تشهد مملكة بني سعود وضعاً متقلباً وغير مستقر على كافة الأصعدة الاقتصادية والدينية والعسكرية، في ظل تخبط واضح في سياسة مراهقها المدلل محمد بن سلمان الذي يسعى لتغيير شكل المملكة من حين إلى آخر، دون أية رؤية واضحة أو وجهة.
وعلى منصة التغييرات التي يجريها الأمير المراهق، والتي تركزت على إجراء بعض التعديلات على الهوية الجامعة الوهابية في سياسة حكم الدولة، وقف الأخير أمام العالم معترفاً بممارسة مملكته التطرف منذ عقود. 
حيث صرح الأمير المدلل، الأسبوع الماضي، بأن بلاده ستغير سياستها المتطرفة، وأنه سيعود بالمملكة إلى الإسلام الوسطي المعتدل، في تصريحات أثارت ضجة كبيرة من السخرية.
بن سلمان أكد في جلسة حوارية ضمن فعاليات منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض، الأربعاء الماضي، أنه سيقود بلاده بصورة معتدلة ومتحررة من الأفكار المتشددة.
إذا ما نظرنا لتصريحات بن سلمان المثيرة السخرية، والتي يقر فيها بطريقة غبية بدعم بلاده للإرهاب طوال العقود الماضية، فإن تصريحات الأمير المدلل ليست ارتجالية أو ذاتية، إذ إن الحديث عن تغيير سياسة المملكة من هواية التطرف إلى الوسطية ليس ببعيد عن التطورات الطارئة في المنطقة، إذ لم تكن الأخيرة سبباً رئيسياً دفع بالمراهق للحديث عن تغيير سياسة بلده. 
لا يبدو التغير المفاجئ في الحديث عن تغيير سياسات المملكة إلا نتاج هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة وانهيار النفوذ الأمريكي فيها. 
بشكل آخر، لا يبدو الحديث عن تبني العائلة السعودية المالكة سياسات جذرية ذاتية بمعزل عن البيت الأبيض، إلا مجالاً للسخرية في بلد نشأ أساساً على أيادٍ أمريكية خالصة.
إلى ذلك، لا تمارس السلطة الدينية في السعودية مهامها بمعزل عن القصور الملكية، بل إن سلطتي الدين والسياسة السعوديتين ليستا بمعزل عن البيت الأبيض، حيث ذكرت مصادر غربية خاصة أن هيئة علماء الدين في السعودية تدار من خلال خبراء استخبارات أمريكيين من غرفة عمليات خاصة في البيت الأبيض.
حديث بن سلمان عن الحريات والإسلام المعتدل لا يستقيم في بلد تحكمه عائلة واحدة دون أي قوانين أو تشريعات خاصة، إضافة إلى أن الرق لازال موجوداً حتى اليوم في المملكة، بالرغم من إصدار قانون بمنعه في ستينيات القرن الماضي، كما أن تعليم المرأة لم يُجز إلا في بدايات السبعينيات.
الحديث عن انفتاح في السياسة السعودية يبدو مبكراً وساذجاً في الوقت نفسه إذا ما دققنا النظر في الكثير من الملفات الشائكة في سياسة بني سعود القائمة، فعوضاً على إجازة الرق والعبودية فإن مملكة بني سعود بحسب معلومات مؤكدة تفرض الجزية على أهالي المنطقة الشرقية في القطيف والإحساء، وذلك بسبب انتمائهم للمذهب الإسماعيلي، في حين تسمح لأكثر من 100 ألف بريطاني وأمريكي من عسكريين ومدنيين بالعيش في القصور الملكية، وفتح مقرات ومعسكرات للاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية. 
مع ذلك، وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت بن سلمان لإجراء بعض التعديلات في الأمور الدينية، فإن الدولة الوهابية المتطرفة التي تحرم قيادة المرأة للسيارة تحلل قتل آلاف الأبرياء في اليمن وسوريا والعراق. 
من جهة أخرى، قال محمد بن سلمان لصحيفة (الغارديان) البريطانية، الأسبوع الماضي، إن التطرف القائم في بلاده وبعض الأنظمة العربية الأخرى جاء بعد العام 1979، أي بعد اندلاع الثورة الإيرانية. 
بخلاف صحة ما ذكره بن سلمان أو عدمها بشأن إيران، فإن تبرير الأخير بأن ممارسة بلاده الإرهاب وتصديره إلى مختلف أنحاء العالم، كانت بسبب الثورة الإيرانية، يستدعي السخرية اللاذعة أمام الكثير من الشواهد التي تثبت عكس ذلك تماماً. وإذا ما راجعنا التاريخ جيداً سنجد أن الإرهاب خُلق على يد الوهابية منذ زمن، وإلى بداية نشوء ما تسمى الدولة السعودية الأولى، مروراً بالدولة السعودية الثانية، ومن ثم الثالثة، والتي ارتكب فيها بنو سعود مجازر فادحة في حق أهالي نجد والحجاز والكويت والبحرين في عشرينيات القرن الماضي، كما أن تأسيس أول جماعة جهادية متطرفة في المنطقة كان في السعودية في بداية السبعينيات، والتي تبنتها الدولة السعودية بالعلن، وتحت لافتة محاربة النصارى في أفغانستان وشرق آسيا.
