ستشكل ملحمة تحرير حلب نقطة تحول ليس على الصعيد السوري فحسب، وإنما على الساحة الدولية كذلك.. فقد جاءت انتصارات الجيش العربي السوري وقوات الجو- فضائية الروسية في حلب، رغماً عن موقف الولايات المتحدة وبقية رعاة الموت والتمزق، وأن مكافحة الإرهاب في سوريا سوف تستمر إلى أن يقضى عليه تماماً.
فى تطور مهم للحرب على الإرهاب في سوريا، سيطر الجيش العربي السوري على كامل مدينة حلب, لتبدأ غيوم الحرب تنقشع على واقع يختلف كلياً عما كانت تخطط له الجماعات المسلحة، لتظهر سوريا شامخة شموخ شعبها وقوية بقوة جيشها.
ومع طرد الجماعات الإرهابية المسلحة من آخر الأحياء الشرقية لحلب، اكتمل مشهد النصر الذي رسمته بطولات الجيش العربي السوري وحلفائه, لتعود حلب إلى أحضان أهلها وجيشها، وتمحي من الذاكرة مأساة الـ19 من يوليو 2012، عندما اقتحم آلاف الإرهابيين الأحياء الشرقية، ضاربة موعداً جديداً مع تاريخها، نافضة غبار 4 سنوات و5 أشهر من مدينة مقسومة تشكّل خطراً على كل البلاد.. فبعد أن رفض المسلحون الوقوف عند خطوطهم العسكريّة، مصرّين على كسر الجيش في خاصرة سوريا الاقتصادية، وثانية أكبر مدنها بعد العاصمة دمشق، حاولت أمريكا إنهاء المعارك في حلب عبر مجلس الأمن، كان لها ذلك أكثر من مرّة، ولكن عندما اتخذ الجيش وحلفاؤه قرار الحسم سقطت المشاريع الأمريكية والفرنسية في مجلس الأمن عبر الفيتو الروسي، تماماً كما سقط المسلّحون أمام الجيش وحلفائه بالضربة القاضية, لتلوذ هذه الجماعات الإرهابية بالفرارِ من مدينة حلب (عاصمة السنة في العالم الإسلامي - كما كانوا يعدونها) تحت جنح الظلام, ذائقة مرارة الهزيمة النكراء لها ولداعميها الإقليميين والدوليين.. فمع إعلان السلطات السورية أن مساحة المناطق الواقعة تحت سيطرة المسلحين في حلب تقلصت إلى 2.5 كم مربع, بدت من شوارع حلب ملامح الانتصار النهائي وإعادة المدينة إلى موقعها الطبيعي والتاريخي، فيما يواصل الجيش السوري وحلفاؤه معاركهم ضد بقايا الجماعات الإرهابية.. وفي ضوء هذه التطورات غادر المسلحون بدءاً من صباح الأربعاء الفائت، حيث خيار الخروج من المدينة كان الوحيد المتاح للمسلحين الذين تبادلوا الاتهامات وتحميل المسؤولية وراء الهزيمة.
فيما شهد الخميس الفائت خروج الدفعة الثانية من المسلحين من أحياء حلب الشرقية نحو الراشدين، وبلغ عدد الذين خرجوا من أحياء حلب الشرقية ضمن الدفعة الأولى 1150، بينهم جرحى وأهالي المسلحين، إضافة لعدد من العناصر المسلحة, وقام المسلحون بتفجير مستودعات أسلحتهم وإحراق مقراتهم ونقل أعضاء بشرية معهم، كانت قد انتزعت من الضحايا ومحفوطة في ثلاجات، قبيل خروجهم من شرق حلب. 
وعلى هذا المسار، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش السوري دمر معاقل للمتطرفين شرق حلب، بعد أن أكمل عملية إجلاء المسلحين الراغبين بالخروج وعائلاتهم من شرق حلب، وإخراج كل النساء والأطفال من مناطق سيطرة المسلحين، مشيرة إلى توقف عملية إخراج المسلحين, إثر انتهاك المسلحين في حلب للاتفاق واستئنافهم القتال بعد يوم من إعلان وقف إطلاق النار في المدينة.
