تحقيق: بشرى الغيلي/ لا

غادروا البحر حيث لا وجهة، بينما آخرون يفكرون بإيجاد بدائل لاستمرارهم على قيد كسرة خبز تحميهم وأطفالهم من الجوع، والبعض تم اعتقالهم من قبل أساطيل دولية، أو إريتريا.. تفاقم وجعهم حين صحوا ذات فجر على قواربهم المحروقة في المرفأ بطيران الحقد وهو يصبّ جام غضبه على قواربهم الصغيرة، وفق مبررات كاذبة تقول إنها تهرّب أسلحة، فيما أعلن الاتحاد اليمني لصيادي الأسماك في الساحل الغربي أن غالبية الصيادين، الذين يقدر عددهم بنحو 150 ألف صياد، اضطروا إلى تقليص عملهم أو التوقف عنه مما أدى إلى وقوع 70% منهم في براثن الفقر.. وحسب أحد الصيادين فإنهم مستعدون للمخاطرة بحياتهم في الصيد بدلاً من مواجهة البديل وهو الجوع أو الموت، فيما دمر طيران العدوان 11 مركزاً لتجميع أسماك الصيد في البحر الأحمر خلال عام 2017 فقط، ذلك حسب مصادر رسمية... صحيفة (لا) اقتربت من هموم الصيادين، وتلمّست معاناتهم، والتقت بشير الخيواني وكيل وزارة الثروة السمكية الذي وضع النقاط على الحروف.

إحصائيات ألف يوم
الاستهداف المباشر للمرافئ اليمنية لم يضرّ الصيادين فقط، ويتسبب بانقطاع أرزاقهم، بل كبّد الاقتصاد الوطني خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وفي آخر إحصائية رسمية لوزارة الثروة السمكية لألف يوم من العدوان، حصلت (لا) على نسخة منها، بلغ عدد الشهداء 146 شهيداً وعدد الجرحى 57 جريحاً من الصيادين، فيما بلغ إجمالي خسائر القطاع السمكي في البحر الأحمر، نتيجة العدوان الأمريكي السعودي، 4 مليارات و536 مليوناً و301 ألفاً و652 دولاراً. 
وتوزعت تلك الإحصائية على قوارب دمرت بشكل كلي، وقوارب نتيجة استهداف مراكز الإنزال، أو وقوع بعض المراكز في مناطق مواجهات عسكرية. 

 قاربي مصدر رزقي
سعيد البرعي (صياد) تعرّض قاربه للتدمير أثناء قصف طيران العدوان مرفأ ميناء الحديدة، يقول لـ(لا): (قاربي مصدر رزقي الوحيد، وأعيل 6 بنات وولداً وزوجتي، وبينما كنا نائمين سمعنا انفجاراً كبيراً، اعتقدنا أن القصف استهدف مبنى، أو مركزاً، وعند ذهابي الفجر إلى المرفأ، وجدت قاربي، وقوارب أصحابي، جميعها أحرقت ودمرت).
يختم البرعي بغصة: (أنا الآن بدون أي عمل، ولا يوجد لديّ أي مصدر رزق آخر، سوى قاربي الذي دمره طيران العدوان، وحتى إن ملكت قاربا آخر، فهناك تهديدات في البحر، وضربات على زوارق بحرية، بناء على تبريرات العدوان بأنها تهرّب أسلحة، فحياتنا أصبحت في خطر).

 صرنا نخشى البحر
 جبير أحمد (صياد - 42 عاماً)، قال: (زمان كان همنا القوات الاريترية، واعتقالها للصيادين، واليوم نخاف من كل شيء، من البحر والبر).
يسترسل جبير: (القصف مستمر على أي زورق أو أي قارب، من قبل طيران العدوان وسط البحر).
وعن الثروة السمكية ومردودها على الاقتصاد، يختم جبير: (المنتوج السمكي قل كثيراً، بسبب الخوف، والضربات على القوارب والصيادين، والكثير من أصحابنا قتلوا، ودمرت قواربهم، ومنهم من تم أسرهم في إريتريا، لذلك باتت حياة أي صياد مهددة).

من سيحمينا؟!
عبدالحق معوضة (صياد - 50عاماً) يحكي لــ(لا) بوجع ومرارة: (حياتنا باتت أشبه بالجحيم. صار مصير الصياد إما قصف طيران العدوان، أو الاعتقال على متن الأساطيل الدولية، ونحن لا بديل لنا غير البحر، فهو سرّ بقائنا، ومصدر رزقنا).
يضيف معوضة بألم: (نشعر ألا أحد يأبه لقضيتنا، حتى الجهات المختصة، لا نلمس منها أي تعاون على الأرض). يستطرد: (صحيح نحن نعاني من عدوان لم يبقِ لنا شيئاً، ولكن من حقنا أن نشعر ببعض الاهتمام. كل ما أود إيصاله عبر (لا) أن تصل قضيتنا للمختصين، وأن يجدوا لنا حلاً، فقد ضاقت بنا السُبُل). 

