الغسيــل القــذر لتحالــف العــدوان يهــدد مراكــز الغسيــل الكلــوي
مجـــــازر صـــامتــة

ما إن تطأ قدماك حجرات ذلك المركز الصغير، حتى تلاحظ أن نزلاءه من مرضى الفشل الكلوي تقف خلف كل واحدٍ منهم قصة موجعة جعلته يُمسك بقشةِ (العافية)؛ التي وجدها بين جدران ذلك المركز الذي احتواه وحاول أن يخفف عنه معاناته... ولوحظ أن أكثر نزلائه من تعز، والحديدة، وذمار، وإب، وصعدة، وحجة، وهي المحافظات التي تضرر بعضها من جراء قصف مراكزها، بينما البعض الآخر بسبب الازدحام الشديد أو نقص الطاقة الاستيعابية، ورغم ذلك، إلا أن انعكاس الحصار القبيح أثّر بشكلٍ مباشرٍ على حياة المرضى، كاختفاء الأدوية.. صحيفة (لا) زارت مركز الغسيل الكلوي في المستشفى الجمهوري بصنعاء، والتقت المرضى الذين يتمنون أن تصغي المنظمات الإنسانية إلى نداءاتهم بتوفير الأدوية الضرورية المصاحبة للغسيل الكلوي، كون الكثير من المرضى قد يفارقون الحياة إذا لم تتوفر تلك الأدوية.. كما التقت مدير المركز الذي وضع النقاط على الحروف، وأوضح الكثير حول المركز...
ملائكة الرحمة
تأتي إلى مركز الغسيل الكلوي بمعدل مرتين في الأسبوع، منذ 8 أشهر.. تقول أم وهيب (ربة بيت): المركز يشعرني بنفسية أفضل، كوني كنت في مركز (الثورة)، لكنني شعرت بعدم اهتمامهم بالمريض، مما اضطرني أن أنتقل إلى مركز الغسيل بالجمهوري، وحقيقة أن الممرضين والإداريين والمشرفين على المركز كلهم يشعروننا كأننا (عائلة واحدة)، لأنهم فعلاً جسدوا مقولة (ملائكة الرحمة). وكانت الأمور تسير على ما يرام رغم الحصار الجائر، وما تسبب به من انعدامٍ للأدوية التي قد تجعل المريض يفارق الحياة لا سمح الله.
تختم أم وهيب: إلا أنه في الآونةِ الأخيرة بدأت مادة (الكالسيوم) بالاختفاء، مما اضطرني أن أشتريها بنفسي، لأن الغسيل لوحده لا يكفي، وقد تحصل لي مضاعفات كتشنج الأطراف، مما يجعل معاناتي تتضاعف، فحتى وإن لم تسمح الظروف أحاول أن أوفر حُقن (الكالسيوم) إذا أردت أن أشعر براحة بعد الغسيل. 

الحنان يساعدنا على التعافي!
لبنى دحان (ربة بيت) تقول: لي عامان أجيء إلى هنا بمعدل مرتين في الأسبوع، حيثُ كنتُ في مركز الغسيل بــ(الثورة) لمدة 3 شهور، فتعبتُ من سوء تعاملهم، كذلك عدم دقة مواعيدهم، ولأن ذلك زاد من تدهور حالتي النفسية قررت أن أنتقل إلى مركز (الجمهوري)، ومن يومها وأنا أشعر بأن معاناتي خفت، لأنهم جميعاً هنا يشعروننا بالأمان و(الحنان)، الذي أرى أنه يساعدنا على التعافي وتناسي ما نعانيه.
وتضيف لبنى: لكن المركز يحتاج إلى التفاتة من قبل المنظمات الإنسانية التي تدعي مساعدة الآخرين، لأن بعض الأدوية بدأت تختفي من المركز، والفقراء لا يستطيعون شراءها، وتستطرد: تخيلي أحياناً أكتفي بالغسيل لأنني لا أمتلك ثمن الدواء الذي يستخدم بعد الغسيل، وأعود بمضاعفات لا بأس بها، فأتمنى ألا تمر أمنيتنا هذه مرور الكرام على الجهات الإنسانية.