وفي نفس السياق، وبمفارقة ساذجة، تستمر مملكة العدو السعودي في شن هجماتها التحريضية على إيران باعتبارها العدو الأول للأمة، وتفتح الطريق أمام العدو الإسرائيلي، حيث بدأت الأولى تظهر علاقتها الاستراتيجية معه إلى العلن. وبحسب مصادر مطلعة فإن محمد بن سلمان قام بزيارة تل أبيب، الشهر الجاري، حسب تأكيدات وكالة الأنباء الفرنسية.
في سياق متصل، أعلن بن سلمان في إطار (خطة 2030)، عن خطط للبناء من الصفر لمدينة ساحلية تسمى (نيوم)، في البحر الأحمر، وتقدر قيمتها بنحو 500 مليار دولار. 
وبغض النظر عن إعلان مشروع بهذا المبلغ الضخم، فإن بناء مدينة من الصفر في هذا الوقت بالذات بعيداً عن المصالح الإسرائيلية الناتجة عنها، يشبه الوضع السعودي الحالي، فكيف سيكون شكل المملكة إذا عادت إلى نقطة الصفر؟! 
بغضون ذلك، تعيش العائلة الحاكمة في السعودية اليوم حالة من الترقب والخوف، وذلك بعد الأحكام التي يتبناها ولي عهد العائلة محمد بن سلمان، حيث يواصل الأخير اعتقالاته للأمراء والمشائخ في إطار مساعيه للتخلص من الخوف والرعب الذي ينتابه من أصوات معارضيه داخل الأسرة الحاكمة والسلطة الدينية. 
وبين هذا وذاك، لا تبدو التغيرات التي تطرأ على الساحة السعودية إلا صورة مصغرة للوضع الهش الذي تعيشه مملكة النفط مؤخرًا وسط انهيار وفشل ذريع من خلال حربها وعدوانها على اليمن.
ولا يمكن أن يكون السماح للمواطنين بمشاهدة الأفلام بالعلن هو الطريق إلى الديمقراطية، كما أن السماح للمرأة بالقيادة لا يمكن أن يشبع جوع الآلاف من المواطنين الذين يقفون تحت خط الفقر في المناطق الشرقية والجنوبية. 
الامتيازات التي تذرعت بها مملكة بني سعود على شعبها والمنطقة لسنوات طويلة، سقطت بالكامل، ورقة الإرهاب فشلت، صلة الهبات مع مواطنيها انتهت مع رفع الدعم عن المشتقات النفطية والتأمينات الصحية والاجتماعية، زعامتها للمقدسات الإسلامية أيضاً لم تعد تمتلك أية أهلية لإدارتها بعد منعها لشعوب أكثر من دولة عربية وإسلامية من الحج، بالإضافة إلى حوادث التفجيرات والانهيارات المتكررة التي راح ضحيتها آلاف الحجاج في السنوات الأخيرة.
هزيمة مشروع الإرهاب وانتكاسة النفوذ الوهابي في المنطقة جعلت الأمريكيين يذهبون في الاتجاه الآخر نحو اللعب على التناقضات القائمة داخل المجتمع السعودي نفسه، وتوظيفها من جديد لتمرير مصالحها الخاصة، إذ إن التغييرات الأخيرة التي يقوم بها المراهق المدلل بن سلمان تأتي ضمن مخطط أمريكي لإعادة تدوير مخلفاتها من أدواتها في المنطقة، حيث يسعى الأمريكيون لتعزيز تواجدهم في المنطقة العربية من خلال تغيير شكل وكلائها، استبدال طلاء جديد على نفس الأوجه بمسميات أخرى، إذ لا يستبعد أن يتم تقسيم المملكة السعودية جغرافيا وكياناً، إذا اقتضت الحاجة لدى اللاعب الأمريكي الذي بدأ يستشعر خطر وجوده في جغرافيا ملتهبة ومسورة بمحاور الممانعة والمقاومة من الشام إلى اليمن.
شرق أوسط جديد في الأفق لا محالة، لكن أين ستكون السعودية من هذا التغيير؟ وهل ستحافظ الأخيرة على شكلها الجغرافي والسياسي القائم؟ لا تبدو المؤشرات إلا عكس ذلك تماماً، إذ إن المستقبل القريب بدا واضحاً، فما يحدث اليوم من انتصارات كاسحة في ربوع محاور الممانعة في اليمن والعراق وسوريا، يرتد سلبياً على مملكة بني سعود (غرفة عمليات داعش وبؤرة الإرهاب).