
نقطة أمنية استحدثتها (المقاولة) تستقبلك في مدخل مدينة التربة من اتجاه الجنوب، تليها مباشرة خمس نقاط تفتيش أخرى، حتى تصل بك مروراً بالمدينة إلى المدخل الغربي.
قبل حوالي عام لم يكن هناك أي تواجد لمثل هذه النقاط في مداخل المدينة. أربعة إلى خمسة أشخاص دائماً من يشرف على كل نقطة، والمسؤول عليهم رجل يوحي من ملامحه وطول لحيته أنه سلفي أو إصلاحي أو أنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة المتواجد بشكل خفي في المدينة.
أبناء المديرية يتبرمون من تواجد نقاط التفتيش، من شدة ما يعانونه من تصرفات القائمين عليها بحق المارة القادمين من كل مكان إلى وسط مدينة التربة لقضاء حاجاتهم اليومية.
عارف سلام كان واحداً من آلاف المواطنين، قال إن الإصلاحيين استحدثوا هذه النقاط التي لا حاجة لنا فيها، وعلى أساس أنها تتبع (المقاولة) التي يسيطر عليها الإصلاحيون والسلفيون المتطرفون في المديرية، وهم يشرفون عليها. وأضاف أن الغرض من نقاط التفتيش الممتدة من أعلى (هيجة العبد) شرقاً وصولاً إلى مديرية المعافر غرباً، هو أولاً من أجل تمرير الأسلحة والذخيرة القادمة من عدن، وإيصالها إلى جبهات القتال التابعة لميليشيات الإصلاح والسلفيين والقاعدة في منطقتي المسراخ والضباب.
ثانياً، يقوم المشرفون على نقاط التفتيش بفرض الرسوم والجبايات غير القانونية على سائقي الشاحنات ووسائل النقل والسيارات المختلفة. أما الغرض الثالث، وهو الأهم ـ حسب اعتقاد عارف ـ بالنسبة لهم، هو الإشراف على عملية تهريب المشتقات التي يقوم بجلبها أشخاص محددون تابعون لحزب الإصلاح والقاعدة والسلفيين، من محافظة عدن، بأسعار رخيصة جداً، وبيعها في مدينة التربة وأسواق أخرى كسوق المركز والسمسرة والنشمة، وفي مدينة تعز، بأسعار السوق السوداء الباهظة.
والغرض الرابع هو تهريب مواد محظورة كالمبيدات والمفرقعات النارية والسجائر المهربة والأدوية الممنوعة، ومواد أخرى كالمساعدات الإنسانية التي تباع بدلاً من توزيعها للنازحين في المدارس والمخيمات والقرى التي تعج بهم أرياف مديرية الشمايتين ومدينة التربة بأعدادهم الغفيرة.
ويختم عارف تصريحه بالإشارة إلى المعاناة التي يلقاها المواطنون والمسافرون بالذات من قبل المشرفين على جميع نقاط التفتيش الممتدة من جنوب تعز وصولاً إلى التربة، وأساليبهم المستفزة، وتعنت وتأخير المواطنين من دون مراعاة ظروفهم الصعبة.
قصة اعتداء
أسامة عبد القوي، مواطن من أبناء مدينة التربة، يسرد حادثة الاعتداء الوحشي الذي نفذه أعضاء من حزب الإصلاح والسلفيين على الجيش، في شهر مارس من العام الماضي.
أثناء لقائنا معه في إحدى زوايا مدينة التربة، قال لصحيفة (لا) بلهجته القروية البسيطة إن محتجين هاجموا صباح الثلاثاء في مارس من العام الماضي، أفراداً من القوات الخاصة الذين كانوا متواجدين في مخيماتهم على أطراف المدينة، وقد قدموا إلى التربة من أجل تأمينها من الفوضى التي كانت حينها مشتعلة، وليس لغرض السيطرة على المدينة كما زعم الإصلاحيون في وسائلهم الإعلامية.
وتابع قصته بقوله إن أفراداً من القوات الخاصة كانوا يتواجدون في المدينة، وبعدد محدود، في أطرف المدينة والمجمع الحكومي، وقد تمكنوا من السيطرة على الوضع الأمني الهش في المدينة، وحافظوا على استقرارها، ولم يصدر منهم أي شيء تعسفي ضد أبناء المديرية والمدينة.
ويشير أسامة إلى أنه بعد حوالي أسبوعين من هذا الوضع، حشد حزب الإصلاح والجماعات السلفية طلاب الكليات والمدارس من القرى الريفية للخروج بهم في مسيرة في مدينة التربة، وكانت شعاراتها طائفية، وليس لها علاقة بالعمل المدني.
وأكد أن المسيرة كانت مدججة بكل أنواع السلاح المختلفة، واتجهت في صباح ذلك اليوم إلى المكان الذي كان أفراد من الجيش الوطني في مخيماتهم طرف المدينة، وقاموا بالهجوم والاعتداء عليهم بالهراوات والآلات الحادة، وإطلاق الرصاص من أسلحتهم النارية.