وقال مركز المصالحة الروسي بقاعدة حميميم الجوية، في بيانه الذي نشره أمس الأول الجمعة، إنه أجلى أكثر من 4.5 ألف مسلح و337 مصاباً، وإجلاء أكثر من 9.5 ألف شخص من سكان الأحياء الشرقية في حلب.. وكانت آخر قافلة من المسلحين جرت إعادتها إلى داخل الأحياء الشرقية بعد تعليق عملية الإجلاء جراء إطلاق النار ومحاولة المسلحين تهريب أسلحة ثقيلة ومختطفين، الجمعة الفائتة.. لا شكّ في أن انتصار حلب سيعيد رسم خريطة المعركة القائمة منذ أكثر من 53 شهراً، ليس في حلب فحسب، بل في كافّة المدن السورية، فهجوم (داعش) الواسع على تدمر والبادية، هو نتيجة دفع أميركي وتركي لمحاولة الحدّ من تأثير انتصار حلب على نهاية الحرب في سوريا, لكن التحوّل الأعظم في حلب ربما يشير إلى إمكانية استعادة تدمر سريعاً، في مسار قطع الطريق على آمال تمزيق سوريا.. كما يثير توغّل (داعش) في تدمر بعد 8 أشهر من طرده، العديد من الأسئلة بشأن مواجهة تكتيك داعش الذي ينقل عناصره من مكان إلى آخر متنكّرين بثياب نساء.. لقد أصبحت القوات السورية قريبة من استكمال العملية العسكرية في حلب بشكل نهائي, بعد أن أسفرت العمليات الهجومية التي أجرتها القوات الحكومية السورية عن طرد المسلحين من كافة الأحياء التي كانوا يسيطرون عليها، ونجح الجيش السوري في تصفية أكثر من 900 إرهابي، وتدمير عشرات من وحدات الأسلحة الثقيلة والمعدات، وتمكنت الحكومة السورية من تحرير 11 حياً من أحياء شرق حلب من الإرهابيين. كما تمكن زهاء 110 آلاف مدني من مغادرة شرق المدينة، وانضم 1046 مركزاً سكنياً إلى عملية المصالحة.

إشارة المنازلة الكبرى
في الـ17 من الشهر الماضي انطلقت عمليات الجيش السوري وحلفائه لتطهير الأحياء الشرقية، وفي الـ27 من الشهر نفسه، تم تحرير حي هنانو، الذي يعد أكبر أحياء شرق حلب، وتم إخراج 150 مدنياً منه. وفي اليوم التالي تم تحرير أحياء الحيدرية والصاخور وعيدين، ما جعل الجيش السوري وحلفاءه يحررون ثلث الأحياء الشرقية لحلب، ويؤمنون خروج أعداد كبيرة من المدنيين. وفي الـ29 من الشهر الماضي، حرر الجيش وحلفاؤه محطة سليمان الحلبي لضخ مياه الشرب، إثر تحرير القسم الشمالي للأحياء الشرقية، بالتزامن مع نقل الحكومة السورية 90 ألف مدني إلى مناطق آمنة. وفي الـ30 من الشهر الفائت بسط الجيش السوري كامل سيطرته على حي الشيخ سعيد شرق حلب، وفي الثاني من الشهر الحالي، حرر الجيش وحلفاؤه 60% من الأحياء الشرقية لحلب، بعد تحرير حي الجزماتي وحي طريق الباب وأحياء كرم القاطرجي وباب النيرب والحلوانية. وفي اليوم الـ7 تمكن الجيش وحلفاؤه من تحرير الأحياء القديمة لحلب، بعد تقدم سريع استهدف مواقع المسلحين، وبسطت القوات السورية والحليفة سيطرتها على 50 حياً. وفي الـ9 من الشهر الجاري، بات الجيش وحلفاؤه يسيطرون على 93% من شرق حلب بعد تحرير أحياء باب النيرب والفرافرة وأغيور وكرم الجبل والشعار. وفي الـ12 من ديسمبر حررت الجيش السوري وحلفاؤه ما تبقى من الأحياء، وقاموا بتأمين خروج عشرات الآلاف من المدنيين، لتحتفل حلب وسكانها بطرد الإرهابيين.
ويعد تحرير مدينة حلب, ذا أهمية كبيرة من الناحية الاستراتيجية والنوعية على صعيد العمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه ضد الجماعات المسلحة.
