علــــى أيـــدي الاحتـــلال الأمريكـــي السعـــودي
الجنوب.. مضماراً لسباق الإرهاب نحو الخلافة


بلغت حصيلة التفجيرين الإرهابيين اللذين استهدفا في أسبوع تجمعات للمجندين الجنوبيين في معسكر الصولبان في مدينة عدن المحتلة، أكثر من 163 قتيلاً وجريحاً، حسب ما تداولته وسائل إعلام محلية ودولية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تشهد فيها المدينة المحتلة من قبل قوات تحالف العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقتها من مختلف الجنسيات، أعمالاً إرهابية تسفك دم أبنائها، فقد سبقتها عشرات التفجيرات الإرهابية منذ دخول المعتدين إليها، كما لن تكون الأخيرة ما دامت التنظيمات الإرهابية هي من تتولى زمام الأمور فيها تحت مسمى (مقاومة شعبية)، والتي سيطرت على المدينة بإيعاز من السعودية والمتحالفين معها.
العدوان يكمل ما بدأه هادي والإخوان  
دخلت قوات العدوان الغازية عدن اليمنية بعذر تحريرها وتأمينها من اليمنيين في الجيش واللجان الشعبية الذين هرعوا لنجدتها من مسلحي الفار هادي المنتمين لتنظيم القاعدة بعد أن سلمها لهم فور وصوله من صنعاء، ليسلبوا الجنود حياتهم داخل المعسكرات، ويستحوذوا على عتادهم, حيث تعرض جنود الأمن المركزي في معسكر السقاف حينها لأبشع مظاهر القتل ذبحاً على أيدي دواعش هادي والإخوان, ودهساً تحت مجنزرات الدبابات والمدرعات بأوامر من ضباط هادي والإخوان. غير أن قوى العدوان أصرت بعد دخولها وانسحاب أبطال الجيش واللجان الشعبية من المدينة لتجنيبها ويلات الحرب، على تسليمها من جديد لمسلحي التنظيمات الإرهابية الخاضعين لأوامرها، ليعيثوا إجراماً بالمدينة ومواطنيها الذين رحبوا بهم وهتفوا بشعاراتهم.
فبعد أن تمكن الجيش والأمن واللجان الشعبية في وقت قياسي من دحر عناصر القاعدة وداعش في محافظات عدة، بفعل ثورة 21 سبتمبر بقيادة أنصار الله، كادت الأمور تصل إلى نهاية سعيدة لليمنيين، كونه انكشف للعالم مدى ضعف وعجز العناصر الإرهابية عندما يدخلون في معاركَ مع مقاتلين حقيقيين، الأمر الذي شكّل لهذه التنظيمات ومَن يدعمها ضربةً استراتيجية، كانت ضمن العوامل التي أدَّت إلى شن العدوان العسكري المباشر من قبل السعودية وحلفائها على اليمن، لتحجيم خسارة التنظيمات الإرهابية الفادحة وانهيار عناوينها الطائفية، والتي كانت تعد ورقة رئيسة تستطيع من خلالها تلك الدول تنفيذ مشروعها, وتداركاً لتلك الخسارة والانهيار عمل العدوان على تمكين تنظيماته الإرهابية في بعض المحافظات الجنوبية كحضرموت، وعدن، وأبين، ومنح عناصرها حريةَ التحرك، مما يؤكد أن داعش وأخواتها حجر أساس في المشروع السعودي الصهيوأمريكي في اليمن والمنطقة بأكملها.. إن المتابع للشأن اليمني يرى أن ما تشهده عدن من تفجيرات وأعمال إرهابية شهدتها صنعاء عندما كان العميل هادي والإخوان على رأس السلطة, فقد شهدت صنعاء إبان تلك الفترة عدة عمليات إرهابية هزتها ومواطنيها، مثل التفجير الانتحاري الذي استهدف جنود الأمن المركزي في ميدان السبعين أثناء تدربهم للمشاركة في العرض الاحتفالي بعيد الوحدة، حيث كانت حصيلته أكثر من 100 شهيد, وقد أشارت مسبقاً مصادر أمنية خاصة لصحيفة (لا) إلى أن قيادة الأمن المركزي وقتها أمرت بإجراء التدريبات للجنود المشاركين داخل المعسكر لدواعٍ أمنية, إلا أن أوامر هادي ووزير الداخلية وكذلك رئيس الوزراء حينها وجهت بأن يكون التدريب خارج أسوار المعسكر، دون أي مبررات لذلك، وفي اليوم الأول لإخراج الجنود حسب التوجيهات خارج معسكرهم، تسلل انتحاريون إلى أوساطهم، وقاموا بتحقيق هدف الدنبوع وحكومة الإخوان من تلك الأوامر. كذلك ما حدث للطلاب المتقدمين للالتحاق بكلية الشرطة، والذين اصطفوا على باب النادي المجاور لمبنى الكلية منذ الليلة التي سبقت صباح التفجير, حيث قام أحد العناصر الإرهابية للإصلاح وهادي بوضع دباب مليء بالخضرة والمواد المتفجرة جوار صفوف الطلاب، وفجره من على بعد أمتار، ليحصد أرواح العشرات من الطلبة الجالسين على رصيف نادي ضباط الشرطة، وبعضهم كانوا لا يزالون نائمين وسط الزحام علهم يدفعون عن أجسادهم صقيع البرد، واتضحت الحقيقة بعد الجريمة بفترة أن من كان وراءها هو جلال نجل الفار هادي.