وأوضح أسامة أن أفراد الجيش الوطني بعد الاعتداء عليهم وإصابتهم بالجروح الكبيرة، لم يردوا عليهم أية طلقة حتى تمكنوا من الخروج من مدينة التربة نحو مدينة تعز.
تعبئة طائفية ينشرها حزب الإصلاح بين المواطنين
ينفث حزب الإصلاح والسلفيون أكاذيبهم وإشاعاتهم المغرضة والمليئة بالتحريض العنصري والطائفي، عبر وسائلهم الإعلامية ومواقعهم الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، في تعبئة المواطنين في الأرياف والأسواق التابعة لمديرية الشمايتين، وبشكل مستمر ومنظم. والغرض منه تغذية النزعة الطائفية العنصرية المقيتة، وخلق قصص عاطفية عارية عن الحقيقة، ولا تمت للواقع بصلة. هكذا يصف دكتور أكاديمي في كلية التربة، طلب عدم ذكر اسمه، دور حزب الإصلاح الإعلامي، وتحشيد المقاتلين البسطاء وعامة الناس تحت مبرر المقاومة، والزج بهم في جبهات القتال في منطقة الضباب ومديرية حيفان.
وأشار الأكاديمي إلى أن الإصلاحيين والسلفيين يستخدمون هذا الدور من أجل حفاظهم على مشروعهم الإقصائي الديني المتطرف داخل المديرية ومدينة التربة. وأضاف قائلاً إنهم لا يدافعون عن مشروع وطني، وإنما عن مشروعهم الديني الخاص، والدفاع عن شعاراتهم الطائفية والمناطقية وأكاذيبهم الباطلة.
واستغرب الدكتور الأكاديمي في حديثه بقوله: من يصدق أن الناصريين والاشتراكيين هم من يروجون لمثل هذه الإشاعات والخزعبلات الدينية، ويستبسلون من أجل الدفاع عنها وعن الجماعات الوهابية المتطرفة وحزب الإصلاح الإقصائي في تعز ومدينة التربة!
وتطرق قائلاً: لقد لاحظنا وشاهدنا بأم أعيننا الاشتراكيين وهم يتساقطون ضحايا الغدر من بعضهم البعض في الجبهات، ولا يعرفون من قاتلهم، وكما تأكد لنا أن من يقتلهم هم أعضاء من حزب الإصلاح، ودلالة على ذلك أن جميع القتلى الاشتراكيين والناصريين والمستقلين كانت إصاباتهم من خلف ظهورهم, وليس خلفهم سوى أعضاء من حزب الإصلاح والسلفيين في جبهات القتال، ولا يسمحون لأحد بالتمترس معهم هناك. هذا ما أكده لنا مقاتلون من وسط الجبهات.
الدكتور يصف الاشتراكيين والناصريين بأنهم يعملون ضد مشروعهم القومي الأممي، والبلد، وهم اليوم يخدمون العدوان وأعداءهم السابقين الذين أفتوا بقتلهم ومحاربتهم عبر الشعارات الوهابية والطائفية التي يقاتلون من أجلها اليوم.
وينصح الدكتور، في ختام تصريحه، الاشتراكيين والناصريين بالكف عن تحشيد رفاقهم والمواطنين من القرى، واستغلال ظروفهم المادية والزج بهم إلى جبهات القتال للدفاع عن مشروع حزب الإصلاح والسلفيين الوهابي المتطرف.
النازحون ورفض الحرب
ما تزال مدينة التربة تستقبل كل يوم عشرات الأسر النازحة القادمة من مدينة تعز، هروباً من الحرب وقصف العدوان السعودي الإجرامي على الأحياء السكنية.
قالوا لنا أثناء مقابلتهم إنهم مازالوا رهائن الخوف والتوجس والابتزاز الذي تمارسه عليهم (المقاولة) في مدينة التربة. أحمد ونجيب وأيمن وغالب، جميعهم نازحون فقدوا منازلهم وأعمالهم في مدينة تعز، واستقروا في التربة.
أما نجيب فقد قال إنه هرب من قصف الطيران الهمجي إلى التربة، وللأسف وجد نفس المعاناة، ويتوجس من قدوم الحرب مرة أخرى إليها، وأضاف أن الكثيرين هناك يتأهبون متوجسين خائفين من قدوم الحرب إلى مدينة التربة، وهذا بسبب ما تقوم به (المقاولة) من تدريب عسكري وتحويل المدينة ساحة للحرب.
ويشكو عدد من النازحين من تصرفات وممارسات الجماعات المتطرفة والإصلاح في المدينة، من قمع وتخويف وتهديد وتقييد لحريتهم، وفرض حالة طوارئ على المواطنين، واستخدام المدينة للأعمال العسكرية وإدخال السلاح وتخزينه في الأحياء السكنية.
ويضيف أحمد عبد الملك أن مليشيات الإصلاح والسلفيين تدرب أعضاءها من أجل محاربة المد المجوسي الإيراني، كما يزعمون، وتقوم بجمع التبرعات من المواطنين والتجار تحت هذا الشعار الطائفي.