فمنذ سقوطها في أواخر يوليو 2012 على يد الجيش الحر، سيطر أخطبوط الإرهاب على شهباء الشام، وتنوعت فصائلهم فيها عبر جماعات:1- الحزب الإسلامي التركستاني 2- حركة أحرار الشام (فصيل أساسي بالهجوم) 3- جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) 4- فيلق الشام 5- حركة نور الدين الزنكي. 6- جيش السنة. 7-جيش الإسلام. 8- الجبهة الشامية. 9- أجناد الشام. 10- لواء الحق. 11- جبهة أنصار الدين. 12- كتائب الصفوة-الجيش الحر. 13-جيش التحرير-الجيش الحر. 14- لواء صقور الجبل- الجيش الحر. 15- جيش المجاهدين- الجيش الحر. 16- تجمع فاستقم كما أمرت-الجيش الحر. 17- الفرقة الوسطى- الجيش الحر. 18- الفرقة 13-الجيش الحر. 19- كتائب ثوار الشام-الجيش الحر. 20- الفرقة الشمالية-الجيش الحر. 21- جيش النصر-الجيش الحر. 22- فرقة السلطان مراد-الجيش الحر.
ويجمع المراقبون والخبراء العسكريون على أن ما يجري في حلب اليوم يتعدى أن يكون معركة بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة أو فصائل معارضة أو متمردة. فهي بحسب هؤلاء حرب تقليدية بالمعنى العسكري للكلمة، وبين عدة جيوش: الجيش السوري وحلفاؤه من جهة؛ ومن جهة أخرى جيوش المحيسني والجولاني، التي تملك غرف عمليات وهيئات أركان أوروبية وأمريكية، ويقود معاركها ضباط سعوديون وقطريون وإماراتيون وأتراك وباكستانيون، إلى جانب مستشارين عسكريين من الولايات المتحدة وفرنسا يساهمون في القتال الدائر في حلب إلى جانب العصابات الإرهابية. 
وتمثل تركيا (رأس الحربة التي تستهدف سوريا)، حيث تنفذ السلطات التركية عدوانها ضد سوريا عن طريق عمليتها العسكرية (درع الفرات) في شمال البلاد، إلى جانب دعم التشكيلات الإرهابية، التي تحصل على أموال وأسلحة من قبل أنقرة.
انهيار كوبونات زائفة
مع انهيار الإرهابيين التكفيريين في حلب أمام تقدّم الجيش السوري وحلفائه، انهارت معنويات المنظومة الإعلامية وأبواقهم التي كانت (تطبّل) لبطولات مشروعهم الوهمي, وسقطت بشكل فادح ومضحك على واقع الضربات أمام الجيش العربي السوري وحلفائه.. استخدم الرافضون لنجاح القوات السورية، في تحرير مدينة حلب، من أيدي التنظيمات الإرهابية التي منيت بهزيمة كبيرة مؤخراً، النساء والأطفال كإحدى وسائل التشهير بالقوات السورية الحكومية واتهامها باستهداف المدنيين. 
كما ستخدموا صوراً قديمة في سوريا، وكذلك صوراً من قطاع غزة الفلسطيني، وصوراً من مجازر التحالف السعودي الأمريكي في اليمن، وصوراً من مجازر داعش في العراق، على أنها صور حديثة لمدينة حلب السورية، بعد سيطرة الجيش العربي السوري عليها بشكل كامل.
اللافت في الصور ليس افتقارها للدقة فقط، بل استخدامها من قبل وجوه إعلامية على أنها حقيقية دون التحري عن مدى مصداقيتها، علماً أن عملية بحث بسيطة تحيلك بثوانٍ، وفي أسوأ الأحوال بدقائق قليلة، إلى مصادرها الأصلية، لتجد نفسك في نهاية المطاف أمام صور تمت استعادتها إما من مكان وزمان آخر في سوريا وأخرى استحضرت من وراء الحدود، لتكون جزءاً من هذه الحرب الإعلامية.
