من بؤس المحاوي إلى رحاب الوطنية
21 أيلول " أحياء الصفيح في غمار المواجهة "

تُحدِث الثورات والحروب الوطنية نتائج عميقة في المجتمعات تشمل كافة بناها -إيجاباً أو سلباً- وتعرفها الماركسية بالتحولات الاجتماعية، والمحكومة مآلاتها بحسب مضمون قواها وطبيعة وظروف المجتمع الجارية فيه.. وطبقاً للمنظور ذاته، فالثورة تعني إعادة خلق المجتمع وقواه من جديد على قاعدة الانتصار للأغلبية الشعبية المقهورة بيد الأقلية.. وفي اليمن، كيف مست التحولات بنية المجتمع في ظل الثورة والعدوان بالنسبة لشريحة (الأخدام)؟ وهل كانت هذه الشريحة بعيدة عن مجريات الصراع والتأثير فيه كما هو حالها المعهود؟! صحيفة (لا) تسلط الضوء في هذه الأسطر على جانبٍ من الحكاية..
لفترات طويلة جداً عُرفت شريحة (الأخدام) بانعزالها الاجتماعي، سواء بتجمعاتها السكانية (المحاوي) أو تفردها بنمط معيشي وأعراف بينية خاصة وعلاقات منغلقة... وخلال محطات فارقة من عمر التاريخ اليمني السياسي والصراعات التي تخللته، كان (الأخدام) بمنأى عنها، خارجة عن اهتماماتهم وحساباتهم، عدا بعض الناشطين والسياسيين منهم، ولا يتجاوزون عدد الأصابع. 
بيد أن البلد، ومنذ بداية العدوان، شهد انخراطاً كبيراً -مقارنة بوضعهم الاعتيادي- من شريحة (الأخدام) في صفوف اللجان الشعبية والجيش، وقدموا قافلة من الشهداء، وبحسب مصدر خاص لـ(لا) أفاد أن من أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء فقط هناك 134 شهيداً من الأخدام ارتقوا في جبهات الدفاع عن الوطن، ومن المقرر أن يقام مهرجان تكريمي لذويهم في العاصمة خلال الشهر القادم.
توضح المصادر أن الجبهات تشهد حضوراً لافتاً لأبناء شريحة الأخدام المستضعفة، وتفاعلاً كبيراً على المستوى التعبوي والمواجهة عموماً. وتضيف: الأخدام حاضرون بقوة في المشهد الوطني خلال العديد من الوقفات الاجتماعية والمسيرات والفعاليات الكبرى مثل فعالية المولد النبوي الأخيرة.
وفي محافظة تعز، ومع تفجر جبهة الصلو، تفيد المعلومات أن أول شهيد هناك كان ياسر الصلوي، وهو من شريحة (الأخدام).
على مستوى أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء وحدها، قدم الأخدام 134 شهيداً ارتقوا في الجبهات، ناهيك عن الشهداء والجرحى إثر غارات تحالف قوى العدوان التي لاحقت أحياء الصفيح التي يقطنونها.
وبطبيعة الحال، ليس هناك من إحصائيات دقيقة عن الشهداء والجرحى أو المشاركين في الجبهات من شريحة الأخدام بمعزل عن غيرهم. إذ إن تلك الاحصائيات يجب أن تعتمد مبدأ العرقية لا مبدأ الوطنية، على الرغم من ضرورتها في هذا السياق لمعرفة مدى التحولات التي تعيشها البلاد وتقييم مسار الثورة وأثرها.
يقول قيادي ميداني في جبهة نجران: هناك مجاميع من المهمشين يشاركون في القتال بروحية عالية وتفانٍ، وهم شجعان جداً، ومنهم قياديون ذوو كفاءة عالية.. جميعاً نتواجد هناك في وجه الموت كيمنيين، وننزف دماءنا، ونروي تربة أرضنا معاً وبلا فوارق.. ولم أفكر بذلك لولا تساؤلكم، فالمتوقع من جميع اليمنيين هو هذا الموقف بلا استثناء، ولا يمكن النظر للمسألة من هذه الزاوية.
وتبلغ نسبة المشاركة في الجبهات حوالي 6% من هذه الشريحة المقدر عدد أفرادها بقرابة مليون و300 ألف، طبقاً لعضو اللجنة الثورية العليا محمد القيرعي، خلال حوار خاص مع (لا).

ذهنية التخريب السلطوية
ولطالما كانت أوساط عدة ترشق هذه الشريحة بكونها مجيرة للارتزاق والاحتشاد مع من يدفع المال.. كتوصيفات إلى جوار كثير غيرها، تعد جزءًا من وعي عام ساد ضمن ثقافة سلطوية تبعية عبأت الأفكار العامة للمجتمع بتصورات ومحمولات متخلفة. فضلاً عن كون ثقافة السلطة التبعية ركزت على إفساد الأخلاق العامة ونشر القيم الرذيلة ليسهل لها الحكم، ويتعايش الناس مع الفساد والجريمة والعمالة.
والواقع أن شراء الذمم وثقافة (انتخابات السمن والسكر) لم تكن مقتصرة على لون أو منطقة، بل ثقافة نشرتها السلطة بين عموم المستضعفين وساكني الصفيح الذين وضعتهم سلطات الجوع تحت طائل الابتزاز فقراً وتخلفاً.
لكن جبهات الدفاع عن الوطن لا تقدم الأموال أو الامتيازات كما هو حال الطرف الآخر، بل المشاركة فيها طوعية خالصة ليست إلا لذوي الدافع الوطني العقيدي أصحاب القضية والتضحية.

