (حورية) من تغير حميد تجاهها!
اختفاء (حورية) يرمز لاختفاء المرأة والحياة الطبيعية والجمال والألوان، ويشير إلى بداية مرحلة جديدة قاتمة من تاريخ اليمن يسود فيها لون واحد ونمط واحد بتأثير من التدخل الخارجي في شؤون اليمن سياسياً ودينياً واجتماعياً. 
من مظاهر هذا التحول في المظهر أن لثام حورية كان (مميزاً بطريقة تظهر كحل العينين, والحاجبين المنمقين, ونصف الأنف الحاد... طريقة لثامها فيها ميوعة محببة للنفس تفصح عن جمالها الآسر... هذه الطريقة لا تروق لأغلب اليمنيين, يقولون إنها مغرية وتظهر مفاتن في الوجه المراد تغطيته, وبعضهم يقول إنها لثام النساء سيئات السمعة, الباحثات عن لفت الانتباه...). 
هكذا كانت (حورية) يوم كانت (بُدة) ثم تحولت إلى امرأة عابرة لا يعرفها أحد عندما اتشحت بالسواد الذي يغطي كامل جسدها! هو تحول, من تعدد الألوان إلى أحادية اللون الأسود, لم يصب (حورية) بقدر ما أصاب المدينة والبلد بكامله!
فقد كانت النساء تلبس ستارة واحدة, لكن ملونة وتضفي على كل من يرتديها صورة مختلفة ومميزة عن الأخريات. تلك الستارة كانت النساء (يتركنها متسربلة على أجسادهن فتضيف ألوان ملابسهن وألوان الستارة تلقائية الحياة وبهجتها.).  
التحول لم يطل المدينة فقط, بل والقرية. تقول (صبحية): (منذ عودتي إلى صنعاء لم أجد غير السواد مسيطراً على المظهر الخارجي للنساء... طغى السواد حتى على نساء القرى, بعد أن كن يجاهرن بزينتهن وبألوان ملابسهن وبصبغ وجوههن بالأعشاب الطبيعية... اختفت كل الألوان وساد لون واحد حزين...).
وهو تحول سلبي لم يصب المظهر فقط, بل وجوهر العلاقات الاجتماعية والإنسانية, فقد كانت (تربطهم مع بعضهم وشائج يمنية أصيلة تربُّوا عليها, وربوا أولادهم وبناتهم عليها. لا يتلصص أهل المدينة على بعضهم البعض, بل العكس, يغيرون على بعضهم البعض في الفرح وفي الحزن. كل هذا سمعته من أمي, لكني لم أكن أستوعبه تماماً, ولم أجده إلا بشكل نادر لدى بعض كبار السن وعلاقتهم الإنسانية بنساء وبنات المدينة...).
تقول (صبحية), مُقارنة بين جيلين: (شتان بين جدتي التي ربت أمي بذلك الهدوء والصراحة, وبين أمي التي تركت المدرسة والصديقات يقمن بدورها.). وشتان بين صنعاء القديمة حيث الجمال والهوية المعمارية المميزة، وبين صنعاء الجديدة التي تحولت إلى مدينة أخطبوط إسمنتية بلا هوية معمارية، ومقبرة تلتهم الموتى والأحياء, شتان بين اللوحة البديعة لصنعاء القديمة, والمدينة الجديدة التي تحولت إلى خلفية باهتة مترامية الأطراف. 
الرواية بهذا تمثل سيرة ترصد التحولات السلبية التي طرأت على الحياة الاجتماعية, مظهرها وجوهرها, وتحولها من حياة طبيعية تلقائية ملونة يسودها الود والتماسك, إلى حياة مقيدة بالأعراف والتقاليد والتدين الزائف, وقد سبق هذا التحول ورافقه تحول سياسي انتصرت فيه قوى الرجعية على قوى المدنية والحداثة.