استمرت عمليات التصفية الإرهابية للجنود في الأمن والجيش والملتحقين بهم على طول فترة حكم عبد ربه منصور وزمرة الإخوان, فقد شهدت القوات الجوية عدداً من عمليات التفجير التي استهدفت عناصرها, وكذلك ما قامت به عناصر القاعدة التابعون لحزب الإصلاح في إب وشبوة من مجازر جماعية لأفراد الجيش والأمن, كان هذا كله يخدم مشروع أمريكا والدول المتحالفة معها في العدوان، وهو تمكين التنظيمات الإرهابية وكسر شوكة الجيش والأمن، وهو ما يحصل الان بالفعل في الجنوب المحتل.. وكانت هناك أيضاً عدة عمليات تخدم ذات المشروع، نفذها هادي وحزب الإصلاح في صنعاء، تمثلت في خلخلة الوضع الأمني، وإشعار المواطنين بالرعب، كاستهداف المساجد بانتحاريين، كما حصل في مسجدي بدر والحشوش وغيرهما, ويخدم المشروع في أنه يظهر أجهزة الأمن والجيش بصورة سيئة عند المواطنين، وهذا يساعد على كسر شوكتهم، ويمكن المنتفعين من ذلك بإدارة العنف في أوساط سكان العاصمة وغيرها من المناطق, ويشابه ذلك الآن ما يحدث في مدينة عدن التي لا يمر فيها يوم دون سماع أخبار حول تفجيرات إرهابية أو عمليات اغتيال ألحقت بالمواطنين ذعراً كبيراً، وجعلتهم تحت رحمة تلك التنظيمات الإرهابية، مثلما حدث في معسكر الصولبان.
لا شك في أن دوافع وحوافز الانتحاري الذي نفذ عملية الصولبان للقيام بها، استلهمها من فكرة بناء الخلافة الإسلامية، والتي تصب في خدمة مشروع العدوان السعودي الأمريكي في جنوب اليمن, والذي يتمثل بحسب آراء محللين سياسيين دوليين وعرب، في تفكيك النسيج المجتمعي وإدخال المجتمع في صراعات مستمرة بعد ضرب الجيش والأمن وكل من سيقف في وجه المشروع, ويشبه إلى حد كبير مشروع الدول ذاتها في كل من سوريا والعراق وليبيا العالقة في أتون الفوضى والصراع الطائفي.. لقد استغرق أبناء الجنوب فترة تجاوزت العام والنصف، ليبدأوا في إدراك حقيقة ما تسمى (عاصفة الحزم) التي أتت لتحريرهم من المجوس والرافضة حسب زعم القائمين عليها, واستشعروا حجم الخطر الكبير الذي تسببت به, ودل على ذلك تراجع الجنوبيين في اتهام القوى الوطنية بالضلوع وراء تلك الجرائم الإرهابية التي طالما كانوا يتهمونهم بها, وتوجيه الاتهام لدول العدوان ومرتزقته، وأن سبب تلك العمليات هو عدم قيام دول العدوان ومرتزقته بحفظ أمن المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها تلك التنظيمات الإرهابية منذ دخولهم إليها.