ويقول مواطن آخر إن الإصلاحيين وقيادة (المقاولة) لا علاقة لهم بالمواطنين والنازحين، وهمهم الوحيد هو الارتزاق من السعودية، وتغذية مشروعهم الخاص، وإنتاج جماعات متطرفة تابعة لهم، كما حدث في تعز وعدن.
وقال: كان عليهم تجنيب المدينة من أية حرب، والاهتمام بما يخدم المدينة والسكان والنازحين الذين هم بحاجة ماسة إلى مساعدات مادية ومعنوية، وتوفير مساكن لهم ومدارس حتى يتمكن أطفالهم من مواصلة دراستهم، بعد أن انقطعوا عنها ما يقارب العام. بينما هناك نازحون في الأرياف لم يحصلوا على سكن، ووضعهم مأساوي للغاية.
فوضى وصراع على المناصب
أحد المشائخ في مدينة التربة، طلب عدم ذكر اسمه، قال بلهجة مليئة بالاستهزاء والتذمر، إن (المقاولة) تفرض سلطتها المتغطرسة على المواطنين بالقوة، وتفرز المواطنين على أسس مذهبية وطائفية من خلال آرائهم واتجاهاتهم وأصولهم العرقية، لم يكتفوا بذلك، بل أصبح الفرز بحسب الأسماء والألقاب. بالإضافة إلى التدخل بشكل تعسفي في المشاكل القضائية والجنائية والاجتماعية التي ليس لهم دراية بها، مما يسبب مشاكل أمنية كثيرة.
ويشير إلى أن (المقاومة) اتخذت قرارات بإقالة المدراء المؤهلين في المجمع الحكومي والمرافق الأمنية والصحية والتعليمية، وبشكل تعسفي، وعلى أساس ديني ومذهبي، وأقصت من يشكون بهم أو لا يؤيدونهم، وتعيين بدلاً عنهم أعضاء من أحزابهم غير المؤهلين من ليس لهم علاقة بإدارة المرافق الحكومية في المدينة. كما أكد أن هناك صراعاً بين الناصريين والإصلاح والاشتراكيين لأجل السيطرة على المناصب وإدارة المدينة كل لصالحه.
وتطرق الشيخ إلى أن (المقاولة) تقوم بتلفيق التهم الكاذبة والباطلة ضد كل من يريدون إقالته، وهذا ما حدث بحق مدير أمن مديرية الشمايتين في مدينة التربة (الجنيد) الذي أقيل بتهمة انتمائه إلى لقبه الجنيد.
مستشفى خليفة ضغط على كادره الطبي
يستقبل مستشفى خليفة يومياً عدداً كبيراً من الجرحى القادمين من جبهات القتال، وهذا ما يسبب ضغطاً على المستشفى وأجهزته وكادره الطبي الذين يرغمون بالقوة على العمل فوق طاقتهم اليومية.
ويقول طبيب يعمل في المستشفى إن المسلحين من مليشيات الإصلاح يهددونهم بالفصل، ويرغمونهم بقوة السلاح عندما يكونون متعبين أو قد انتهت فترة عملهم. أما الحديث عن حال المرضى الذين يصلون إلى المستشفى، قال إنهم لا يتلقون عناية، وأحياناً لا نجد أسرة لنستقبلهم، وهذا بسبب الضغط المستمر والحالات الكثيرة للجرحى القادمين من الجبهات.
مدينة مهملة
في هذه الزيارة الخاطفة إلى مدينة التربة، كانت المدينة مكتظة بالمواطنين والنازحين القادمين من المحافظات والمدن والأرياف، باعتبارها ملجأ وسوقهم الأخير لقضاء حاجاتهم اليومية. أسواق وأحياء المدينة تبدو للغريب كما لو أنها تعرضت لانتقام ممنهج من قبل المسؤولين عليها كأعضاء المجلس المحلي ومن لهم سلطة على المديرية والمدينة.
إذ تشاهد شوارع المدينة المنخور إسفلتها ووحل مياه الأمطار المتسخة تملأ حفر تفتحت وسط الشوارع، حتى أصبح السير عليها بشكل حذر تجنباً لـ(الطحس) والسقوط بين الوحل الداكن اللون. والمشهد الذي يلي هذا تقع عليه عينك، منظر أكوام القمامة والأتربة التي تنتصب بضخامتها الكثيفة ورائحة تطاردك من كل اتجاه تمضي فيه.
قال مواطن يسكن في المدينة إن هذا الوضع قد اعتاد عليه المواطنون بعد يأسهم من مناشدة الجهات المسؤولة التي لا تسمعهم.
وأضاف أنهم انشغلوا في التحشيد للمقاولة ومتابعة السياسة، وتركوا مهمتهم تجاه المدينة، بينما عمال النظافة لا يحصلون على مستحقاتهم وأدوات النظافة المقررة لهم يومياً.
المصدر خاص / لا