لم نكتشف بعدُ حسيناً
 

مجاهد الصريمي

مجاهد الصريمي / لا ميديا -
سنغض الطرف عن كثير من الحقائق القرآنية، ونفترض جدلاً أنه لا وجود لقتلة الحسين بيننا.
لأن المؤكد، بحسب منطق القرآن والعترة، أن قتلة الحسين لا يمكن لهم أن ينتهوا، ففي كل جيل هناك من هم من قتلته.
فالقرآن عندما يخاطب أحفاد بني إسرائيل في عهد النبي محمد بأنهم قتلوا أنبياء الله معناه أن فعل القتل مستمر، حتى وإن كانوا لم يشهدوا زمنياً تلك المقاتل والجرائم.
لا وجود لقتلة الحسين بيننا. لكن هناك من لم يأخذ واقعة كربلاء مأخذ الجد، بل وهناك من يريد أن ينسينا هذه الذكرى.
ليس بيننا قاتل للحسين؛ ولكن بيننا من قتل كل الأهداف والمعاني النبيلة التي ناضل من أجلها الحسين. أجل، ليس بيننا قاتل للحسين؛ ولكن بيننا من لا يعني له مقتل الحسين أكثر مما يعنيه مقتل أي شخص آخر. ليس بيننا قاتل للحسين؛ ولكن بيننا ليس فقط من سمع بذلك ورضي به، بل بيننا من سمع بذلك فترضّى على قاتليه.
ليس بيننا قاتل للحسين؛ لأنه ببساطة ليس بيننا الحسين الشخص؛ ولكن بيننا مَن يقتلون الحسين المعنى، والحسين القضية والوجهة والمبادئ والقيم.
حين يفقد الحدث الحسيني روحه وفلسفته يصبح انتفاضة توّابيّة موسمية، وحطاماً تاريخياً يتكرّر من دون روح متجددة ومن دون فكر مبتكر، إذ يُنتج العوام انفعالات توّابية حول الحسين، من باب رجاء المطلوبية، لكنّ النخب تتبرّم، فإمّا تعاقر بعضا مما يبتكره الجمهور وإمّا تهرب من مسؤوليتها التّاريخية كالسّامريّ. ثم ماذا أنتجت النخب من ثقافة حول الحسين ما عدا ما كان من الشعر والمسرح والأناشيد، وهو في حقّ الحسين قليل لو قيس بعدد السنين والكتاب؟!
مازلنا لم نتجاوز روح التّوابين إلى روح الحدث الكربلائي بشرط زمانيته، في طراوة الحدث، في عمق فلسفته؛ لكن ما هي هذه الرّوح؟
إن كنت تظنّ أنّ الروح الحسينية ستحملها الانفعالات التّوّابية فأنت مخطئ، مخطئ لا محالة؛ لأنّ الموقف له زمانيته، كالصلاة، وإذا خرج الوقت كان قضاء، فهل قضى التوابون واجبهم الحسيني؟!
إن تلك الفروسية التي تحضر بعد أن تضع المعركة أوزارها، تأتي استدراكاً وبحسابات حمقاء. قُتل الحسين وانتهى الحدث، وما تبقّى هو روح الحدث المتجدد عند كل منعطف ينبري فيه الظلم ويطغى فيه الإسفاف. فالفرسان لا يتأخرون، لا يخذلون، لا يتلكّؤون.
كن حسينيّاً ولا تتلوّ. فالحسين كان فارساً قاوم التّفاهة والظلم، ثار في وجه الأنذال، أطاح بالقردة من على منبر جدّه، خرج مناضلاً، طالباً للحق والإصلاح، لا أشراً ولا بطراً، نقيّاً واضحاً كصبح بالغ البلج.
ليس في انفعالية التوابين معيار تاريخي للنهوض بروح الحدث الحسيني. ولكن يمكن أن تمنحك الروح معياراً لكي لا تخذل الحقّ حيثما رأيته، لا تتردّد، أن يكون لك حدس حسيني يرمي ببصره أقصى القوم، ولا يزحف بلا دستور في متاهة الزّمن الملتبس. الحسين ذكاء وقّاد. الحسين فارس لا يتلوّى، نبيه لا تهجم عليه اللّوابس، كان خروجه حدثاً تاريخياً، فيه المصلحة، كل المصلحة، بخلاف ما قال الحرّاني والنّاصبي.
قالوا ما يشبه القول بأنها مغامرة! لقد فعل الحسين شيئاً في التاريخ أساء المؤرخ قراءته. أما ابن خلدون فقد ترك الكثير من البياض؛ لأنّ ثورة الحسين هشّمت نظرية الشوكة والعصبية، ومنحت للقوة معنى العلاقة والرأسمال الرمزي. لم يكن الحسين يريد تغيير ما لم يكن بالإمكان تغييره بالقول ولا بالشهادة؛ ولكنه أنقذ التّاريخ وخرّب الطرق السيارة أمام الزّيف والتحريفية.
الحسين ليس من طينة الحُطام المتبقّي من التحريفية، ولا من القراد الذي ينحدر من الوعي الدّيني الأجرب. الحسين يمحق كل شمر وداعش، كل تفاهة وظلامية، ثورة فارس لا تبلى، والأهم: قيم الفرسان، الرجولة السياسية والدينية والأيديولوجية، لن تنفعك أي فكرة -حتى ذكرى الحسين- إن افتقدت قيم الفروسية.
ففي كلّ ذكرى وجب اكتشاف عبرة جديدة، ومعنى للفروسية جديد.
إن ظلّ دمعك ووعيك توّابيّاً فما فعلت شيئاً. ثورة الحسين ثورة فرسان لا تتلاشى في التّاريخ، بينما انفعال التّوابين مجرد حركة آنية سرعان ما تتلاشى في الزمن حتى تصبح نفاقاً فجاً.
ما الذي يحدث اليوم؟!
لم  تعد حسابات التوابين حسينية. العين حسينية، والقلب قلب ابن أبي بلتعة. وكان لا بدّ من معرفة ذلك؛ لأنّ الجغرافيا خادعة، ولأننا لا نفعل سوى أن نواجه قدر الجغرافيا؛ فلم نكتشف بعدُ حسيناً. نحتاج إلى ثورة تستمد من خطى الحسين ما نستطيع به التخلص من كل هذا الحُطام.

أترك تعليقاً

التعليقات