وكانت صحيفة (إي بي سي) التركية كشفت، الأسبوع الماضي، أن الحكومة البريطانية تدفع عشرات آلاف الدولارات شهرياً إلى مؤسسة دعائية تعمل في تركيا، مقابل القيام بأعمال دعائية موجهة ضد سوريا، حيث أوضحت الصحيفة أن الحكومة البريطانية تدفع 17 ألف دولار شهرياً إلى كل واحد من الصحفيين العاملين في مؤسسة دعائية تسمى (آر إف إس)، ويديرها غربيون موجودون في تركيا، مقابل (نشر مقاطع فيديو وأعمال دعائية معادية للدولة السورية).

التماسيح تذرف الدموع
قامت فرنسا بإطفاء أنوار برج إيفل بباريس، تضامناً مع مأساة داعش وجبهة النصرة في حلب، طول ليل الأربعاء.. وانهارت معنويات الإرهاب العالمي المتمثل بجماعات الإخوان المسلمين والجماعات الوهابية وبعض دول الخليج وتركيا الأردوغانية ورعاتهم الغربيين، من هول مصيبتهم أمام مشهد تحرير حلب من جرذانهم.
بدورها لم تُخفِ حكومة الاحتلال الصهيوني قلقها من (مرحلة ما بعد حلب): انتصار الرئيس السوري بشار الأسد والحلفاء، والذي من شأنه أن يسرع الاستحقاقات التي راهنت تل أبيب طويلاً على إمكان إبعادها أو حتى إنهائها, ووصل القلق على حلب إلى حد أن يطالب عضو المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في الحكومة الصهيونية، الوزير آرييه درعي، رئيس وزرائه بضرورة الإسراع بطلب انعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن، للنظر في ما سماه (المجازر في حلب). . الوزير درعي، الذي بنى وآباؤه كيانهم على عظام وجماجم الشعب الفلسطيني وأطفاله ونسائه وشيوخه، وما زال، يطالب العالم ـ زوراً ـ بمنع قتل الدولة السورية لأبنائها... والأنكى أنّه قارن ما قال إنها (عمليات قتل رضّع ونساء حلب)، بالهولوكوست النازي ورواية الإبادة اليهودية.
وكان موضوع استعادة الدولة السورية لمدينة حلب، إضافة إلى بكاء درعي، محطّ اهتمام الإعلام العبري، وتحديداً من بوابة فقدان إسرائيل رافعة التأثير التي راهنت عليها طويلاً، لتحقيق مصالحها عبر حلفائها في الأهداف, إذ إن إحدى أهم النتائج المترتبة على انتصار الدولة السورية شمالاً، هو تعزز السيناريو الأسوأ من ناحية تل أبيب: ترسيخ الرئيس الأسد واستحالة عزله عسكرياً وسياسياً بحسب تعبيرات عبرية، كما فقدت إسرائيل خياريها المفضلين: (رحيل الأسد بالقوة العسكرية، أو بالاستسلام عبر تسوية سياسية). وإذا كانت (إسرائيل) أعلنت وتعلن أنها كانت تختار تنظيم داعش ليسيطر على سوريا إن خيّرت بينه وبين الأسد وحلفائه، فبالإمكان تصور موقفها الآن، ومدى التهديد الذي تستشرفه، جراء نجاح الدولة السورية في أهم مفصل ميداني في الحرب.
وأظهرت الضجة التي أثارها الغرب على وقع هزيمة مرتزقته في حلب، نفاق الغرب بشكل غير مسبوق, ففي الوقت الذي تؤكد فيه الأخبار الواردة من اليمن على وجود كارثة إنسانية كبرى، لم تشهدها منطقة الشرق من قبل، تفتك بالأطفال، بسبب المجاعة التي تسبب بها العدوان السعودي\الأمريكي على اليمن منذ ما يقارب العامين، شاهد العالم كله، الثلاثاء الفائت، نفاق مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة سامانثا باور، وهي تتباكى على المسلحين المحاصرين في حلب، خلال كلمة لها أمام مجلس الأمن.
حاولت باور من خلال كلمتها الظهور بمظهر الملاك المدافع عن القيم الإنسانية، مما جعل مندوب روسيا يسخر منها بقوله إن مندوبة أمريكا تتحدث اليوم كأنها الأم تريزا، متناسية دور بلادها في صناعة الجماعات الإرهابية في العالم.