الجنوبيون يفيقون على مشروع الاحتلال
أفاق الجنوبيون مؤخراً على مشروع القوات الغازية التي اتضح لهم أنها أتت لتدميرهم وتفكيك نسيجهم الاجتماعي عبر الصراعات التي اندلعت بين جماعاتها المسلحة المنضوية تحت اسم (مقاومة شعبية)، لخدمة المطامع الخارجية التي يسعى المحتلون لنيلها من بوابة عدوانهم, وكذلك الصراع الحاصل بين جماعة السلفية التقليدية وجماعة الإخوان المسلمين، وأيضاً صراع السلفية التقليدية مع السلفية الجهادية، وكلها تجسد صراع الدول الغازية الداعمة لها على المنطقة الجنوبية.. ومثلت ردود أفعال المواطنين في عدن إزاء ضربات الإرهاب المزدوجة لمعسكر الصولبان  التي حصلت مؤخراً، والتي تشير إلى أن يد الإرهاب هي الطولى وموجودة في كل مكان في المدينة، وكذلك (العثور على 11 جثة مقطوعة الرأس، إضافة إلى 5 جثث أخرى ضمن حوادث تبناها تنظيم داعش)، مثلت هذه الردود بداية الإفاقة, حيث إنهم لم يوجهوا أصابع الاتهام كما جرت العادة نحو ما يسمونها (قاعدة عفاش) التي يسعى من خلالها للحصول على مكاسب سياسية في الجنوب حسب ما كانوا يدعون, بل إنهم بادروا بإلقاء اللوم على هادي وزمرة حكومته في الرياض الذين فشلوا في حماية عدن بإهمالهم وتقصيرهم في الجانب الأمني, وينطبق هذا أيضاً على ما سموها قوات التحالف التي مكنت داعش والقاعدة من السيطرة على مدينتهم، واستخدمتهما كأداة لإبقاء الفوضى الأمنية في المدينة سيدة الموقف، إلا أن الصراع اندلع بينهما في الآونة الأخيرة، حتى وصل الأمر إلى أن تنظيم القاعدة أدان التفجير الذي تبناه داعش بحق جنود معسكر الصولبان.. وبدا جلياً هدف العدوان من فتحه باب التجنيد في صفوف مرتزقته بين فترة وأخرى تحت مسمى تكوين جيش وطني تنال الحصة الأكبر قبيلة جنوبية مختلفة في كل مرة, وبعدها بفترة قصيرة تخسر تلك القبيلة أبناءها على أيدي الإرهابيين التابعين لدول العدوان، كما حصل قبل مدة للجنود من منطقة الصبيحة في لحج, وما حصل في معسكر الصولبان لأبناء قبيلة باكازم، حيث كان معظم قتلى التفجير منهم. وغرض ذلك هو تكوين جيش ضعيف وهش مكسور الشوكة حتى وإن كان تحت سيطرتهم وفي خدمة مشروعهم، ليظل بحاجة إلى دعمهم لمواجهة أولئك الإرهابيين، وهذا يشبه إلى حد كبير ما قام به الاحتلال الأمريكي في العراق عندما ادعى صنع جيش عراقي يحمي أرض وسيادة العراق, غير أن ذلك الجيش بدا ضعيفاً وهزيلاً في الحرب التي يخوضها مع داعش والقاعدة اللذين جلبهما الاحتلال, ويستمر في انتظار مساعدة الأمريكيين والأوروبيين حتى يحرز انتصاراً بسيطاً على تلك المجاميع المسلحة.

داعش ينقل مشروع الخلافة إلى جنوب اليمن
يعيش الجنوب اليمني حالة من الفوضى، في ظل غياب كامل لمؤسسات الدولة، منذ أن سيطرت عليه القوات الإماراتية والسعودية الغازية، منتصف عام 2015، الأمر الذي أوجد مناخاً خصباً لتقوم الجماعات الإرهابية بتثبيت قواعدها على الأرض، وممارسة أنشطتها بكل حرية.
الفوضى الأمنية التي يشهدها الجنوب اليمني، في ظل سيطرة الجماعات الإرهابية التي تتبع بعضها حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) وعلي محسن الأحمر، إلى جانب القوات المحتلة، بالإضافة لمسلحي الفار هادي، هذه الفوضى تنذر بخطر لا يقل كارثية عن خطر سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مناطق في سوريا والعراق، فقد شهدت مناطق عدة في الجنوب، خلال الأسابيع الماضية، عمليات إرهابية وجرائم، وأعمال فوضى، واشتباكات بين بعض الفصائل المسلحة فيها.