لماذا الآن؟ ما الذي تغير؟!
تشير المعطيات إلى عدد من العوامل التي دفعت هذا الوسط الذي كان خارج الفعل السياسي اليمني للانخراط في أهم محطة مرت بها البلاد.. (لا) تلمست جوانب مختلفة في هذا السياق باستقصاء معلومات وآراء عدة.
مع تفشي عصابات العدوان والمرتزقة في مدينة تعز وأجزاء من ريفها، بدأ استهداف (المحاوي) وتعرض الأخدام للملاحقات والتشريد وأبشع التنكيل؛ تارة بإلصاق الجرائم الجنائية والأخلاقية التي ترتكبها العصابات، وتارةً تحت ذرائع (الجاسوسية والإحداثيات)، كما حدث مع الشهيد باسم البتت مثلاً.
علاوة على ذلك، فقد تعرضت (المحاوي) للاستهداف الدموي من قبل طيران العدوان في مناطق البعرارة والزنقل وعصيفرة ومفرق شرعب وماوية وغيرها، راح إثرها مئات الشهداء والجرحى.
وفي ظل وطأة هذه النظرة السادية ضد (السود) وامتهانهم الوحشي وانتقاص آدميتهم، اضطر أكثر من 90% من (الأخدام) القاطنين في مناطق سيطرة العصابات إلى النزوح لمناطق السيطرة الوطنية في الحوبان وغيرها، الأمر الذي ساعد كثيراً في نشاط التعبئة العامة التوعوية أن تصل لهذه الشريحة.
في السياق ذاته، فقد استهدف طيران العدوان العديد من تجمعات (الأخدام) في جرائم إنسانية مروعة راح ضحيتها العشرات، أبرزها قصف (محوى) سعوان بالأمانة و(محوى) الأزرقين في حجة.
إزاء ذلك، يفصح واقع الحال، أن استهداف تحالف العدوان المتواصل للأخدام سار باطراد مع انخراطهم في الصفوف الوطنية وجبهات الدفاع مع الوطن, إذ لمسوا الفارق القائم بين نموذج المرتزقة ونموذج الوطن.
يذكر محمد القيرعي، أن ثورة الـ21 من أيلول، خلقت الظروف والفرص المواتية أمام هذه الشريحة المهمشة -كما هي لكل اليمنيين- لتنهض بواقعها الذي رزحت فيه طويلاً إلى آخر يكفل لها آدميتها.
ويبين القيرعي أن حملات التعبئة العامة والتثقيف الوطني استهدفت الأخدام كغيرهم -بدرجة رئيسية عبر عقال الحارات- من خلال الدورات التثقيفية والتوعوية والنزول المستمر إليهم وعقد اللقاءات والاجتماعات معهم ومع عقلائهم.
لهذه العوامل مجتمعة، ولغيرها من العوامل، انخرط (الأخدام) في المواجهة الوطنية كغيرهم من اليمنيين، لتشييد وطنهم المنشود الضامن لكرامتهم وحياتهم، حيث إن ما تعرضوا له أخبرهم بأنهم يقعون ضمن نفس دائرة الخطر والاستهداف التي تطوق الشعب اليمني وتفتك به، وانجلاء ذلك لا يكون إلا بانتصار الشعب على العدوان، حد ذكر القيرعي.
ويستطرد عضو الثورية العليا: هناك من ذهب للقتال بدافع الانتقام في البداية بسبب بساطة الوعي والثقافة أو انعدامهما، إلا أن الأمر اختلف لاحقاً في ظل العمل التعبوي والتثقيفي الوطني والثوري.

محدودية المشاركة ووطنية الانقسام
عاش (الأخدام) لقرون طويلة ظروف الاضطهاد والقهر والتمييز الاجتماعي، وحياة العزلة والتهميش السياسي والحرمان من الثقافة والوعي...، كانت أسباباً رئيسية لمحدودية المشاركة لشريحة (الأخدام) -6% منها- في المواجهة الوطنية، وفقاً لخبراء أفادوا أن الظروف التي عاشها (الأخدام) كون لديهم وعياً وشعوراً بأن لا علاقة لهم بما يدور حولهم في المجتمع -اللاانتماء- الأمر الذي يضع أمام الثورة والتحرر الوطني مهمة حساسة في إطار بناء الهوية الوطنية اليمنية الجامعة والوحدة الاجتماعية.
إضافة إلى أن عملية التعبئة -المباشرة لهم- تجري ببطء، وفقاً لمصدر في لجنة التعبئة العامة، الذي أوضح أن عملية التعبئة الجارية تستهدفهم ضمن المجتمع عامة، وبأن هناك معالجات لذلك.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ الثوري الوطني التي نجد فيها مشاركة لافتة لـ(المهمشين)، والأولى التي يكتسبون فيها هذا الحضور.
ومن جانبٍ آخر، فقد تعرضت شريحة (الأخدام) إلى الانقسام الوطني كحال المجتمع كله، فحين كانت هناك شخصيات بارزة تقف في الصف الوطني ظهرت أخرى التحقت بصفوف العدوان، منها عضو الحوار الوطني نعمان الحذيفي -القابع في فنادق العدوان- الذي عمل من فترة مبكرة بالضد لثورة أيلول، وألب عليها وسط أبناء شريحته بأن الثورة (سلالية وعرقية وتفرز المواطنين بألوانهم)...
وفي تعز، تعرضت حركة (أحفاد بلال) التي أسسها محمد القيرعي بعد 2011م، للانشقاق وإعلان الانحياز لتحالف العدوان، جرى ضمن ترتيب إخواني استخدم مرتزقاً يدعى عبد الحكيم الشرعبي.