قنبلة (عطّان) قتلت زوجتي وأصابتني بالفشل الكلوي!
أما معاناة الأخ عبدالله علي الساري (رب أسرة) فهي أشد القصص مأساوية وجدناها في المركز، حيث إن وراء كل ما يعانيه (قنبلة عطّان) المشؤومة، لأنه حينها كان هو وزوجته فوق (التاكس) متجهين إلى منزل أحد أقاربهما، وفجأة سمعا دوي تلك القنبلةِ، ومن شدةِ الفاجعة أصيب هو بالفشلِ الكلوي، بينما زوجته فارقت الحياة عند غروب الشمس، لأنها لم تحتمل الصدمة، مخلفة وراءها 7 أطفال وزوجاً مكلوماً... 
يواصل الساري حكايته الموجعة والغصّة تملأ فمه: لحد الآن بعت نصف (عفش البيت) في غسيل الكُلى... وأحياناً لا أستطيع الوصول إلى هنا لأنني قد لا أجد (حق التاكس)، وأحياناً ثمن العلاج الذي كان يوفره المركز، فاختفى بسبب الحصار ووضع البلد بشكل عام الذي أثّر على كل شيء في حياتنا، من ضمنها الأدوية. 
وعن كيفية حصوله على الأدوية الضرورية، قال: أحياناً نضطر للتعامل مع جمعية (الرحمة)، ونأتي أحياناً وقد نفدت الكمية، فأضطر للاستدانة لأشتري العلاج لأنه ضروري جداً.

نتمنى الالتفاتة من فاعلي الخير
نجلاء المطري (ربة بيت) تقول: لي عامان و7 أشهر آتي إلى هنا، والأمور تمشي بسلاسة في المركز، فقط ينغص علينا اختفاء بعض المواد من المركز، التي حاول القائمون عليه أن يوفروها لنا حتى فترة قريبة، فغالباً نشتري الأدوية لأن عدم الالتزام بها يسبب مضاعفات كارتفاع الضغط، وكذلك السموم التي يخففها الغسيل الكلوي، فنتمنى من الجهاتِ الإنسانية وفاعلي الخير الالتفات إلى هذا المركز الجميل الذي يخفف معاناتنا، ويحاول جاهداً توفير اللازم في حدود إمكانياته.

حجرة (Positive)
بعد أن غادرنا حجرة (Negative)، التي تعتبر حجرة خالية من حاملي فيروس P.C، انتقلنا إلى حجرة (Positive) التي هي حجرة (عازلة) تماماً خشية انتقال المرض إلى الأصحاء، ويتم التعامل معها بحذرٍ شديد وطرق خاصة جداً، عن ذلك تحدث الأخ إبراهيم الشريف (ممرض في نفس الحجرة) حيث قال: نتعامل هنا بحذر شديد كون فيروس (الكبد) سريع الانتقال، لذلك يحتاج تعاملاً خاصاً وحذراً شديداً، من ضمن تلك الإجراءات: لبس (الجلافس)، والكمامات، وتعقيم الأيدي، حتى على مستوى الحقنة نتعامل معها بحذر لأن عن طريقها قد يصاب العاملون لا سمح الله.
وعن كيفية معرفة المريض السليم من المصاب، قال: في البداية يخضع المريض لفحص عام، وإذا طلع في الفحص أنه حامل للفيروس، يتم وضعه في حجرة (العزل)، بينما العكس تماماً مع المريض غير الحامل للفيروس نتعامل معه طبيعياً.
وختم الشريف بأمنية يأمل أن تتحقق: كتوسع المركز ليقدم خدمات أكبر للمرضى، ويتم استيعاب الكثير منهم، وتوفير الأدوية التي يعاني النقص منها، وأن تستجيب المنظمات الإنسانية لنداءات المرضى في المركز.