ويرى مراقبون أن الجنوب ضحية لمخطط العدوان في استهداف تماسكه وقضيته ومطالبه التي تتمثل في الحكم الذاتي فيدرالياً، حيث توحي المؤشرات أن حزب الإصلاح وعلي محسن الأحمر يقفون وراء مثل هذا المخطط بكونهم فقدوا نفوذهم في الشمال، ويريدون إبقاء الجنوب ساحة لينطلقوا منها لاستعادة الشمال، وذلك لن يتحقق إلا في حال استمرت الفوضى في اليمن.. وأكدت عدة مصادر سياسية، ودبلوماسية، أن الوضع في الجنوب أصبح مصدر قلق للكثير من القوى الدولية والإقليمية، خاصة ما يتعلق بكون القاعدة وداعش المستفيد الأكبر والمسيطر على الأرض، في حين لا تحرك قوات الاحتلال المتواجدة هناك ساكناً ضدهم، بل إن هناك من يرجح أن وجود تلك القوات يمنح الجماعات الإرهابية غطاءً لتتوسع وتسيطر أكثر ضمن توجه خليجي لتمكين داعش والقاعدة من الجنوب على غرار ما جرى في سوريا والعراق.
في الآونة الأخيرة بدأت تداعيات تحرير مدينة حلب السورية في التأثير على عدة ملفات بينها الملف اليمني، خاصة وضع الجنوب، حيث إن السعودية وتركيا بدأتا إرسال عناصر داعش الفارة من حلب إلى جنوب اليمن، كما أفادت المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام، ليلحقوا بمن سبقوهم في الدفعات الأولى القادمة من سوريا والعراق، حتى يؤسسوا خلافتهم من الجنوب اليمني المحتل, عن طريق دولتهم المسماة الإسلامية، والتي لا ينجح تأسيسها إلا عبر 3 مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الشوكة والنكاية: يقوم فيها التنظيم بتكوين خلايا منفصلة في مناطق معينة، مهمتها التحشيد واستقطاب الشباب وتأمين الدعم المالي واللوجستي، تبدأ بعدها بتنفيذ عمليات هجومية محددة ونوعية من حيث التوقيت والمكان، هدفها إرباك القوات الحكومية وتشتيت جهودها, ودفعها للانسحاب من تلك المناطق والحصول على الغنائم.
المرحلة الثانية: مرحلة إدارة التوحش: بعد أن تجبر مجموعات الشوكة والنكاية الأنظمة على الانسحاب من بعض المناطق، تحدث هناك فوضى عارمة ينتشر السلب والنهب والسرقة، ويكثر القتل، وتغيب القوانين (كما حدث في مناطق سورية عدة كمنبج والباب والرقة ودير الزور، والذي يشبه ما حدث في عدن وأبين ولحج). ويطلق منظّرو القاعدة اسم (التوحش) على هذا الوضع الاجتماعي، هنا تنتقل مجموعات النكاية من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، وهي إدارة العنف والأعمال التخريبية.
المرحلة الثالثة: مرحلة التمكين، وهي الأخيرة، وتتمثل في إنزال العقاب بمن يرتكب المعاصي ولا يلتزم بأداء الطاعات وتنفيذ الأوامر التي يصدرها التنظيم ويصفها بالربانية, ويعتقد قادة التنظيم أن تحقيق ذلك وتحويله إلى أمر واقع سيدفعان الناس إلى (الدخول في دينهم أفواجاً). وفي هذا التوقيت يُعلن عن قيام دولة الخلافة. وبعدها تبدأ الدولة بالتمدد إلى البلاد المجاورة وتضمها لتكون تحت رايتها، ولا بد من مبايعة إبراهيم عواد إبراهيم البدري المعروف بالبغدادي خليفة للمسلمين بعد هذه المرحلة.
إذن، فمشروع العدوان في الجنوب اليمني هو تمكين التنظيمات الإرهابية من تأسيس دولتها الإسلامية على أشلاء ودماء أبناء الجنوب، في حال فشلت في تأسيسها على دماء العراقيين والسوريين والليبيين، كونها تمكن السعودية وأمريكا وإسرائيل من إبقاء وصايتها على البلدان الرافضة للوصاية، والعازمة على السير في طريق التحرر والاستقلال السيادي.