تعويضات
ووقوفاً عند شكوى عبد الحق معوضة وزملائه من الصيادين، طرحت (لا) تساؤلاتهم وقضيتهم على وكيل وزارة الثروة السمكية، بشير الخيواني، الذي أكد أن دور الوزارة يتمثل في تعويض الصيادين الذين تعرضت قواربهم للتدمير من قبل طيران العدوان الأمريكي السعودي وتعرضت للتلف في عرض البحر، حيث تم توقيع اتفاقية مع منظمة الفاو لتمويل ورش صيانة للمحركات وكذلك الفيبر جلاس، كذلك تعويض أسر الصيادين الشهداء بمحركات وقوارب، وتوزيع سترات نجاة لقوارب الصيد لتعزيز فرص النجاة من العدوان البربري، كون البحر الأحمر من أشد الأماكن خطورة خاصة أثناء الضربات حيث تجذب الدماء أسراب أسماك القرش. 

 خسائر القطاع السمكي
استهداف طيران العدوان وقصفه للمرافئ اليمنية وللصيادين في عرض البحر أدى إلى فقدان الصيادين لقواربهم التي هي مصدر رزقهم الوحيد. ويوضح الخيواني آثار العدوان على الصيادين وقطاع الصيد وفق ثلاثة محاور: أولاً: تراجع الإنتاج المحلي وعدم قدرة الصيادين على العمل في المياه الإقليمية داخل الـ6 الأميال المخصصة للصيد التقليدي سبب انهياراً اقتصادياً لشريحة الصيادين والتي هي من أفقر الشرائح أساساً، ثانياً: إغلاق المنافذ والحصار المضروب على المنتجات اليمنية مما يجعل الصيادين والمصدرين ومعامل التحضير تفقد مصادر عملها حيث انهارت في الحديدة 14 شركة لتحضير الأسماك لعدم القدرة على تصدير المنتج القليل الموجود، ثالثاً: انتهاك دول العدوان للمياه اليمنية، والسماح لقوارب الصيد التابعة لدول العدوان بالصيد داخل مياهنا الإقليمية، والتلوث البيئي الذي تنتجه البوارج الحربية، ومخلفات الصواريخ والمعدات الحربية. ويختم الخيواني في هذه الجزئية: (الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الثروة السمكية تمثلت في تقديم عدة مذكرات للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية، لوقف الانتهاكات الحاصلة، وعمل دورات في تطوير سبل المعيشة للصيادين وعائلاتهم).

 عدوانٌ دولي
تعرض الكثير من الصيادين للاعتقال، سواء من قبل إريتريا، أو من أساطيل دولية، مما جعل الكثير يتساءل ويقول: حياة هؤلاء الصيادين إلى أين؟ وهنا كان لا بد من طرح هذا التساؤل أمام القائمين على وزارة الثروة السمكية، حيث أوضح بشير الخيواني وكيل الوزارة بالقول: (بخصوص الانتهاكات التي يتعرض لها الصيادون من قبل اريتريا وإسرائيل ودول المحور، نأخذ على عاتقنا بالوزارة متابعة كافة المنظمات الدولية، والسفارات عبر وزارة الخارجية ووزارة حقوق الإنسان في متابعة إطلاق سراحهم). ويختم: (كما تعرفون نحن نتعرض لعدوان دولي يحكمه المال النجس، والذي يكمم الأصوات الدولية، ويعيق أي إنجاز في الجانب الإنساني، ويعرقل أي حلول وتدخلات).

 منعطف في الأفق
 تلك لمحة عن حياة من يدُخلون البهجة إلى المائدة اليمنية بطبق السمك الشهي، وما يتعرضون له من قبل طيران الحقد الدولي بقيادة العدوان الأمريكي السعودي، سواء بقصف قواربهم، أو اعتقالهم، مما أدى إلى إضعاف المنتوج السمكي، وتقلّص ظهور هذا العنصر المهم في الغذاء، وارتفاع أسعاره في الأسواق، كذلك الاصطياد الجائر الذي يمارسه صيادو دول العدوان في مياهنا الإقليمية. ومن خلال متابعة وزارة الثروة السمكية اتضح أن الصيادين ليسوا بمفردهم، بل هناك من يحاول تخفيف أوجاعهم، وإيجاد أبسط الحلول الممكنة لهم في ظل عدوان بربري عالمي.