السبب الإهمال..
وفي نفس الحجرة التقينا الأخت أسيل محمد (طالبة جامعية) التي قالت: لم أكن حاملة للفيروس، ولكن بسبب الإهمال في مركز الغسيل بمستشفى (الثورة)، وعدم النظافة لديهم، جعلوني حاملة للفيروس عن طريق نقل الدم، وصار لي 7 أشهر أتردد على مركز الغسيل هنا بــ(الجمهوري)، فشعرتُ صراحةً بكل اهتمام ورعاية، فقط المعاناة في نقص بعض الأدوية، التي نضطر لشرائها من خارج المركز، وأتمنى إيجاد حل لتوفيرها وتخفيف ما نعانيه. 

نضطر أحياناً لفتح جلسة (خامسة)
د. مجاهد الطياري، رئيس مركز الغسيل الكلوي بهيئة المستشفى الجمهوري، أوضح الكثير من الأمور حول المركز، كذلك رد على تساؤلات بعض المرضى حول اختفاء بعض الأدوية من المركز، والتي بدأها قائلاً: بالنسبة لاختفاء مادة (الكالسيوم) نحن بصدد المعاملة للطلبية، والتي ستخفف إن شاء الله من معاناة المرضى، لأن في البداية كانت منظمة (أطباء بلا حدود)، تصرف للمركز أدوية مع احتياجات الغسيل، لأن المركز لم يُعتمد مالياً حتى الآن، وإنما إدارة المستشفى ممثلة بمديرها د. نصر القدسي، تتعاون مع المركز لما يعانيه المرضى، تم التواصل مع المنظمات، وفاعلي الخير، والشركات، وإدارة المستشفى تكفلت بمرتبات للعاملين ليستمر المركز في مهامه الذي تم تدشين افتتاحه بتاريخ 19/6/2014م، وحالياً يعمل المركز بمعدل 4 جلسات في اليوم الواحد، بما يعادل 65 حالة، إضافة إلى الحالات الطارئة، كون المتوفر بالمركز 15 سريراً، بمعدل جلستين للمريض في الأسبوع.
ويضيف الطياري: أحياناً نضطر لفتح (جلسة خامسة) بعد موافقة رئيس الهيئة، في حال حصل للمراكز الأخرى طارئ، وأغلبية المرضى يأتوننا من تعز، وصعدة، والحديدة، وذمار، وإب، وحجة.. وذلك لثلاثةِ أسباب: إما عدم توفر المواد في تلك المحافظات، أو توقف العمل في المراكز بسبب القصف، أو الازدحام.
وعما إذا تم توسيع المركز قال الطياري: نأمل أن يستوعب المركز أكثر من خلال توسعته مستقبلاً، وإذا ما توفرت الميزانية التشغيلية ليس لدينا مانع من فتحه 24 ساعة أمام المرضى. وعن تأثير الحصار على أداء المركز قال: أثّر ذلك بشكل كبير، خاصة على زارعي الكُلى الذين يحتاجون إلى أدوية ضرورية جداً، وغيابها يعني أن تتدهور الحالة الصحية لزارع الكلى بسبب رفض الجسم للكلية المزروعة، وهذا يعني أيضاً خسارة كل الأموال التي أنفقها المريض في عملية الزراعة.

آخر الأوراق..
تلك إذن صورة مصغرة لمعاناة مرضى الفشل الكلوي، وما تسبب به عدوان غاشم على الوطن من حصارٍ جائر طال أمده، وبات يؤثر على حياةِ غالبية المواطنين، ومن هذا المنبر تدعو (لا) الجهات والمنظمات التي تهتم بحياةِ المرضى، إلى أن تلتفت لمعاناتهم وتخفيفها من خلال التنسيق مع المراكز الخاصة بغسيل الكُلى بشكلٍ عام، ومركز (المستشفى الجمهوري) بشكلٍ خاص، نظراً لانضباطه وتعاونه مع المرضى، وتهيئة الأجواء المناسبة التي افتقدوها في مراكز أخرى.